ليلة مقتل الجنرال التركي (فريد بيك)

جاسم محمد صالح

[email protected]

لنعد الى الوراء وتحديدا الى عام 1913 ... كان شهر حزيران في مدينة البصرة لاهبا والهواء الجاف والأتربة تملا المكان , وسكان مدينة البصرة الطيبون مثلهم مثل كل مدن العراق وقراه ... يعانون من ظلم المحتلين الأتراك وأساليبهم الاستعمارية ... فهؤلاء وكما تعرفون كانوا يسلبون الناس أموالهم ... ويسجونهم وأحيانا يعذبونهم , فالضرائب الكبيرة  مستمرة والخدمات قليلة , حيث لا مستشفيات ولا مدارس ولا طرق مواصلات , لا شيء يقدم الى العراقيين من قبل المحتلين الأتراك غير الخوف والفزع والإرهاب .

نحن الآن في عام 1913 ... وسأحدثكم عن هذه الليلة العظيمة , هذا الجنرال التركي المقتول ... كان حاكما على البصرة وواجبه أن يملا جيوبه بالأموال المسوقة من الناس الأبرياء ... والهدايا الكثيرة التي  كان يرسلها الى والي بغداد التركي تؤكد ذلك , لم يكتف هذا الجنرال التركي المتهور بكل ما يحصل علية بالقوة , بل تمادى في إذلال الناس والاعتداء على كرامتهم ... فالويل  كل الويل لمن لا ينحني لموكبه حينما يمر ... والويل لمن لا يقبل يده التي كان يمدها إمعانا في إذلال الناس .

كان ( فريد بيك ) وهو اسم هذا الحاكم التركي يثير الرعب والتقزز لدى الناس ... وإذا ذكر اسمه انتفض الناس كمن يذكرهم بأفعى سامة ... مجموعة خيرة من أهالي مدينة البصرة الشجعان اجتمعوا في مكان ما خارج أسوار المدينة .

في ليلة متربة ... هواؤها حار جدا ... قرر أبطال البصرة أن يوقفوا هذا الطاغية  التركي ... فلقد انتهى صبر العراقيين وما عاد الظلم يحتمل , ولم يكن الأتراك المحتلون يعرفون : (( أن الحليم إذا غضب كانت غضبته مدمرة وعارمة)) .

تسللت مجموعة الأبطال هذه  نحو وسط المدينة , بعد أن عبرت الأسوار المحيطة بها وتوجهت الى مقر الحاكم التركي الذي كان يسمى ( السراي ) وقتها ... وكان الحاكم التركي مخمورا في تلك الليلة ... هو وجنوده ,  وكان الغناء ينبعث من أرجاء ( السراي ) , لكن عيون  الرجال الأبطال كانت تحدق في الظلام , ورغم أن الليل الصيفي كان طويلا في مدينة البصرة  إلا أن صبرهم كان أطول .

قبل أن يبزغ الصباح بدقائق خرج الجنرال ( فريد بيك ) من غرفته, وفي لحظات كانت نيران أبطال البصرة تنهال عليه, سقط ( فريد بيك) أرضا وهرب حراسه وأعوانه .

كان الرصاص غزيرا مثل المطر العراقي في الربيع .

استيقظ الناس كلهم فرحين , وزغردت النسوة بصوت عال ورقص الأطفال أمام البيوت بابتهاج , فقد انتشر خبر مصرع ( فريد بيك ) مثل البرق  وكانوا يرددون فرحين :

ياه ... ما أجمل هذا الخبر وأروعه!!!

ما حدث كان درسا للأتراك المحتلين ... فقد امتلأت نفوسهم حقدا ورعبا , وحاولوا أن ينكلوا بسكان المدينة الأبطال, لكنهم لم يفلحوا لان هجمات الثوار كانت ترعبهم وتملأهم فزعا  وعرف المحتلون الأتراك أن العراقيين لا يمكن أن يصبروا على ضيم أبدا.