إخراج المسلمين من ديارهم
زهير أحمد المزوق
إن قضية إخراج المسلمين من ديارهم ، هي من أبرز القضايا الحيوية والحركية الهامة التي تعرضوا لها منذ فجر الدعوة الإسلامية ، وسيتعرض لها المسلمون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ونظراً لما تقدم ، فإن تناول هذه القضية بشيء من التوضيح ، على جانب كبير من الأهمية ، وعلى جانب كبير من الضرورة أيضاً .
في حدود علمنا أن الله سبحانه وتعالى قد عرض هذه القضية في القرآن الكريم في أربعة مواقع متفرقة ، رأينا أن نستعرضها تباعاً ، ثم ننظر إلى القضية من خلال العرض القرآني لها في تلك المواضع .
الموضع الأول : في سورة الحج ، الآيتان /39 ـ 40/ وهما { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله } ..
الموضع الثاني : في سورة آل عمران ، الآية /195/ وهي : { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ، فالذين آمنوا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا ، لأكفرنّ عنهم سيئاتهم ..} .
الموضع الثالث : في سورة البقرة ، الآية /217/ وهي : { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ؟! قل : قتال فيه كبير ، وصدّ عن سبيل الله وكفرٌ به ، والمسجد الحرام ، وإخراج أهله منه أكبر عند الله ...} .
الموضع الرابع : في سورة النحل ، الآية /41/ وهي : { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا ، لنبوِّئنهم في الدنيا حسنة ، ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } .
هذه هي المواضع الأربعة ، في القرآن الكريم ، التي عرض الله جل جلاله من خلالها قضية إخراج المسلمين من ديارهم .
وبعد البحث والتدقيق ، تبينت لنا عدة أمور تمسُّ جوهر القضية ، وتقدم التصور الشامل والواضح عنها ، نجملها بما يلي :
إن المقصود بالذين أخرجوا من ديارهم في جميع الآيات التي أوردناها ، هم الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأصحابه الذين خرجوا من مكة إلى المدينة ، ومن أراد تفصيل ذلك والاستيضاح أكثر ، فليرجع إلى كتاب (لباب النقول في أسباب النزول) للسيوطي .
كما أن أولئك الذين أخرجوا من ديارهم إنما خرجوا مكرهين بسبب الظلم الذي مارسه عليهم المشركون بكل أشكاله ، وفي مقام تأكيد إكراههم على الخروج ، نورد ما روي عن ابن عباس قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقاء الغار ، نظر إلى مكة فقال : أنت أحب بلاد الله إلي . ولولا أن أهلك أخرجوني منك لم أخرج .
ومكافأة للمسلمين على ما تحملوه من ظلم المشركين وأذاهم . وعلى ما أصابهم من مشقة وضيق بسبب الخروج من الديار التي فيها المال والأهل والولد ، فقد أكد الله سبحانه وتعالى على أنه سيبوئهم في الدنيا حسنة ، وسيكون أجرهم في الآخرة أكبر .
بل وأكثر من ذلك ، فقد كان إخراج المسلمين من ديارهم سبباً في الإذن لهم بقتال من ظلموهم وأخرجوهم ، حتى لو كان هذا القتال في الأشهر الحرم ، لأن إخراجهم من المسجد الحرام ، والمقصود به مكة كما جاء في تفسير الجلالين وغيره ، هو أكبر عند الله .
ومن الجدير بالتنويه البارز إليه هو أن الله سبحانه وتعالى في كل المواضع التي مرت بنا ، يؤكد على الظلم والعدوان الواقع على المسلمين ، ولم ينوه ، ولو لمرة واحدة ، إلى إخراج المسلمين من ديارهم ، حدث أو قد يحدث كنوع من العقاب الإلهي لهم بسبب معصيتهم لله أو إعراضهم عن دينه الحنيف ، بل أكد على العكس من ذلك تماماً : { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا : ربنا الله ...} أي بسبب تمسكهم بدينهم وإعلانهم الوحدانية له ، ولذلك ، فإن الخطأ الكبير ، القول بأن البلاء الذي يتعرض له المسلمون ، ومنه إخراجهم من ديارهم ، مرتبط بالمعصية والإعراض عن دين الله ، ونحن لا نشك في أن ذلك قد يقع من قبيل الفتنة والابتلاء الإلهي ، ولكن الله سبحانه وتعالى يؤكد على الحكمة من وراء ذلك بشكل دائم ، ويسلط الأضواء عليها ، كما في قوله في سورة العنكبوت { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا : آمنا وهم لا يفتنون ؟ ولقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } صدق الله العظيم .