المتصارعون على عرش العراق

جاسم محمد صالح

أسرار وخفايا من تاريخ العراق المعاصر

المتصارعون على عرش العراق

جاسم محمد صالح

[email protected]

    بعد أن تمكن المحتلون الانكليز من بسط نفوذهم التام على العراق وبعد انسحاب القوات العثمانية منه , أصبحت الساحة العراقية في العراق خاوية , حيث أن الفراغ السياسي له خطورته على الأوضاع في العراق خصوصا وفي منطقة الشرق الأوسط عموما , لهذا فان مجموعة من الأطراف السياسية والاجتماعية بدأت بالتململ والحركة لان تأخذ دورها في التربع على سدة الحكم ولتمشية أمور العراق وفق نظرتها وتوجهها السياسي , وحسب ما تريد حيث برز على الساحة أكثر من توجه وأكثر من مسار ولكن كان من ابرز هؤلاء:

· المرشح العثماني ( الأمير برهان الدين ) والذي دعت إلى تأييده المفاصل المؤيدة للتوجه العثماني وكذلك  الداعون لبقاء السلطة العثمانية في العراق , وهم على الأغلب من بقايا منطقة الدولة العثمانية في الموصل وكركوك وبغداد , وكان هؤلاء جميعا يطلق عليهم تسمية (كليورلر) وهي كلمة تركية معناها : (عائدون) وهذه التسمية جاءت تفاؤلا بعودة الحكم العثماني من جديد إلى العراق بعد طرد الانكليز المحتلين منه .

       لقد عارضت قوات الاحتلال البريطاني هذا التوجه لرغبتها في قطع الصلة بين العراق وبقايا الدولة العثمانية وللإبقاء عليه مستعمرا من قبلها وتحت سيطرتها وقد تمثل هذا الاتجاه بالدعوة لأحد أبناء سلاطين آل عثمان وهو (الأمير برهان الدين) لان يتبوأ عرش العراق .

· هادي العمري

·· الشيخ خزعل شيخ المحمرة : لقد كان للشيخ( خزعل)  نفوذ واسع على عشائر جنوب وجنوب شرق العراق , لكن بريطانيا كانت لا تؤيده ولا تميل إليه أبدا لأنه كان بنظرها يمثل توجها وطنيا إضافة إلى أن منطقة (المحمرة) والتي سميت بـ(عربستان) كانت تشكل قلقا كبيرا بالنسبة لها , لأنها ارض عراقية اقتطعت من العراق وسلمت الى الدولة الإيرانية وقتها , لقاء سكوت إيران وعدم تدخلها في شؤون العراق الداخلية وإطلاق اليد للانكليز في نهب خيراته وثرواته , وكان للشيخ (خزعل) مناصرون كثيرون يؤيدونه في اعتلاء عرش العراق و كان من أهم من أنصاره :     ( الشيخ عبد اللطيف الجزائري في مدينة النجف )... لكن وبعد فترة من العمل السياسي اقتنع الشيخ (خزعل) تماما بان لا قدرة له على اعتلاء عرش العراق, لهذا فقد تنازل عن الترشيح واخذ في الوقت نفسه يدعو لـ( فيصل بن الشريف حسين) واخبر بذلك شفويا كلا من: ( مزاحم الباججي ) و(نوري السعيد ) اللذين ذهبا إليه لمعرفة موقفه من عرش العراق .

··  الأمير سعيد الجزائري : إن الأمير( سعيد) جعل من بلاد الشام مقرا لدعوته السياسية ,حيث وصله وفد من العراق يمثل بعضا من مفاصل الشعب العراقي من الوطنيين وأصحاب التوجه القومي, لكن اللقاء معه لم يسفر عن أي شيء وتلاشى اسم الأمير(سعيد الجزائري) من قائمة المرشحين الأقوياء لمعارضة بريطانيا وفرنسا له في آن واحد , باعتباره رمزا من الرموز الوطنية العربية ومن سلالة عائلة وطنية حاربت الاستعمار في أنحاء مختلفة من الوطن العربي.

· الأمير عبد الله بن الحسين : إن مقررات المؤتمر العراقي الذي عقدت في سوريا دعت فيما دعت الى ترشيح الأمير( عبد الله بن الشريف حسين )على عرش العراق لأنه كان في الحقيقة يرغب في أن يكون ملكا على دولة قوية وثرية مثل العراق , بدلا من أمير على إمارة شرقي الأردن الصغيرة والضعيفة مساحة وسكانا , وفعلا تمت البيعة له فأصبحت هذه البيعة ملزمة فيما بعد , حيث تمسك به البعض وقد ذكر الأمير( عبد الله بن حسين) في مذكراته بأنه اجتمع مع (ونستون تشرشل) في القدس بحضور( لورنس) مؤلف كتاب : (أعمدة الحكمة السبعة) على أن يبقى هو أميرا على شرقي الأردن, وبهذا تم انسحابه ضمنيا من قائمة المتصارعين على عرش العراق , ويبدو أن انسحابه هذا كان تحت ضغط وتوجيه الانكليز, لأنه كان في الحقيقة يرغب في أن يكون ملكا على دولة قوية وثرية مثل العراق بدلا من أمير على إمارة شرقي الأردن الصغيرة والضعيفة مساحة وسكانا .

·  طالب النقيب :

يذكر أن ( ايرلاند ) هو الآخر قد شارك ( فليبي)  الرأي بان ( طالب النقيب )كان من ابرز وانجح مرشح محلي لعرش العراق , علما بان إبعاد( طالب النقيب) كان قد فتح المجال واسعا  أمام الشيخ ( خزعل ) شيخ المحمرة ليلعب دورا سياسيا في المطالبة بعرش العراق , حيث شجعه الإبعاد هذا لان يكلف (مزاحم الباججي) بهذه المهمة وكذلك وكيله بالبصرة( الحاج مصطفى) , ولكنه كما ذكرنا سابقا تنازل عن هذه الدعوة لـ(فيصل) .

·· عبد الرحمن النقيب : ووكان ذا ميول عثمانية وتمنى عودة السلطة العثمانية الى العراق ودعا لهذا التوجه من خلال أقواله وأفعاله وكان يردد مع نفسه دائما هذين البيتين وهما يعبران عما يجول في نفسه :

كل يوم أكول اليوم       باجر يجـون

ننطي للمبشــرين     بوسة من العيون

   ولكنه بعد أن يئس من عودة الحكم العثماني الى العراق وظهور بوادر على ترشيح احد الهاشميين من أنجال( الشريف حسين) تحول اتجاهه الى اتجاه مناوئ للتوجه الهاشمي في تبوء عرش العراق وشاركه في رأيه هذا (توفيق ألخالدي) و( حكمت سليمان) , وكان الشاعر (معروف عبد الغني الرصافي) يروج لهذه الفكرة من خلال قصائده وأشعاره التي كان يملا بها صفحات الجرائد والمجلات , وتحولت هذه المعارضة للاتجاه الهاشمي في دعوة ضمنية لنفسه في المطالبة بعرش العراق, لكن هذه الدعوة لم تلاق قبولا كبيرا لكثير من الاعتبارات كان من أهمها

1-        تقدم ( عبد الرحمن النقيب ) في السن

2-        اعتلال صحته

3-        عدم تمتعه بثقة الأوساط الوطنية التي كانت لا ترغب به ولا تشجع التوجه إليه .

·     فيصل .. المرشح الأفضل حظا .. إن الفراغ السياسي الذي حدث في العراق بعد الاحتلال البريطاني له وبعد الأحداث العظيمة للشعب العراقي البطل في رفض رموز الاحتلال من خلال ثورة تلعفر وثورة العشرين, باتت الحاجة ماسة وملحة لن يتبوأ عرش العراق رجل قوي من عائلة معروفة ذو حسب ونسب يجله العراقيين, إضافة الى سمعة طيبة لدى الجميع , فلم يكن صالحا لهذه المهمة غير (الأمير فيصل) الذي رشح في لندن من قبل (كورنواليس) في( اوتيل هايد بارك) لكن (فيصل) تردد أول الأمر في قبول هذا الترشيح لان أخاه( عبد الله ) كان قد عين من قبل على عرش العراق , هنا طمأنه الانكليز بأنه في حالة قبوله عرش العراق فإنهم سيرضون الأمير( عبد الله) , فوافق( فيصل) على ذلك من حيث المبدأ , وبعد ذلك بدأت( المس بيل)  كواحدة من أنشط الداعمين لـ(فيصل) لأنه وحسب قناعتها الخاصة , يمثل الشخصية المحترمة والمهيبة في وقت واحد حيث تبين ذلك في الفترة التي أصبح فيها ملكا غير متوج على سوريا ولبضعة أشهر , حيث ذهب وفد من عشائر العراق ووجهائه الى مكة لمقابلة (الشريف حسين) من اجل أن يوافق على جعل ابنه الأمير( فيصل) ملكا على العراق حاملين معهم المضابط وكتب التأييد والمبايعة , وبعد حوار مستفيض وافق (الشريف حسين)  على إرسال ابنه الأمير( فيصل) مع وفد الى العراق والى مدينة البصرة في طريقه الى بغداد وعرض موضوع مبايعة( فيصل) كملك على العراق على      ( الإمام ألخالصي) الذي اصدر فتوى الموافقة على شرط أن يكون (فيصل) ملكا مقيدا بمجلس نيابي منقطعا عن سلطة الغير, مستقل معه بالأمر والنهي , ونشرت فتوى الإمام ألخالصي في جريدة العراق في عددها المرقم 345 في 16/7/1921 . ( في النهاية فيصل هو الذي جلس على العرش ) لعبت شخصية فيصل دورا مهما لان يتبوأ عرش العراق , فتاريخه النضالي الطويل في مقارعة الاحتلال العثماني للوطن العربي من مكة الى دمشق وحيفا والعقبة وحتى الأستانة ذهابا وإيابا وكذلك مشاركته الفعالة في المؤتمرات التي عقدت لمناقشة الأوضاع العربية إضافة الى سمعة والده ونسبه الشريف, باعتباره من صلب السلالة الهاشمية ومن أمراء مكة أبا عن جد .

كل هذا مع سعة عقله ودبلوماسيته الفذة في التعامل مع الانكليز خدمة لمصلحة العرب, يضاف إليه ذلك التقبل الشعبي  والوفود العراقية التي راسلت أباه ( الشريف حسين) والتي أصرت على أن يكون احد أحفاده ملكا على العراق .

  لقد اثبت الملك( فيصل) الذي سمي فيما بعد بـ(الملك فيصل الأول) أن يعمل جاهدا ومخلصا على بناء العراق ووضع أسسه وأركانه كدولة عصرية , فصان استقلاله ووحد أراضيه وادخله عضوا في عصبة الأمم, وسن له دستورا وعلما وعملة وبنى له جيشا ونظاما متطور وأقام للعرا ق , علاقات وثيقة مع دول الجوار , لذلك فهو حقا مهيأ لان يكون ملكا هاشميا على العراق ومن أحفاد( الشريف حسين) أمير مكة .