دعوة الإخوان المسلمين بالمنزلة دقهلية 4

دعوة الإخوان المسلمين بالمنزلة دقهلية

الحلقة الرابعة

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

(4)

ولكن ما شأن هذا "العرض" أو هذه المسيرة؟ ولماذا خرجت ظهر هذا اليوم بالذات؟

وأسأل "عم مسعد" الخضراتي صديق والدي، فيأتيني جوابه:

ـ دول رجالة الشيخ حسن البنا؛ لأنه سيحضر الليلة، ويخطب في الصوان (السرادق) الكبير .. راجل فصيح قوي.. سمعته مرة في بورسعيد و ..... و .....

ـ حسن البنا؟! حسن البنا؟! إنه اسم لم اسمع به من قبل.

ورأيت المرشد الجليل

وبعد صلاة العشاء كنت أنا ووالدي نأخذ مكانينا في السرادق الكبير، أما "جوالة" الظهيرة فقد انتشروا داخل السرادق، وخارجه لإقرار النظام. وبعد نصف ساعة ارتج المكان بالهتاف "الله أكبر ولله الحمد". الله أكبر ولله الحمد. لقد حضر المرشد. رأيته وعلى فمه ابتسامة عريضة، وهو يشق طريقه إلى المنصة بين صفين من الجوالة على هيئة "كردون" وهم متشابكو الأيدي، واستطاعوا بصعوبة بالغة أن يمنعوا "بظهورهم" تدفق الجمهور المتدافع من الجانبين لمصافحة المرشد العظيم.

**********

وعلى مدى ثلاث ساعات كان الناس يستمعون إليه كأن على رءوسهم الطير، لقد سمعته يقدم لونًا جديدًا من الكلام.. كلامًا يختلف تمامًا عما نسمعه في خطب الجمعة، واحتفالات المولد النبوي، ومن المشهور عن بلدي (المنزلة) أنها بلد الصيد  والبحارة (نقل الركاب والبضائع بالسفن الشراعية في بحيرة المنزلة) ـ انطلق حسن البنا في حديثه فشبه الأمة بسفينة: جسمها الشعب وشراعها الإيمان ودفتها الحكومة، وقد تعوزني الدقة في هذا التجزيء التشبيهي.. ولكن الذي أذكره ـ وقد مضى أكثر من ستين عاما  على ما سمعت ـ أن السفينة كانت مشبهًا به، وأنه ـ رحمه الله ـ دخل نفوس الناس من الدقائق الأولى، وهو يشرح مقولته مكثرًا من الاستشهاد بالقرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، ووقائع من السيرة النبوية وحياة السلف الصالح.

كنت ـ على صغر سني ـ أفهم ـ بل أعيش ـ كل كلمة يقولها الرجل العظيم، ولكن الأهم من ذلك هو إحساسي القوي ـ وأنا مأخوذ بما يقول ـ بأنه يوجه نظراته وكلماته إلي دون غيري. وأخفيت هذا الخاطر عن والدي إلى أن سمعته يقول لأحد جيراننا في اليوم التالي "لقد شدني الشيخ ـ الله يكرمه ـ كنت أشعر أنه يخصني بهذا الكلام الجميل ...". وسمعت الكلام نفسه يقوله الرجل لأبي : بل كان ينظر إلي  أنا .. لا لأحد آخر .

فآمنت بأن الرجل قد بلغ مقاما من "البلاغة الإيمانية" لا يرقى إلى مثله إلا أقل الأقلين على مدار التاريخ الإنساني كله.

***

والبلاغة اللغوية تتمثل فى " الأسلوب الراقي ، فيقال " رجل بليغ " أي حقق مقتضيات البلاغة ، وقد عرفها بعضهم بأنها صياغة المعاني الجليلة بعبارات صحيحة ، فصيحة الألفاظ ، تمتاز بقوة التأثير فى النفس ، مراعيةحال المخاطبين والمناسبة التى قيلت فيها . وقد تستعمل " الفصاحة " كمرادف لها . وإن عرفها بعضهم " بأن تكون كل لفظة فى الكلام مبينة المعنى ، مفهومة , عذ بة , سلسة ، متمشية مع القواعد الصرفية .

وهناك آليات لتحقيق هذه  البلاغة منها الصور البيانية من تشبيه واستعارة وكناية ... الخ.

وهذه الآليات حسية ، ومعاييرها محددة معروفة .

**********

أما البلاغة الإيمانية فصفة نفسية روحية تعني القدرة الفائقة للمتكلم على التأثير.

ومن الصعب جدا تعريفها تعريفا محددا . وإن أمكن التعرف إليها وعليها بصورة مقاربة للواقع : فهي صفة نفسية روحية تعنى القدرة الفائقة للمتكلم على التأثير فى المستمعين . وتوجيه هذا التأثير الوجهة التى يحرص عليها المتكلم , كأن بينه وبين السامعين " وَصْلات " لاسكلكية غير مرئية . وهذه البلاغة تحقق أهدافها تلقائيا فى صورة بريئة من الافتعال والتعسف .