الحركة والسكون
لبنى شرف / الأردن
[email protected]قالوا : السعادة في السكون
فـي لـقـمـة تأتي إليك
في المشي خلف الركب في
قلت : الحياة هي التحرك
وهـي الجهاد ، وهل يجا
وهـي الـتـلذذ بالمتاعب
فـإذا ركـنت إلى السكون وفي الخمول وفي الخمود
بـغـيـر مـا جهد جهيد
دعـة وفـي خـطو وئيد
لا الـسـكون ولا الهمود
هـد مـن تعلق بالقعود ؟
لا الـتـلـذذ بـالـرقود
فـلـذ بـسـكـان اللحود
إن الإسلام دين يَحث على النشاط والحياة الفوارة في كل ميدان ، ويحارب الكسل والبطالة ، ويدعو إلى العمل الدؤوب في طلب الرزق ، وإعمار الكون ، وفعل الخيرات حتى الممات . قال عليه وآله الصلاة والسلام : " ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده " ..[ صحيح ، الألباني مشكلة الفقر : 79 ] . ومن ينتظر سن التقاعد ليجلس في داره لا يصنع شيئاً ، أصبح زائداً على الحياة ، فإن أقل العيب على المرء كما يقول طلحة القرشي أن يجلس في داره . ولماذا يا أخي تريد أن تجلس في دارك ، هل تريد أن تستريح ؟ إن الراحة الحقيقية هي في الجنة ، عند أول قدم تضعها فيها ، كما قال الإمام ابن حنبل عندما سئل متى يجد العبد طعم الراحة ، أما هذه الدنيا فدار عمل ، فكن ذا همة عالية ، ولا تقل قد ولّى زمن الشباب والقوة ، فالشباب شباب الروح والهمم ...
سني بروحي لا بعد سنيني فلأسخرن غداً من التسعين
عمري إلى الخمسين يركض مسرعاً والروح ثابتة على العشرين
وما دمتَ بصحة جيدة ، وأعضاؤك سليمة ، فزكاة هذه الصحة وهذه العافية أن تعمل ، وأن تساعد الآخرين ، فغيرك قد ابتلاه الله بفقد حاسة أو عضو ولكنه يعمل ، وهذه مريم عليها السلام أمرها الله بهز النخلة وهي في حالة من الضعف والوهن الشديد ، ولكن لابد من الحركة والأخذ بالأسباب .
ألم تر أن الله قال لمريم وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزة جنته ولكن كل رزق له سبب
ولكن الأقبح من جلوس المتقاعد في داره دون عمل ، هو ذلك المتقاعس زمن الصِّبا ...
وما أقبح التفريط في زمن الصبا فكيف به والشيب للرأس شاملُ
وذلك الذي يقضي حياته في الهو واللعب ..
نهارك يا مغرور سهو وتـكدح فيما سوف تنكر غيَّه تُسر بما يفنى وتفرح بالمنى | وغفلةولـيلك نوم والردى لك كذلك في الدنيا تعيش البهائم كما غر باللذات في النوم حالم | لازم
قال عبيد الله بن شميط : (( سمعت أبي إذا وصف رجلاً من أهل الدنيا قال : دائم البطنة ، قليل الفطنة ، إنما همه بطنه وفرجه وجلده ، يقول : متى أصبح فآكل وأشرب وألهو وألعب ، ومتى أمسي فأنام ، جيفة بالليل ، بطال بالنهار )) .
أيها الإخوة ، هذا شأن البطالين المفاليس من أهل الدنيا ، ولكن أهل الآخرة يعرفون أنهم ما خُلقوا عبثاً ، وأنهم سيسألون عن أوقاتهم وأعمارهم فيما قضوها وأفنوها ، لذلك هم يحرصون على ألا تفوت لحظة في غير طاعة لله ، فإعمار الكون وفق منهج الله عبادة ، والسعي في طلب الرزق الحلال عبادة ، وفعل الخير بجميع صوره ابتغاء مرضاة الله عبادة . يقول ابن القيم : (( وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة ، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم ، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم ، وهو يمر مر السحاب ، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره ، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته وإن عاش فيه عيش البهائم ، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة ، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة ، فموت هذا خير له من حياته )) .
فحريٌّ بالمسلم إذاً أن يغتنم وقت الشباب والصحة والفراغ في الطاعات وفعل الخيرات ، والعمل النافع الذي ينهض بأمته ، ويكون ذخراً له في الآخرة . قال عليه وآله الصلاة و السلام : " اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك " ..[ صحيح ، الألباني صحيح الترغيب : 3355 ] ، وقال : " نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس : الصحة والفراغ " ..[ صحيح ، الألباني صحيح الترمذي : 2304 ] .
وحري بالمسلم العاقل أيضاً أن يغتنم الفرص ، فلا يؤجل عمل الخير إلى غد ، فربما يأتي غد ولكن ..، يقول عليه وآله الصلاة و السلام : " التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة "..[ صحيح على مسلم ، الألباني السلسلة الصحيحة : 1794 ] .
ولا تُرج فعل الخير يوماً إلى غد لعل غداً يأتي وأنت فقيدُ
وأن ينشط في الدعوة إلى الله ، فهذه أكبر حركة تحتاجها الأمة اليوم ...
وانشط لدينك لا تكن متكاسلاً واعمل على تحريك ما هو ساكن
ولا يظن المسلم أن الصلاة فقط هي العبادة ، فيبقى في مُصَلاه وغيره يخدمه ويخدم أهله ، بل الأصل أن يقوم هو بخدمة نفسه وأهله ، ويخدم الآخرين إن احتاجوا ، ويعطي أكثر مما يأخذ ، فاليد العليا خير من اليد السفلى ، فهذا هو الأكمل والأفضل . عن أبي قلابة ، أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدموا يثنون على صاحب لهم خيراً ، قالوا : ما رأينا مثل فلان قط ، ما كان في مسير إلا كان في قراءة ، ولا نزلنا منزلاً إلا كان في صلاة . قال : " فمن كان يكفيه ضيعته ، حتى ذكروا من كان يعلف دابته ؟ " قالوا : نحن . قال : " فكلكم خير منه "..[ مرسل ، ابن رجب لطائف المعارف : 412 ] . وهذا الإمام الشافعي يقول :
لنقل الصخر من قلل الجبال أحب إلي من منن الرجال
وقالوا لي بأن الكسب عار فقلت العار في ذل السؤال
إذاً ، فلابد من السعي والأخذ بالأسباب ، فذا أعز للنفس من ذل السؤال ومنن الرجال ، و الحمد لله رب العالمين .