عيدنا الحقيقي .. متى يكون
عيدنا الحقيقي .. متى يكون ؟
أ.د/
جابر قميحةالعيد بمفهومه العرفي يعني يوما أو أكثر يظهر فيه الإنسان احتفاله وسروره بمناسبة معينة كما نرى في قوله تعالى " قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ " المائدة 113
ومعنى تكون لنا عيدا أي مناسبة نعظمها ونشرفها .
وقد كثرت الأعياد في أيامنا الحاضرة ، وتنوعت فنلتقي بالأسماء الآتية :
عيد العمال عيد الثورة عيد الأم عيد الربيع عيد الطفولة ... الخ .
*********
وفي حديث أنس رضي الله عنه قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: "ما هذان اليومان؟" قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما : يوم الأضحى ويوم الفطر" ( رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه ابن تيمية والألباني ) .
فهذا التخصيص يهدف إلى أن يكون للأمة الإسلامية شخصيتها المستقلة المتجذرة في عقائدها وعاداتها وتقاليدها وأعيادها .
*********
والعيد يكون في الأصل مناسبة لإظهار الفرح والسرور ، ولكن التاريخ يروي أن هناك من تحول عيده إلى أحزان مُرة ، لأسباب قاسية تمر بالشاعر ، كما نرى في قول المتنبي :
عـيد بأيةِ حال عدت يا أمـا الأحـبة فالبيداء دونهمو | عيدُبما مضى أم لأمر فيك تجديد ؟ فـلـيت دونك بيدٌ دونها بيد |
ويتعرض بعض الشعراء لمحنة السجن والانقطاع عن الأهل والأحباب والأبناء، ويأتي العيد؛ وهم خلف القضبان، فتثور في نفوسهم الذكريات؛ فهذا الشاعر عمرو خليفة النامي الذي كتب قصيدته (يا ليلة العيد) وهو بين قضبان السجون يصوّر فيها ما يعانيه هو وأحباؤه من مأساة الظلم والطغيان، فما أشد ما يلاقيه الشاعر وهو في زنزانة ضيقة تطوف بخاطره وخياله صورة أطفاله وأبنائه وهم ينتظرونه في ليلة العيد، حتى يصور الشاعر نفسه كأنه يبصر أولاده والدمع ينهمر من أعينهم شوقًا إليه،
فكيف تكون فرحة الأطفال بالعيد والآباء يرسفون في السلاسل والقيود؟:
يـا ليلة العيد كم أقررت مضطربًا أكـاد أبـصرهم والدمع يطفر من يا عيد، يا فرحة الأطفال ما صنعت مـا كـنت أحسب أن العيد يطرقنا | لـكـن حـظي كان الحزن أجـفـانـهـم ودعاء الحب يختنق أطـفـالـنـا نحن والأقفال تنغلق والقيد في الرسغ والأبواب تصطفق | والأرق
إنها مشاعر جياشة تثور مع عودة العيد على المعتقلين في السجون خصوصًا إذاكان السجن ظلمًا، فتثور الذكريات ويعيش كل منهم ذكرياته مع الأهل والأصدقاء والأطفال .
*********
والعيد كما أشرنا فيما سبق إنما هو ذو مدلول شعوري نفسي يتدفق بالسعادة والسرور ، أي أنه ليس قطعة من الزمن بحساب الكم ، ولكنه دفقة من الشعور بحساب الكيف .
وقد تراكمت الهموم على شعبنا المصري ، وعلى الشعوب العربية ، فأصبحت الأعياد مجرد مظاهر ، لا تصور الواقع الذي تعيشه الأمة ، وبتعبير آخر أصبحنا نعيش كما ذكرنا في عنوان المقال عيدا غير حقيقي .
وكيف يكون عيدا حقيقيا وفلسطين والقدس تحت أقدام الصهاينة ، وصدق عمر بهاء الدين الأميري " شاعر الإنسانية المؤمنة " إذ قال :
يـقـولونَ لي: عيدٌ سعيدٌ، أعـيـدٌ سعيدٌ!! يالها من سعادةٍ يـمـرُّ علينا العيدُ مُرَّا مضرَّجاً عـسى أنْ يعودَ العيدُ باللهِ عزّةً | وإنَّهُلـيـومُ حسابٍ لو نحسُّ وأوطـانُـنا فيها الشقاءُ يزمجرُ بأكبادنا والقدسُ في الأسْرِ تصرخُ ونَصْراً، ويُمْحى العارُ عنّا ويُنْسَخُ | ونشعرُ
*********
وفي نفس الفلك يدور الشاعر عمر أبو الريشة ، وإن لم يفقد الأمل في غد منتصر فيقول :
يـا عيدُ ما افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ يا يا عيدُ كم في روابي القدسِ من كَبِدٍ سـيـنجلي لَيْلُنا عن فَجْرِ مُعْتَرَكٍ | عيدفـكـيـف تلقاكَ بالبِشْرِ لـهـا على الرَّفْرَفِ العُلْوِيِّ تَعْييدُ؟ ونـحـنُ فـي فمه المشْبوبِ تَغْريدُ | الزغاريدُ؟
*********
فعيدنا الحقيقي لن يشرق على مصر وأمتنا العربية والإسلامية إلا بمظاهر حقيقية منها :
1- أن يعيش المواطن في حرية حقيقية تعتمد على الصدق والحق والشعور بالأمان .
2- أن يتخلى حكامنا عن الظلم والاستبداد ، وأن يعلنوا أن الشعب مصدر السلطات ، ويبدءوا بأنفسهم ، فيكونوا قدوة حسنة صادقة للشعب في أقوالهم وأفعالهم .
3- القضاء على لصوص الحكم والأرض والمناصب . والإعلان بصراحة حاسمة بأن مصر دولة جمهورية لا توريث فيها . مع تحديد مدة الحكم بخمس أو ست سنوات لا تتكرر إلا مرة واحدة بإرادة الشعب ، دون تزوير وتزييف ، وإرهاب غاشم .
4- الإعلان عن تحريم محاكمة المدنين أمام القضاء العسكري ، مع العفو عمن يستحقون العفو من المعتقلين ظلما وعدوانا .
5- إطلاق حرية تكوين الأحزاب ، والسماح لها بأن تأخذ حقها المشروع في الترشيح دون اضطهاد أو تزوير .
6- الإعلان الصريح بمحاسبة الذين اختلسوا أموال مصر ، وأهدروا أموال العرب ، ونهبوا الأراضي والمواقع ، وأصبح الفقير يتمتع بالجوع والمرض والضياع والحرمان المخزي في مجال العلم ، والسكنى والمرافق .
7- تكاتف الأمة العربية والإسلامية جميعا لتخليص المسجد الأقصى ، وفلسطين المحتلة المنهوبة ، وعلى الحكام في هذا المجال أن يتخلوا عن القوالب البراقة ، ذرا للرماد في العيون ، كقول الرئيس المصري : إننا نحرص على " دعم السلام " !!! . فأين السلام الذي تدعو إلى دعمه ، في الوقت الذي يعربد فيه الصهاينة ، ويُستقبلون أحسن استقبال،بالترحيبات والابتسامات والأحضان ؟ !!!!.
8- رفض التبعية لأية قوى غربية أو شرقية ، حتى يكون لنا شخصيتنا المستقلة المتميزة القائمة على دستور حقيقي عادل ، لا يجامل ، ولا يغافل ، ولا يغفل عن الحق .
9- الارتقاء بمستوى الشعب في كل المجالات المعيشية ، بعد أن أكله الغلاء والفقر والمرض ، وأصبح في الحد المعيشي الأدنى، لو قيس بشعوب العالم .
10- وعلى الحكام الذين يحكمون شعوبهم من عشرات السنين في المشرق والمغرب عليهم أن يعقدوا مؤتمرا ، ومن حقنا أن نسميه " مؤتمر القمة الباغية " ، يعلنون فيه البيان التالي : " باسم الشعوب المغلوبة المسحوقة التي أنزلنا بها القهر والظلم على مدى عشرات السنين ، بلا وجه حق نعلن أننا نعتذر لهذه الشعوب ، ونعلن على العالم كله أننا نتنحى عن الحكم ، تاركين لها أن تختار من تشاء بحريتها الديمقراطية الوافية "
ومما يؤسف له أن هؤلاء الحكام كانوا يقودون الشعوب كما ذكرت آنفا بالكذب والبهتان والكلام المعسول الذي ينبثق غرورا وإفكا مما يذكرنا بقوله تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) البقرة 204 الى 206 .
*********
وما ذكرته آنفا إنما يمثل بعض الملامح التي لن يكون عيدنا حقيقيا بغيرها ، مع أن هناك من غيرها الكثير ... والكثير .