أمانة الترجمة

عبد الله سعد الحميدي

أمانة الترجمة

 عبد الله سعد الحميدي

[email protected]

 مما لاشك فيه أن الإزدهار الثقافي الذي تشهده الأمم له علاقة وطيدة بالتعرف على حضارة وتراث الأمم الأخرى ، إذ أن علاقة الأنا بالأخر علاقتة ترابطية من حيث التعرف و الفهم ، فالآخر مرآة  للتعرف على الآنا  و بقدر ما تزداد هذه العلاقة بالآخر معرفة و و تفهما ، عند ذلك تبدأ الأردية النمطية تتمزق لتمتد جسور من التعايش المشترك ، هذا التعايش و الإنسجام مع الآخر لا يعني بالضرورة الذوبان في منظومته الثقافية و القيمية بقدر ما يعمق المعرفة بهوية الأنا ، محافظا في نفس الوقت على هذه الهوية الثقافية من التشرذم و الإنغلاق . برزت ظاهرة الإنكفاء إلى الماضي و التشرنق في النصوص التراثية ، كعلامة فارقة في تذبذب هذه العلاقة بالآخر ، و سيطرة النظرة النمطية عنه نتيجة لاختلال التواصل المعرفي و الثقافي مع الأخر، الشيء الذي برر للبعض التوجس و الريبة  من المد الثقافي و المعرفي الذي شهدته أوربا في مطالع القرن الخامس عشر و الذي لم يزل يتدفق إلى هذا العصر ، إضافة إلى عدم القدرة على مجارة هذا النهضة الشمولية كل هذه و لأسباب اخرى لا مجال لسردها ، جعلت العديد من النخب العربية تندفع نحو الحصون القديمة بغية التعبئة الثقافية و الاجتماعية و السياسية  لمواجهة هذا الزحف" المتوحش " إلا أن هذه القلاع و الحصون لم تعد قادرةعلى الصمود امام أبواب التحديث ، هذا مع مطالبة العديد من العقلانيين تجديد هذه الحصون و ترميمها لتصبح قادرة على الدفاع عن هوية أبنائها و ثقافتهم . إذ علمنا أن ذروة التقدم الحضاري للحضارة العربية تزامن في وقت كان الانفتاح الثقافي و الفكري على تراث الأمم الأخرى على أشدة .

ربما تكون هذه المقدمة البسييطة و المقتضبة تمهد الحديث عن اهمية التواصل الثقافي و التعايش مع الآخر عبر الحديث عن احد جسور هذا التواصل وهو الترجمة .   

و تبرز أهمية الترجمة  بكونها  جسر مهم و أداة ضرورية في الكشف فيما عند الآخر من حضارة . لهذا السبب و لأسباب أخرى دعت الحاجه إلى وضع قواعد للترجمة و النقل ، إذ أن النقل من لغة إلى أخرى أشبه بنقل الماء من النهر بواسطة اليد ، إذ لا يلبث الماء أن يغيض بين فراغات اليد حتي لا يبقى من أثرة إلا قطرات لا تبل الريق .

كثير من النصوص الأدبية و الإجتماعية و غيرها تكون في أوج التألق الأبداعي ثم ما تلبث أن تعيث بها يد النقل فتحولها مسخا لا علاقة له بصورته تلك . لا يعني ذلك بالضرورة عدم جدوى حركة الترجمة ، فثمة فرق بين النقل و الترجمة ، ليست المسألة هي فقط نقل كلام من لغة إلى اخرى ، ثمة مشاعر و أحاسيس و قيم تشكل الروح الإبداعية في كل نص ليمتاز عن تلك النقولات المحنطة التي هي أشبة  بتلك الزهرة ، جففت لتوضع في إناء زجاجي صغير . فغاضت منها معاني الروح الجمالية المتوهجة ليحل فيه بريق نحاسي سرعان ما ينعكس في نفس المتأمل صورا براقة سرعان مايعمل فيها الصدأ ، إن لم تتشكل هذه الشاعر و تنطبع في نفس المترجم  فإنها تعود أشبه شيئ بالدمى المعلقة .

من المتحتم على المترجم أن يكون خبيرا بخبايا اللغة و تفاصيلها لا من المعاجم و القواميس بل من تفاصيل الحياة اليومية ، من الشارع ، من المقهى ، من الحارات القديمة ،

من حوارات الناس فيما بينهم ، إذ لا يكفي أن يكون الناقل ملما باللغة فقط . فالترجمة جسر مابين أمة و أمة ، فإذا لم يكن هذا الجسر محكم القواعد ، متراص البنيان ربما هوى بالسالك إلى غير مؤداه .

و قليلا ما تعطي الترجمة ما لا يعطيه النص الأصلي ، من قوة العبارة و قدرتها على الولوج في نفس القارئ ، ولعل هذا ما يفسر تفوق بعض النصوص المترجمة على النص الأصلي . 

و لايعني ذلك ما يحدث في بعض النقولات المترجمة من التحوير و التبديل و التصرف في بعض الأحداث و ربما النهايات فهذه النقولات أقرب إلى السرقة منها إلى النقل ، فالمترجم مؤتمن على تبليغ رسالته سواء في الأدب أو الفن او الفلسفة ، أيا كانت هذه الرساله ، يجب تبليغها للقارئ كما و صلته ، أما أن يكون شرطيا يسمح بمرور من يشاء و يمنع من يشاء ممارسا الحسبة على القارئ مدعيا بذلك التوسط بين القارئ و النص ممارسا في الوقت ذاته نوعا من الإضطهاد الفكري متناسيا أو جاهلا بذلك ، التنوع الثقافي و الفكري و الاخلاقي عند الآخر ، إذ سرعان ما تفقد هذه النصوص ما كانت تتضمنه من إبداع و تراث و قيم ما عند الآخر لتصبح جراء التصرف الإنتقائي نصوصا عرجاء لا تسير بالقارئ إلى أبعد من هوامش الصفحات . تخلق بذلك صورة مزيفة للآخر تساهم في النهاية إضعاف العلاقات الثقافية بين الشعوب و الأمم .