لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ 40

رضوان سلمان حمدان

لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ

40

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ المائدة95

المعاني المفردة([1])

مُّتَعَمِّداً: القاصد للشيء ذاكراً لإحرامه.

فَجَزَاء: أي : فعليه جزاء. فمكافأة.

النَّعَمِ: الإبل والبقر والغنم. يُقَالُ: إنَّ الأَنْعَامَ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِهِ لِمَا يُتَنَعَّمُ بِهِ مِنْ لُحُومِهَا وَأَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إلَى حِينٍ.

ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ: رجلان مؤمنان عدلان, لهما فطنة يميزان بها أشبه الأشياء به .

هَدْياً: الهدي وهو اسم ما يهدى إلى مكة للتقرب من شاة أو بقر أو بعير الواحدة هدية.

بَالِغَ الْكَعْبَةِ: أي : يبلغ به الحرم . فيذبح فيه ويتصدق به على مساكينه .

كَفَّارَةٌ: الكفارة لغة من الكفر الستر وشرعاً ما وجب على الجاني جبراً لما منه وقع وزجرا عن مثله. ما يستغفر به الآثم من صدقة، وصوم، ونحو ذلك.

عَدْلُ: مثل.

وَبَالَ أَمْرِهِ: أي : شدة وثقل هتكه لحرمة الإحرام .

عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف: يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا الإِسْلَامِ، أَوْ عَمَّا قَبْلَ بَيَانِ الْحُكْمِ ؛ فَإِنَّ الْوَاقِعَ قَبْلَهُ عَفْوٌ.

عَزِيزٌ: لا يُغلب. ومقتضى عزته الانتقام من هاتك حرمته.

الإعراب[2]

لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ: مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعله والصيد مفعوله والجملة مستأنفة لا محل لها. وَأَنتُمْ حُرُمٌ: مبتدأ وخبر والجملة في محل نصب حال بعد واو الحال.

وَمَنْ: الواو استئنافية َمَنْ: اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ. قَتَلَهُ: فعل ماض والهاء مفعوله. مِنكُم: متعلقان بمحذوف حال كائنا منكم. مُّتَعَمِّداً: حال منصوبة.

فَجَزاءٌ: الفاء واقعة في جواب شرط. جزاء مبتدأ وخبره محذوف التقدير فعليه جزاء. مِثْلُ: صفة لجزاء. مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ: ما اسم موصول في محل جر بالإضافة. من النعم متعلقان بجزاء وجملة قتل صلة الموصول لا محل لها.

يَحْكُمُ بِهِ ذَوا: يحكم فعل مضارع تعلق به الجار والمجرور وذوا فاعله مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى. عَدْلٍ: مضاف إليه. مِنْكُمْ: متعلقان بمحذوف صفة ذوا، وجملة يحكم في محل رفع صفة لجزاء.

هَدْياً: حال وقيل: مفعول مطلق. بالغ: صفة لهدياً. الْكَعْبَةِ: مضاف إليه.

أَوْ كَفَّارَةٌ: عطف على جزاء. طَعامُ: بدل مرفوع. مَساكِينَ: مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة ممنوع من الصرف على وزن مفاعيل.

أَوْ عَدْلُ: عطف على كفارة. "ذلِكَ" اسم إشارة في محل جر بالإضافة واللام للبعد والكاف للخطاب. صِياماً: تمييز منصوب.

لِيَذُوقَ: مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل والمصدر المؤول من أن والفعل في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بجزاء والتقدير فعليه جزاء لإذاقته وبال أمره. وَبالَ: مفعول به. أَمْرِهِ: مضاف إليه.

عَفَا اللَّهُ: فعل ماض وفاعل والجملة استئنافية: عَمَّا: متعلقان بعفا وجملة "سَلَفَ": صلة الموصول لا محل لها.

وَمَنْ عادَ: اسم شرط جازم مبتدأ وجملة عاد خبره وجملة. فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ: خبر لمبتدأ محذوف وتقديره فهو ينتقم اللّه منه والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط .

وَاللَّهُ عَزِيزٌ: لفظ الجلالة مبتدأ وعَزِيزٌ خبر والجملة مستأنفة. ذُو: خبر ثان مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة. انْتِقامٍ: مضاف إليه.

البلاغة[3]

﴿لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ﴾ استعارة مكنية تبعية، حيث شبه سوء عاقبة هتكه لحرمة الإحرام بالطعام المستوبل المستوخم يذوقه.

في ظلال النداء[4]

   إن النهي ينصب على قتل المحرم للصيد عمداً. فأما إذا قتله خطأ فلا إثم عليه ولا كفارة.. فإذا كان القتل عمداً فكفارته أن يذبح بهيمة من الأنعام من مستوى الصيد الذي قتله. فالغزالة مثلاً تجزئ فيها نعجة أو عنزة. والأيِّل تجزئ فيه بقرة. والنعامة والزرافة وما إليها تجزئ فيها بدنة.. والأرنب والقط وأمثالهما يجزئ فيه أرنب. وما لا مقابل له من البهيمة يجزئ عنه ما يوازي قيمته..

ويتولى الحكم في هذه الكفارة اثنان من المسلمين ذوا عدل. فإذا حكما بذبح بهيمة أطلقت هدياً حتى تبلغ الكعبة، تذبح هناك وتطعم للمساكين. أما إذا لم توجد بهيمة فللحكمين أن يحكما بكفارة طعام مساكين؛ بما يساوي ثمن البهيمة أو ثمن الصيد (خلاف فقهي). فإذا لم يجد صاحب الكفارة صام ما يعادل هذه الكفارة. مقدراً ثمن الصيد أو البهيمة، ومجزأ على عدد المساكين الذين يطعمهم هذا الثمن؛ وصيام يوم مقابل إطعام كل مسكين . . أما كم يبلغ ثمن إطعام مسكين فهو موضع خلاف فقهي. ولكنه يتبع الأمكنة والأزمنة والأحوال.

وينص السياق القرآني على حكمة هذه الكفارة: ﴿لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ . . ففي الكفارة معنى العقوبة، لأن الذنب هنا مخل بحرمة يشدد فيها الإسلام تشديداً كبيراً: لذلك يعقب عليها بالعفو عما سلف والتهديد بانتقام الله ممن لا يكف:

﴿عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾.

فإذا اعتز قاتل الصيد بقوته وقدرته على نيل هذا الصيد، الذي أراد الله له الأمان في مثابة الأمان، فالله هو العزيز القوي القادر على الانتقام!

هداية وتدبر[5]

1. في قوله وأنتم حرم ثلاثة أقوال:

أحدها وأنتم محرمون بحج أو عمرة قاله الأكثرون والثاني وأنتم في الحرم يقال أحرم إذا دخل في الحرم وأنجد إذا أتى نجدا والثالث الجمع بين القولين.

2. قوله تعالى: ﴿وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً﴾ فيه قولان:

أحدهما، أن يتعمد قتله ذاكراً لإحرامه قاله ابن عباس وعطاء.

والثاني، أن يتعمد قتله ناسياً لإحرامه قاله مجاهد. فأما قتله خطأ ففيه قولان:

أحدهما، أنه كالعمد قاله عمر وعثمان والجمهور, قال الزهري نزل القرآن بالعمد وجرت السنة في الخطأ يعني ألحقت المخطئ بالمتعمد في وجوب الجزاء، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الضبع صيد وفيه كبش إذا قتله المحرم وهذا عام في العامد والمخطئ، قال القاضي أبو يعلى أفاد تخصيص العمد بالذكر ما ذكر في أثناء الآية من الوعيد وإنما يختص ذلك بالعامد. والثاني, أنه لا شيء فيه قاله ابن عباس وغيره.

3. هل يجوز للمحرم ذبح الصيد؟ قال مالك وأبو حنيفة: لا يجوز ذبح المحرم للصيد، لنهي اللّه سبحانه المحرم عن قتله: ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ﴾ فصار المحرم ليس أهلاً لذبح الصيد. وقال الشافعي: ذبح المحرم للصيد جائز، لأنه ذبحٌ صدر من أهله وهو المسلم، مضاف إلى محله وهو الأنعام، فأفاد مقصوده من حلّ الأكل، كذبح الحلال.

4. هل تستثنى السباع من صيد البر؟ للعلماء آراء ثلاثة:

قال مالك: كل شيء لا يعدو من السباع مثل الهر والثعلب والضبع وما أشبهها، فلا يقتله المحرم، وإن قتله فداه. ولا بأس بقتل كل ما عدا ذلك على الناس في الأغلب، مثل الأسد والذئب والنمر والفهد، وكذلك لا بأس عليه بقتل الحيات والعقارب والفأرة والغراب والحدأة، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم فيما رواه مسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحديا» .

والخلاصة: أنه لا بأس بقتل المذكور في هذا الحديث ويقاس عليها السباع.

وأما قاتل الزّنبور والبرغوث والذباب والنمل ونحوه فيطعم قاتله شيئا في رأي مالك. وثبت عن عمر إباحة قتل الزنبور.

وقال أبو حنيفة: لا يقتل المحرم من السباع إلا الكلب العقور والذئب خاصة، سواء ابتدأه أو ابتدأهما، وإن قتل غيره من السباع فداه، فإن ابتدأه غيرهما من السباع فقتله فلا شيء عليه. ولا شيء عليه في قتل الحية والعقرب والغراب والحداة، لأن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم خص دوابّ بأعيانها، وأرخص للمحرم في قتلها من أجل ضررها، فلا وجه أن يزاد عليها إلا أن يجمعوا على شيء فيدخل في معناها. والخلاصة: لا بأس بقتل المذكور في الحديث، ولا يقاس عليها السباع. أما الذئب فهو كالكلب.

وقال الشافعي: كل ما لا يؤكل لحمه، فللمحرم أن يقتله، وصغار ذلك وكباره سواء.

5. صيد الحرم المكي والمدني: أي حرم مكة وحرم المدينة، وزاد الشافعي حرم الطائف: لا يجوز قطع شجره، ولا صيد صيده، ومن فعل ذلك أثم ولا جزاء عليه في مذهبي مالك والشافعي، ودليل التحريم

قوله صلّى اللّه عليه وسلّم في الصحيح: «اللهم إن إبراهيم حرّم مكة، وإني أحرّم المدينة مثل ما حرّم به مكة، ومثله معه، لا يختلى خلاها[6] ، ولا يعضد شجرها، ولا ينفّر صيدها»

ودليل عدم أخذ الجزاء: عموم قوله صلّى اللّه عليه وسلّم في الصحيح: «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا أو أوى محدثا، فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل اللّه منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا[7]» فأرسل صلّى اللّه عليه وسلّم الوعيد الشديد، ولم يذكر كفارة.

وقال أبو حنيفة: صيد المدينة غير محرّم، وكذلك قطع شجرها، لحديث سعد بن أبي وقاص عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: «من وجدتموه يصيد في حدود المدينة أو يقطع شجرها، فخذوا سلبه» أي ما يكون معه من متاع وسلاح، لكن اتفق الفقهاء على أنه لا يؤخذ سلب من صاد في المدينة، فدل ذلك على أنه منسوخ. واحتج لهم الطحاوي أيضا بحديث أنس: «ما فعل النّفير؟» فلم ينكر صيده وإمساكه.

6. حالة العود أو التكرار: إن قتل المحرم في إحرامه شيئا من الصيد، ثم عاد إلى القتل مرة أخرى، فعليه في رأي الجمهور (مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم) الجزاء كلما قتل، لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ، وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ... الآية .. فالنهي دائم مستمر عليه، ما دام محرما، فمتى قتله، فالجزاء لأجل ذلك لازم له.

7. قال الشافعي والحسن البصري: إذا اتفق الحكمان لزم الحكم، وإن اختلفا نظر في غيرهما، ولا ينتقل عن المثل الخلقي إذا حكما به إلى الطعام، لأنه أمر قد لزم. وقال مالك: يخيّر الحكمان قاتل الصيد كما خيّره اللّه في أن يخرج هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ، أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ، أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً فإن اختار الهدي حكما عليه بما يريانه نظيرا لما أصاب، وما لم يبلغ شاة حكما فيه بالطعام، ثم خيّر في أن يطعمه أو يصوم مكان كل مد يوما.

8. قال أبو حنيفة: إذا قتل جماعة صيدا في الحرم المكي، وكلهم محلّون، عليهم جزاء واحد، بخلاف ما لو قتله المحرمون في الحل والحرم، على كل واحد جزاء كامل. ودليله أن الجناية في الإحرام على العبادة قد ارتكب كل واحد منهم محظور إحرامه. وإذا قتل المحلّون صيدا في الحرم، فإنما أتلفوا دابة محرمة، بمنزلة ما لو أتلف جماعة دابة، فإن كل واحد منهم قاتل دابة، ويشتركون في القيمة.

وقال مالك: على كل واحد منهم جزاء كامل، بناء على أن الرجل يكون محرما بدخوله الحرم، كما يكون محرما بتلبيته بالإحرام. قال ابن العربي: وأبو حنيفة أقوى منا.

               

[1] . انظر: محاسن التأويل. والتفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج. أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير. التوقيف على مهمات التعاريف. القاموس الفقهي لغة واصطلاحا.

[2] . الحَاوِى فى تَفْسِيرِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ.

[3] . الحَاوِى فى تَفْسِيرِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ.

[4] . في ظلال القرآن.

[5] . انظر: زاد المسير في علم التفسير. ومحاسن التأويل. والتفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج.

[6] . الخلى: النبات الرقيق ما دام رطبا، ويختلى: يقطع.

[7] . عير: جبل بناحية المدينة. وأما ثور فهو جبل بمكة، وذكره هنا وهم من الراوي وخطأ. والصرف: التوبة، والعدل: الفدية.