نظرية القرود الخمسة و ... واقعنا
نظرية القرود الخمسة و ... واقعنا
لبنى شرف / الأردن
(( أحضر خمسة قرود وضعها في قفص ، وعلق في منتصف القفص حزمة موز ، وضع تحتها سلّماً ، بعد مدة قصيرة ستجد أن قرداً من المجموعة سيعتلي السلم محاولاً الوصول إلى الموز ، ما أن يضع يده على الموز ، أطلق رشاشاً من الماء البارد على القردة الأربعة الباقين وأرعبهم ، بعد قليل سيحاول قردٌ آخر أن يعتلي نفس السلم ليصل إلى الموز ، كرر نفس العملية ، رش القردة الباقين بالماء البارد . كرر العملية أكثر من مرة ، بعد فترة ستجد أنه ما أن يحاول أي قرد أن يعتلي السلم إلا وستمنعه المجموعة خوفاً من الماء البارد . الآن أبعد الماء ، وأخرج قرداً من الخمسة من القفص ، وضع مكانه قرداً جديداً ، فلنسمه " سعدان " ، لم يعاصر ولم يشاهد رش الماء البارد ، سرعان ما سيذهب " سعدان " إلى السلم لقطف الموز ، حينها ستهب مجموعة القردة المرعوبة من الماء لمنعه ، وستهاجمه . بعد أكثر من محاولة ، سيتعلم " سعدان " أنه إن حاول قطف الموز فسينال " علقة قرداتية " من باقي المجموعة . الآن أخرج قرداً آخر من الذين عاصروا رش الماء غير " سعدان " طبعاً - ، وأدخل قرداً جديداً ، ستجد أن نفس المشهد السابق سيتكرر، القرد الجديد يذهب إلى الموز، والقردة الباقية تنهال عليه ضرباً لمنعه ، بما فيهم " سعدان " ، على الرغم من أنه لم يعاصر رش الماء ، ولا يدري لماذا ضربوه في السابق ، كل ما هنالك أنَّه تعلم أن لمسَ الموز يعني " علقة " ، لذلك ستجده يشارك ربما بحماس أكثر من غيره بكيل اللكمات والصفعات للقرد الجديد ، ربما تعويضاً عن حرقة قلبه حين ضربوه هو أيضاً . استمر بتكرار نفس العملية ، أخرج قرداً ممن عاصروا رش الماء ، وضع قرداً جديداً ، وسيتكرر نفس المشهد . كرر هذا الأمر إلى أن تستبدل كل المجموعة التي تعرضت لرش الماء . في النهاية ستجد أن القردة ستستمر تنهال ضرباً على كل من يجرؤ على الاقتراب من السلم ، لماذا ؟ لا أحد منهم يدري ، لكن هذا ما وجدت المجموعة نفسها عليه منذ أن جاءت !! )) .
هل تعلمون أن هذه القصة هي من دروس علم الإدارة الحديثة !! حتى ينظر كل واحد إلى عمله ، ليرى كم من القوانين والإجراءات تطبق بنفس الطريقة والأسلوب غير المقنع منذ الأزل ، ولا يجرؤ أحد على السؤال : لماذا يا ترى تطبق بهذه الطريقة ؟ بل إن الكثيرين وعلى الرغم من أنهم لا يعلمون سبب تطبيقها بهذه الطريقة يستميتون في الدفاع عنها ، وإبقائها على حالها !!! .
هذه القصة يا إخوة تعكس واقعنا اليوم ، كيف أننا نتمسك ببعض العادات والتقاليد السقيمة والعقيمة ، التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا ، وإذا قيل لنا إن هناك ما هو خير منها ، قلنا : بل نحن وجدنا آباءنا على هذه الطريقة ، وإنا على آثارهم مهتدون ، ولن نغير ولن نبدل ، بل نصر ونستميت في سبيل إبقائها والحفاظ عليها .
لست أدري لماذا هذا التحجر وهذا العناد في التمسك بمثل هذه العادات ، مع العلم بأن الكثير منها مضيعة للجهد والوقت والمال ، بل ومتلفة للنفس والأعصاب ، ونحن مطالبون شرعاً بالحفاظ على النفس والوقت والمال ، وألا نصرفها إلا في الخير وبمنهج الشرع وبالطريقة التي ترضي الله عنا ، فلماذا هذا التقليد الأعمى ؟! لماذا لا نعمل عقولنا ونسأل أنفسنا : لماذا هذه العادات بهذه الطريقة ؟ .
في حالة الوفاة مثلاً ، ترى أهل الميت فوق مصابهم هم مطالبون بالجلوس في بيت العزاء صباحاً ومساءً ، وليس هذا فحسب ، بل مطالبون أيضا بتقديم الطعام والحلويات لمن حضر !! مع أن السنَّة أن يصنع الناسُ لأهل الميت الطعام ، فقد جاءهم ما يشغلهم عن هذا بحزنهم على ميتهم ، ولكني لست أدري من أين جاء الناس بهذه المراسيم ، ومن أين جاءوا ببيت العزاء هذا ، ومن فرضه عليهم ؟! .
أمّا في حالة الزواج وقضايا النكاح من الألف إلى الياء فحدث ولا حرج ، من هدر للطاقات والأوقات والأموال مما لا يليق بالأمة المسلمة الواعية الجادة ، ومن مخالفات شرعية كدخول العريس إلى صالة النساء ، وغيرها ، ولا يتسع المقام لذكر هذه الأمور الآن ، ولا ذكر غيرها من العادات في القضايا والجوانب الحياتية الأخرى ، ولكن ظن شراً ولا تسأل عن الخبر .
لو سألنا أنفسنا : لماذا لا يجرؤ أحدنا على تغيير هذه العادات ؟ لكان الجواب : خوفاً من كلام الناس وانتقاداتهم !! . يا إخوة ، كلام الناس لا ينتهي ، ورضاهم غاية لا تدرك ، ومن راقبهم مات همّاً ، بل وكمداً وقهراً ، فلماذا تتعب نفسَك ، وتنغص حياتَك ، وتدخل الغم على أهلك ، خوفاً مما سيقوله الناس عنك إن فعلت أو إن لم تفعل ؟! فطالما أنك لا تغضب الله فلا تبالِ بكلام الناس .
الـنـاس داءٌ دفينٌ لا دواء إن كنتَ منبسطاً سمّيتَ مسخرةً وإن تُـخـالِطْهم قالوا به طَمعٌ وإنْ تَـهَـوَّرْ لاقوكَ بمنقصةٍ | لهُالعقل قد حار منهم فهو أو كـنتَ منقبضاً قالوا به ثِقَلُ وإنْ تُـجـانِـبْهم قالوا به مَلَلُ وإن تَـزَهَّـدْ قالوا زهدُه حِيَلُ | منذهلُ
و الحمد لله رب العالمين .