الإعداد التربويّ العمليّ للشخصية المسلمة 1
د. محمد بسام يوسف*
مقدمة
المسلم الغيور على دينه، الحريص على الالتزام به، في نفسه وأهله ومجتمعه، قد يحتاج في زحمة أشغال الحياة، إلى مؤشّرٍ ينبِّهه إلى جوانب القوة والضعف في فكره وسلوكه، ويُعينه على محاسبة نفسه بين وقتٍ وآخر، ويستدرك ما يكون قد قصّر فيه.
إنّ وسائل إحياء الدعوة الإسلامية في نفوس المسلمين، تستدعي الوقوفَ على نقاطٍ تصلُح أن يسترشدَ بها المسلم، ليضعَ لنفسه دليلَ عملٍ يُعينُه على النهوض بنفسه وأهله ومجتمعه، وعلى قيامه بواجبه تجاه دعوته. وما يلي من الأساليب التربوية، ليست منهجاً تربوياً متكاملاً، إنما هي مجموعة من الأساليب التي يغلب عليها الطابع العمليّ، لتحقيق هدفٍ عامٍ في الحياة اليومية للفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، وذلك من خلال اتّباع بعض الخطوات اليومية لتحقيق أهدافٍ جزئية، تُبقي المسلمَ في حالة تفاعلٍ دائمٍ مع دِينه، وتُشعره باستمرار، أنه خلية فاعلة نشطة في المجتمع الإسلاميّ.
قبل الدخول في التفاصيل، نؤكِّدَ أمرين اثنين:
الأول: إنّ السعيَ نحو تحقيق أهداف هذه المادّة جميعاً، بجدٍّ وحزم، سيؤدي بالمسلم إلى امتلاك مقوّمات الشخصية الإسلامية: من عقيدةٍ راسخة، وتقوى الله عزّ وجلّ وحُبٍ له، ومن أخلاقٍ إسلاميةٍ راقية.. تجعل منه قدوةً صالحةً في مجتمعه.
الثاني: ما تضمّنته المادّة من جوانب تربويةٍ عملية، ليست شاملةً لكل ما يمكن تنفيذه من أساليب، بل بإمكان كل فردٍ ومُرَبٍّ، أن يبتكرَ ما يفتح الله به عليه، من أساليب تناسبه وتناسب أهلَه وذَويه وتلاميذَه وأبناءَ مجتمعه.
الأهداف
أولاً: الهدف العام:
إضفاء طابعٍ عمليٍ إسلاميٍ على الحياة اليومية لكل مسلم، وإبقاؤه في حالة تفاعلٍ دائمٍ مع دِينه، مع إذكاء شعوره بأنه فرد فاعل في مجتمعٍ إسلاميٍّ كبير.
ثانياً: الأهداف الفرعية الخاصة:
1- أن تتعمّقَ صلةُ الفرد المسلم بربّه سبحانه وتعالى، مع استشعار رقابته عزّ وجلّ، وتعمّقِ حُبِّه له وخشيته منه.
2- أن يراقبَ نفسَه، ويُذكي بواعثَ الخير فيها، ويتخلّص من الخصائص السلبية.
3- أن يتولّدَ عنده الحِسّ العالي بأهمية تنظيم حياته ووقته، في شؤونه العامة والخاصة.
4- أن يلتزمَ -بشكل طوعيٍّ شاملٍ- بالأخلاق الإسلامية.
5- أن يستشعرَ خطرَ أعداء الإسلام عليه، ويلتصقَ بإسلامه، ويتحلّى بالوعي والحركة الإيجابية لمجابهة العدوان.
6- أن يعملَ جاهداً، لبلوغ مرتبة القدوة لأبناء مجتمعه: سلوكاً، وخُلُقاً، ووعياً.
7- أن يشعرَ بمسؤوليته على تغيير الواقع من حوله، باتجاه الإسلام.
8- أن يربّي نفسَه، على التطلّع إلى معالي الأمور، وعلى التحمّل والصبر على المشاقّ في سبيل الله سبحانه وتعالى.
* * *
الأساليب العملية لتحقيق الأهداف
1- الهدف الأول
أن تتعمّقَ صلةُ الفرد المسلم بربّه سبحانه وتعالى، مع استشعار رقابته عزّ وجلّ، وتعمّقِ حُبِّه له وخشيته منه.
الوسائل والأساليب:
1- قراءة صفحةٍ من القرآن الكريم يومياً، في أقل تقدير، مع تدبّر معانيها، والتفكّر بكلام الله العظيم.
2- حفظ آيةٍ واحدةٍ من القرآن يومياً، في أقل تقدير، ومراجعة المحفوظات السابقة، بحيث لا يقل ما يراجعه عن صفحةٍ واحدةٍ يومياً.
3- تحليل ثلاث آيات، حَدّاً أدنى كل يوم، وبخاصةٍ من آيات القيامة وأهوالها، والجنة والنار، ويمكن أن يكون التحليل شفهياً أو كتابياً، باتّباع ما يلي:
أ- الفهم الصحيح للمعنى من أحد التفاسير المعتَمَدَة.
ب- استخراج الأوامر والنواهي والتوجيهات، أو استشعار حقيقة الموقف.
ج- التفكّر فيما ينبغي أن يظهرَ في السلوك نتيجة التدبّر بالآية، ثم التنفيذ الفعليّ لذلك.
4- اعتماد شعارٍ يوميّ، وليكن أحد الأدعية المأثورة، للتذكير بالله عزّ وجلّ، وترديد هذا الشعار في أوقات الفراغ، من مثل: (لا إله إلا أنتَ سبحانك إني كنت من الظالمين)، أو: (إنّ الله مع المتقين).
5- الحرص على أداء صلوات السنن والنوافل.
6- إتقان أداء الصلوات، بخشوع، وجماعةً في المسجد ما أمكن ذلك، وبخاصةٍ الفجر والعشاء.
7- الإكثار من ذِكر الله والاستغفار والتسبيح، والأدعية والمأثورات.
8- التفكّر قبيل النوم، في مظاهر قدرة الله وإبداعه، ).. رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران: من الآية191).
9- قيام الليل، ولو ركعتان يومياً، وقراءة ما تيسّر من القرآن الكريم، والدعاء بخشوعٍ في مكانٍ بعيدٍ عما يَشغل البال ويشتِّت الذهن. (يمكن أن يكونَ ذلك تحت ضوءٍ خافت).
10- التفكّر بجهنّم، وبما يلقاه الكافر والعاصي يوم القيامة، وأكثر ما ينبغي أن يكونَ هذا التفكّر هو أثناء قيام الليل، وحين قراءة آيات العذاب، ثم التفكّر بما يدفع عن الإنسان المسلم عذابَ الله سبحانه وتعالى.
11- التفكّر بالجنة ونعيمها الحسّيّ والمعنويّ، وفيما يُرضي الله ويجعل المؤمن أهلاً لنعيم الجنة والنظر إلى وجهه الكريم تبارك وتعالى.
12- سؤال النفس بين آنٍ وآخر: متى سأموت؟.. ماذا أعددت للقاء الله عزّ وجلّ؟.. هل أسأتُ إلى أحدٍ من الناس هذا اليوم؟.. وهل أحسنتُ إلى أحدٍ منهم؟.. هل حسناتي أكثر أم سيئاتي؟.. هل الله عزّ وجلّ راضٍ عني؟.. هل سأكون من الناجين أم من المعذَّبين (لا سمح الله)؟..
13- تَذَكُّر مواقف نجا فيها الشخص من الموت وقد حضرت أسبابه، واستشعار اقتراب الموت.
14- دراسة مشهدٍ من مشاهد يوم القيامة كلما كان ذلك ممكناً، وليكن مثلاً من كتاب (مشاهد القيامة في القرآن) لسيد قطب، أو من أي كتابٍ في هذا الموضوع.
15- تشييع الجنائز، ومتابعة الدفن، وتصوّر ظُلمة القبر وسؤال الملكين. وكذلك تصوّر الألم الذي ينشأ عن أكل شوك، أو احتراق البدن بالنار، وذلك ليكونَ التأثر بذكر عذاب جهنّم عظيماً.
16- الاعتبار برؤية أهل البلاء، من المصابين والمشوَّهين والمعوَّقين.. وغيرهم، ليرى أثر نعمة الله عليه، والأخذ بدعاء: (الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من خَلْقِه).
17- زيارة مقبرة، مرةً في الأقل كل شهر، والتفكّر بعذاب القبر.
18- صيام ثلاثة أيامٍ في الأقل، كل شهر، مع مراقبة النفس، وغَضّ البصر، وحفظ اللسان، ومَدّ يد العون والمساعدة إلى محتاج، لاسيما من الأرحام.
19- الصدقة في سبيل الله، ولو مرةً في الأسبوع.
20- زيارة صديقٍ أو جارٍ أو قريبٍ أو أخٍ في الله أو مريض، ولو مرةً كل أسبوع.
21- استنفارٌ عِباديٌّ في شهر رمضان المبارك: صيام وقيام وتلاوة وصدقات (لا تقل التلاوة عن جزءٍ يومياً).
* * *
2- الهدف الثاني
أن يراقبَ المسلمُ نفسَه، ويُذكي بواعثَ الخير فيها، ويتخلّص من الخصائص السلبية.
الوسائل والأساليب:
1- في وقتٍ للتأمّل، يصارح المسلم نفسَه، بما فيه من سلبياتٍ وعيوبٍ وتقصير.
2- يبحث عن أفضل الأساليب التي تخلِّصه من كل سلبيةٍ أو نقيصة، ويعزم عزماً صادقاً على التخلّص من عيوبه.
3- يراقب نفسَه في حياته اليومية، بكل جزئياتها، ليتأكّدَ من صدقه في العمل على التخلّص من العيوب التي يعاني منها.
4- يبتعد عن سوء الظنّ بالمسلمين، فإنّ سوءَ الظنّ يُفسد القلوب، ويوقِع في الغرور، ويقطع حبل الإخاء، ويَصدّ عن عمل الخير للمسلمين.. كما أنه يجعل الروحَ مظلمة، ويُضيِّع على الإنسان ثمارَ عبادته، وهو دليل فساد الطويّة ورداءة المسلك.
5- يتّخذ لنفسه دعاءً يردّده باستمرار، لاسيما بعد الصلوات، يستعين فيه بالله على تجاوز العيوب والسيئات، والتخلّص منها، فيدعو مثلاً: (اللهم خلِّصني من كذا.. أو اصرف عني كذا..).
6- يبحث عن الأعمال الحسنة التي يجد نفسه متوانياً عنها، فيعزم على القيام بها، ويجاهد نفسَه على ذلك.
7- يُقَوِّي نفسَه بطاعاتٍ لله عزّ وجلّ، يرى أنها ثقيلة على النفس: كالنهوض من الفِراش لأداء صلاة القيام في جوف الليل، أو الصيام في أيام الصيف الحارّة.
8- يستخدم بطاقةً يومية للمحاسبة، تضبط الحسنات والسيئات التي فعلها، ويتفقّد ما يجد نفسَه مقصِّرةً فيه.
* * *
3- الهدف الثالث
أن يتولّدَ عند الفرد المسلم الحِسّ العالي بأهمية تنظيم حياته ووقته، في شؤونه العامة والخاصة.
الوسائل والأساليب:
1- التخطيط المسبق، لما يجب أن يقومَ به في اليوم التالي، من أعمالٍ دعويةٍ أو حياتيةٍ عادية.
2- استخدام بطاقةٍ يومية، تُنَظَّم فيها جميع أعمال اليوم التالي بشكلٍ تقريبيّ، مع مراعاة الأولويات والتوازن، كي لا يَطغى جانب أو يُهمَل آخر (ساعات الخروج من البيت والعودة إليه، والزيارات، والمقابلات، والمطالعات، والبحوث، وشراء الحاجات الخاصة، و..، ..).
3- الحرص على إنجاز العمل في يومه، وتَجنّب تأجيله.
4- التدقيق في جودة إنتاجه وحصوله في موعده، واستدراك ما يحدث من تقصير.
5- مراقبة الوقت: هل ضاع منك شيء من غير فائدةٍ حقيقية؟..
6- تدريب النفس على الالتزام بالمواعيد، ويمكن اتّباع طريقة المواعيد الافتراضية وتنفيذها في أوقاتها المحدّدة، ويمكن الاشتراك بذلك مع شخصٍ آخر أو أكثر.
* * *
4- الهدف الرابع
أن يلتزمَ الشخصُ -بشكلٍ طوعيٍ شاملٍ- بالأخلاق الإسلامية.
الوسائل والأساليب:
1- يمكن اعتبار المحور الناظم لما نقصده بالأخلاق العملية، هو ما جاء في كتاب: (خُلُقُ المسلم) للغزالي.
2- دراسة كل خُلُقٍ من المرجع المذكور، والعزم على الالتزام به عملياً.
3- مراجعة النفس باستمرار، ومحاسبتها على الالتزام بكل خُلُقٍ من الأخلاق الإسلامية: كالصدق، والأمانة، والإخاء، والحياء، والرحمة، والصبر، والجود والكرم، ..
4- محاولة تقديم النصح لمن هم حولك، وحَثِّهم على الالتزام بهذه الأخلاق، لتكوين بيئةٍ من حولك تتبنّى هذه الأخلاقَ فعلياً.
5- مساءلة النفس، عما يمكن أن يصدرَ عنها من تصرفاتٍ تُنافي أو تتناقض مع أحد الأخلاق الإسلامية.
6- البحث عن الوسائل التي تُعين الإنسانَ على التحلّي بالأخلاق: كيف أكون أميناً؟.. صادقاً؟.. صابراً؟..
7- ما الدرجة التي أرجوها عند الله عزّ وجلّ ، حين ألتزم بكل خُلُقٍ من الأخلاق الإسلامية؟..
8- هل أنا متّصف بصفات المؤمنين؟.. ماذا ينقصني منها؟.. كيف أتدارك النقص؟..
9- اتخاذ شعارٍ أو دعاء، يرتبط بكل خُلُقٍ أحتاج للالتزام به إلى مجاهدةٍ خاصة: من مثل: (اللهم اجعلني من التوّابين، واجعلني من المتطهّرين)، و: (كونوا مع الصادقين)، و: (إنّ اللهَ مع الصابرين)، و: (الوفاء شعاري)، و: (أُعامل الناس بما يُرضي اللهَ لا بما يستحقّون)، ..
10- تقويم البيئة التي أتحرّك فيها، وفق ميزان الشرع، لأَقبلَ من أخلاقها ما يوافق الشرع، وأتجنّبَ ما يخالفه، بل أسعى إلى تغييره.
11- قراءة سِيَرِ الصالحين من السلف والخلف، واستخراج الصفات الحميدة من أخلاقهم، كالكرم عند عثمان بن عفّان وعبد الرحمن بن عوف، رضوان الله عليهما.
12- الاهتمام بِبِرّ الوالدين وخدمتهما، ومحاولة فعل ما يُسعدهما، والتودّد إليهما. وكذا صلة الأرحام وما يرتبط بها من واجباتٍ ماديةٍ ومعنوية.
يتبع
*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام