المناخ الاستثماري في فلسطين ما قبل النكبة

المناخ الاستثماري في فلسطين ما قبل النكبة

د. محمد ياسر عمرو

[email protected]

فلسطين أرض زراعية من الدرجة الأولى، وأينما نشطت الزراعة تبعها نشاط اقتصادي متعدد الجوانب وأهمه النشاط التجاري والصناعي، وكانت هذه المهن التي يعمل بها أهل فلسطين ما قبل النكبة، وهذا ما جعل فلسطين مركزا تجاريا وزراعيا مرموقا، يأتي إليه العاملون من كل المحيط الفلسطيني للعمل به، وقد قابلت رجلا خليجيا عمل والده في ميناء حيفا، كما أن الزراعة تلعب دورا بالغاً في تشبث الإنسان بأرضه، وأبان الانتداب البيرطاني شرعت بريطانية المستعمرة وفق خطة مدروسة في إبعاد الفلاحين عن أرضهم وذلك من خلال الإجراءات التالية :

1-       جلب المستثمررين الزراعيين من الخارج وغالبيتهم من اليهود أو ممن يعملون لصالحهم، ومنحهم أراضي الدولة لاستثمارها، وكانوا يدفعون أجرة للعمال تفوق عوائد أرضهم، مما جعل كثيرا من المزارعين يتركون أرضهم ويقبلوا على العمل بالمزارع المستثمرة، وفي نفس الوقت كانت ثم سياسة بريطانية تقضي بالاستيلاء على كل أرض بور" غير مزروعة" استيلاءً مؤقتا وإعطائها لمستثمر تؤول له بالنهاية أو تستولي عليها حكومة الانتداب لعجز أهلها عن زراعتها.

2-      شجعت بريطانيا الاستثمارات الخارجية التجارية والخدمية بشكل فاعل، حيث جلبت المستثمرين الأجانب إلى فلسطين والغالب في هؤلاء المستثمرين الشبهة بكونهم صهاينة أو يعملون لحساب صهاينة

وهذه الوثيقة تمثل مثالاً لإحدى الشركات العاملة في مجال التأمين ما قبل النكبة بسنتين.وهذا مثال آخر للاستثمارات التجارية الخارجية  يشير إليه هذا الوصل المتعلق بشركة سنجر المعروفة، ولا بد من الإشارة إلى أننا لسنا ضد الانفتاح الاقتصادي والاستيراد والتصدير ولكننا ضد السلوك المشبوه الذي سلكته حكومة الانتداب في تلك الفترة .

3-                 كانت مهنة المحاماة قليلة جدا في فلسطين قبل حكومة الانتداب وكان الناس يعتمدون في حل مشكلاتهم على أهل الحل والعقد من المخاتير ووجهاء العشائر، لكن حكومة الانتداب شجعت هذه المهنة وجلبت المحامين من الخارج وكثير من النزاعات يكم بها للأجانب خاصة المتعلقة بالأراضي.

4-      جاءت بالاستثمارات السياحية ومنها رحلات القطار ونشطت لغرض مشبوه ما بين فلسطين وصحراء سيناء ولعل هذا الإعلان ينبي عن جزء من الحقيقة، هذا الإعلان باللغة الانجليزية فلم يكن موجها للعرب بالدرجة الأولى كما أنه يشير إلى قضاء اللحظات الممتعة في الأرض المقدسة، ولم أجد إحصائية دقيقة تشير لعدد العرب العاملين في هذا القطار ولكن  الذي يبدو والله أعلم أن نسبة كبيرة من العمالة العربية تركت العمل بمزارعها لتصبح لقمة سائغة للانتداب وشركاه وعملت في هذا المشروع، كما أن تجارة الترفيه والسينما لم تكن معروفة  ما قبل الانتداب ولكن شهدت فلسطين في زمان الانتداب تأسيس أول شركة مساهمة في الاستثمار بالسينما، ومما لا شك فيه  أنها شركة وطنية وفلسطينية وملاكها كذلك، ولكن هذا النوع من الاستثمار لم يكن معروفا قبل الانتداب، وتجدر الإشارة أن قانون الشركات الذي أسسته حكومة الانتداب سنة 1929 كان يمثل عتبة دخول اليهود لفلسطين تحت مظلة المستثمر الأجنبي، ولم أعثر على أية إحصائية تشير لعدد الشركات العربية مقابل الشركات الأجنبية ولكن الذي أكاد أن أجزم به أن الشركات العربية لا تتجاوز ال 10-15% من عدد الشركات الأجنبية المشبوهة.

بقي القول أن هذه السياسات المقصودة من صناع القرار في حكومة الانتداب كان لها ما وراءها من تسهيل مرور اليهود وهجرتهم لفسطيين، كما أن صرف كثير من المزارعين عن العمل في مزارعهم عمل على زيادة المساحات المهجورة من أراضي الفلسطينيين التي وضعت حكومة الانتداب يدها عليها.