ربح موزع الكتب أكبر من تاجر المخدرات!

محيط - شيماء عيسى

[email protected]

في حلقة برنامج "شارع الكلام" الذي تبثه فضائية "النيل الثقافية" ، ناقش مقدما البرنامج أحمد يوسف ورهام منيب، مقالة جديدة للكاتب عزت القمحاوي ونشرتها دورية " أخبار الأدب" قال فيها أن النسبة التي يحصل عليها موزع الكتاب في العالم العربي تفوق تلك التي يحصل عليها تاجر المخدرات ! .

كان ضيفا الحلقة كاتب المقال عزت القمحاوي والناشر صاحب مؤسسة "شمس" إسلام شمس الدين ، وقال القمحاوي أن نسبة الربح في توزيع الكتب تصل إلى 50% ، أردت في المقالة أن أقارن بين موزع الكتب وتاجر المخدرات لأقول أنه على الأقل الثاني عنده مخاطرة ويتحمل تكلفة لحماية النشاط غير المشروع ولكن الموزع عنده المكان فقط ، ونجد أن المؤلف يبذل مجهودا كبيرا بالمادة والناشر يدفع الكثير من الأموال في الطباعة والتغليق ، أما الموزع فيملك المكتبة ومع ذلك فهو الأعلى ربحا.

وبسؤاله عن الجهة التي حددت نسبة ال50% ، رد القمحاوي أن الكساد في سوق الكتاب هو المسئول ، وثقافة الشك في قيمة الكتاب لدى القراء العرب ، ونظرية العرض والطلب التي يفرضها السوق ، الأمر الذي أعطى الموزع قدرة تفاوضية أكثر من الناشر.

عزت القمحاوي مؤلف المقالة

وأضاف : أمر غير عادي أن أمة بها 300 مليون نسمة وتعد أحد اكبر المجموعات التي تجمعها لغة واحدة هي العربية ، من الغريب أن الرواية توزع ألف نسخة فقط ! ، وحينما يبيع الكتاب ثلاثة آلاف نسخة نسميه "أكثر مبيعا" ، وهذا لأن الناشر فقد قدرته التفاوضية ، الدانماركيون مثلا عددهم 5 مليون يوزع الكتاب 10آلاف نسخة لديهم .

الناشر إسلام شمس الدين ، قال : تعودنا أن الناشر هو الشماعة الوحيدة نعلق عليها مشكلات الكتاب ، ورأى أن المشكلة الكبرى ليست في نسبة الموزع بقدر ما هي في خطوات المحاسبة ، فالخمسين في المائة التي يحصل الناشر عليها والمؤلف قد تصله بعد ستة أشهر ، فالموزع يضغط على الناشر ثم يضغط بدوره على المؤلف ، أما نسبة الكاتب 10% من عائد الكتاب وهي نسبة عالمية ولكن يصعب تطبيقها لدينا لأن توزيع الكتب ضعيف بينما هذه النسبة تحقق للكاتب العالمي ملايين الدولارات .

وأضاف : هناك مشكلة لم نتحدث عنها وهي غياب دور المؤسسة الثقافية والمقصود به وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب وهيئة قصور الثقافة ، هي ليست منافس قوي للناشر لنلجأ لها ، المؤسسات الثقافية هذه تطبع على حسابها وتكلف وتعطي عائدا بسيطا للمؤلف ، ولكن مستوى الطباعة شكليا يكون سيئا للغاية ، وقد تؤخر نشر الكتاب لسنوات طويلة ، وتتدخل المجاملة باختيارات الكتب ، فغياب دور المؤسسة الثقافية هو أحد أهم أسباب الفوضى ، إضافة لمسألة العرض والطلب ، وإذا توفرت هيئة ثقافية تجمع الناشرين والموزعين القادرين على التفاوض وتجري نسبة عادلة من العائد للقاريء والناشر والمؤلف تحل المشكلة .

وأشاد عزت القمحاوي بالموزعين الجدد والمتمثلين في المكتبات التي أنشأها مثقفين ، ولكن عليهم دور أن ينشئوا المكتبات في الأحياء الشعبية أيضا ، وهم يقومون بخدمة للقراء من خلال ترشيح أفضل الكتب لديهم لزيادة سوق القراءة .

الناشر إسلام شمس الدين

وبسؤال الناشر شمس الدين عن الكتب التي يتحمس لها ، قال : لا توجد معايير لأعرف الكتاب الذي سينجح بالسوق ، ويكون المعيار هو المادة الجيدة أيا كان جنسها ، وأرى أن المكتبات تفرض توجهاتها ، فمعظم المكتبات ترفض الدواوين الشعرية مثلا ، لأنها تتوقع معه نسبة مبيعات أقل ، والبعض يرفض نشر المسرح ، فهل أخاطر كناشر بتبني مسرحية جيدة قد تسبب كساد بمبيعاتها لدي ؟ هل أتحمس لها ؟ المسألة تحتاج لإعادة نظر في التعامل بين الناشر والموزع .

وينظر القمحاوي لحل المشكلة بأن يتحرك اتحاد الناشرين والكتاب ليضعوا نسب عادلة للمؤلف والموزع ، من 10 % للأول ومن 25% للموزع ، وإنقاذ عادة القراءة لدى الشعب المصري والتي بدأت تتحرك بالفعل بالتدوين والصحافة الجديدة ، لأن القراءة كالسلالم قاريء الصحيفة يسلم للمجلة وهي تسلمه للكتاب الاكثر مبيعا ثم الكتاب المتخصص ذو المضمون الجيد ، وحينما ضربت السلمة الأولى بالإنشاء التي تملأ صفحات الجرائد ، ظهرت المدونات والصحافة المستقلة ، علما بأن موت القطاع العام في الصحافة لمصلحة الفكر .

أما الناشر اسلام فرأى أن لدينا جيلا من الكتاب الشباب عندهم جرأة الكتابة والنشر ، وليس عندنا مكتبات تستوعب إبداعهم الفكري والأدبي، ونطالب بتفعيل وإصلاح المؤسسات الثقافية، خاصة منافذ التوزيع مقتصرة على اماكن معينة بالقاهرة تحديدا ، ولابد من تفعيل دور اتحاد الناشرين وإلا ستظل الفوضى موجودة .

نسبة التوزيع

عزت القمحاوي

[email protected]

   - جريدة أخبار الأدب: العدد 1429، 15 يونيو 2008م

لا أعرف إن كانت هناك تجارة أخرى تحقق نسبة خمسين بالمئة ربحاً للموزع مثلما تفعل تجارة المخدرات والكتب.

النسبة في تجارة المخدرات مبررة، نظراً للمخاطرة التي يتحملها من ينذر نفسه لهذه التجارة الخطرة، بل إن هذه النسبة يتبدد نصفها، إذا ما أخذنا في الاعتبار الديون المعدومة وما يقع في أيدي الشرطة، وتكلفة تأليف القلوب في الأوساط الشعبية والرسمية.

وإذا جردنا عملية الإبداع والنشر والتوزيع من أبعادهما الثقافية ونظرنا للكتاب كمنتج، سندهش من هذه القسمة الظالمة. الكاتب يدفع عمره، والناشر يدفع أمواله، ويتحملان معاً مخاطرة تهريب المنتج من الرقابات المختلفة، وتبعات التصادم مع العائلة والشارع والحكومة، ليشتركا معاً في نصف عائد الكتاب، بينما يحتفظ الموزع بالنصف من دون جهد أو مخاطرة من أي نوع.

بالتأكيد هناك بعض الناشرين ينجون كليا أو جزئيا من هذه القسمة بامتلاكهم منافذ توزيع خاصة بهم، لكن تظل المشكلة قائمة بالنسبة لمعظم دور النشر، ويجب أن تجد حلاً يعيد الأمور إلى نصابها.

وبالتأكيد لم تكن الأمور على هذا النحو دائماً، لكن يبدو أن ركود القراءة في السنوات الأخيرة غر الموزعين بالكتاب، فزحفت النسبة من ثلاثين إلى خمسة وثلاثين إلى اللعب بين الأربعين والخمسين بالمئة، وأحياناً أكثر.

الآن تغير الوضع، وصارت حالة القراءة إلى انتعاش، وهذه بداية فحسب: لأن أرقام التوزيع الحالية، حتى بالنسبة للكتب الأكثر مبيعاً، لا تتناسب مع عدد قراء العربية من موريتانيا إلي العراق.

من المخجل أن نعد الكتاب الذي يوزع ثلاثة آلاف أو أربعة أو عشرة آلاف نسخة أكثر مبيعاً بين ثلاثمائة مليون إنسان، بينما يعد هذا الرقم لا شيء بين خمسة ملايين دانماركي!

لكن علي أية حال العجلة دارت، وعلينا أن نتمسك بالأمل، لأننا بحاجة إلى ذلك، وتحقيق الأمل بحاجة إلى خطوات من بينها اقتسام الأرباح بشكل عادل، وتصحيح مسار الكتاب بوصفه عملية إنتاجية ينبغي ألا يطغى أحد أطرافها على الآخرين.

ويجب في هذا الصدد أن نشهد لدور النشر بأنها سعت سريعاً إلى اقتسام التطور الضئيل مع الكاتب، وبينما كان تحمل الكتاب لتكلفة كتبهم ظاهرة تكاد تكون عامة في سنوات الركود، فإن الظاهرة بدأت تنحسر، وزاد عدد الدور التي تدفع للمؤلفين، مهما كانت ضآلة حقوق التأليف، لكنهم بدأوا في ذلك. وإذا ما تم تعديل نسبة الموزع لصالح المؤلف والناشر، فإن ذلك سيعود بالنفع على إنتاج الكتاب، بل وعلى المجتمع بأسره، لأن دعم الكاتب وزيادة اعتماده على إبداعه وفكره في عيشه، هو جزء من التأسيس لمجتمع حر بشكل حقيقي، وليس تمثيلاً في عروض المصارعة الحرة بالبرلمان، التي لا تحقق حتى متعة تنفيس الغضب نيابة عن الجمهور، مثلما يفعل المصارعون المقنعون في الرقعة المسيجة بالحبال.

لقد تأذت الثقافة العربية من تأميم صناعة النشر، وانقطاع الصلة المباشرة بين الكاتب والقارئ، وأنهت التعاقد غير المكتوب بينهما، فكان طور الوهن الذي عاشته ثقافتنا ونتنفسه إلى اليوم: فالكاتب معفي من مواصفات الجودة، والقارئ غير مضطر لتلقي خدمات لا ترضيه.

وقد بدأت هذه الحقبة تجرجر أذيال خيبتها، وأصبحت الساحة مؤهلة للعودة من جديد إلى علاقة مباشرة بين الكاتب والقارئ، وهذه العلاقة ينبغي تدعيمها من خلال تعظيم عائد الكتاب من كتبهم، ومنع الموزعين من القيام بدور قاطع الاتصال الذي قامت به مؤسسات النشر العامة.

والغريب أن موزعي الكتب الذين لا يتمتعون بتنظيم يرعي مصالحهم يتحكمون في الكاتب والناشر اللذين يتمتعان باتحادات إقليمية وقومية. هذه مفارقة، والقضية ليست في موازين القوة، لكن في إقرار العقل والمنطق، وأعتقد أن اتحاد الكتاب العرب واتحاد الناشرين يجب أن تكون لهما وقفة لحماية مصالح أعضائهما وتعديل الخلل.