مدخل إلى معرفة "الغرب"

نحن.. والغرب (2)

مدخل إلى معرفة "الغرب"

م. الطيب بيتي العلوي

مغربي مقيم بفرنسا

باحث في الانثروبولوجيا الدينية والثقافية بباريس

[email protected]

"..لقد أصبح الغرب في الوقت الحالي فكرة ايديولوجية أكثر منها جغرافية، وفي الجغرافية السياسية المعاصرة ،يعني العالم الغربي مثلثا تحيط أضلاعه بنصف الكرة الأرضية الشمالي، حيث أوروبا الغربية واليابان، والولايات المتحدة، ويرمز الشكل الثلاثي جيدا الى هذا المكان الدفاعي والهجومي.." سيرج  لاتوش في كتابه تغريب العالم..Serge Latouche ..L’occidentalisation du Monde

ان كل القواميس الغربية المتخصصة في"الحضارة" والثقافة" تجمع على تعريف الغرب بأنه=" تلك التوليفة التاريخية للتقاليد( اليونانية-الرومانية- اليهودية –المسيحية)"

وكما يعرفه الجنرال دوغول نفسه –المؤرخ ،والأكاديمي، والعسكري،والمؤسس للجمهورية الخامسة الفرنسية-

ولقداصطدم المتخصصون في الحضارة والثقافة منذ القرن الثامن عشر، عندما بدأت المحاولات الأولى الجادة لدراسة اشكاليتي "الحضارة" و"الدين"دراسة علمية بمشكلة تحديدهما

وما يزال التعريف-المذكور أعلاه- والمنصوص عليه في قواميس المصطلحات "الليكسيكية" الغربية يخلق اشكالية أخرى أكثرتعقيدابالنسبة للأنثروبولجيا الدينية والثقافية ،ولعلوم الأناسة الغربية، لكون اليهودية- بالمنظور( التوراتي "الدوغماتي") أو بالمنظور التلمودي "القبالي" الاسترراري "(أوالخفائي ) تحط من قدرالكوسمولوجيتين اليونية والرومانية ، وتعتبرهما وثنيات"بذيئة"، كما تصنفهماالمسيحية ضمن الهرطقات الوثنية للأساطيراليوناية والرومانية اللتان ولدتهما صراعات آلهات الأولمب في أعالي الجبال،- مما يجعل هذا التحديد ،وكأنه تفسيرميتافيزيقي"لميتافيزيقا انفعالية" كما وصفها مؤرخ الفلسفة المعاصرة "هنري دافيد ايكن"Henry D.Aiken  في مبحثه الضخمThe 19th Century philosophers selected

فلقد زاد من اعتقاد الغرب منذ "الحرب الحضارية الأولى على المنطقة"- بضرب العراق-، بأنه السليل الأوحد، والوليد الشرعي الحصري للأمهات الثلاثة للبشرية، وهي، المعجزة الاغريقية، والتوراة اليهودية ،والسيادة الرومانية"Imperium،" وهو المعنىذاته المقصود  حاليا في تغول"العولمة" في تطبيقاتها الوحشية الحالية ،بتعزيز ألوهية السوق"،المؤدية الى"كونوية" الجوع والفاقة والمسغبة والخنا" وباكراه البشر على القبول القسري للمبادئ القيمية الغربية، والا" فالطوفان أوالدمار"،-كما تنبؤ عنه أطروحاته الجديدة -ولم يبق على شموس الأمهات الأخرى(لباقي الحضارات)سوى أن تغرب عن الأفق–يضيف المفكر الفلسطيني الكبير "حمدان حمدان"

وفي هذا الصدد،فان محاولة تعريف الغرب،أومحاولة فهمه، لممارسة محفوفة بالمخاطر،سواء من خارج الأنظومة الغربية، أو من داخلها نفسها، لأن المنافذ اليه كثيرة ومتشعبة، كتجربة تاريخية واسعة وغنية ومتعددة ومتلونة،ولأن الالمامة التاريخية له،تغدو رحلة شاقة وعسيرة،تصيب الباحث والمنقب بين صحائفه وصفحاته بالذهول، بل وبالرعب أحيانا ،لأنه كما قال أبوالفلسفة الغربية المعاصرة الألماني" مارتان هيدغر""ان الغرب بلاد المساء"Martin Heideger , Qu’est que penser ?ص 112"حيث يتساءل الأنثروبولجي الفرنسي سيرج لاتوش "هل هو بلاد المساء الأسطوري الذى تولد فيه الفلسفات  مع حلول كل مساء؟.عندما تظهر بومة "منيرفا" وتكون الشمس قد قطعت لتوها مشوارها الطويل؟"

بمعنى،أن الغرب ولاد للفلسفات الحمالة الأوجه بطبيعة تكوينه،عبر سيرورته التاريخية الكبرى منذ الاغريق الى اليوم،والتي من أهم سماتها، التباين والتناقض،مع الحفاظ على ثبوتية خصوصيته"الهلينية –التوراتية -المسيحية"

.فالغرب اذا،- يضيف "سيرج لاتوش"- قد طرح نفسه أولا، عندما انقض الصليبيون والفاتحون الاسبان، والمستعمرون على اليابسة،عندما كانت العقيدة النصرانية تخرج العالم المسيحي عن طوره،ثم عندما تولد لديه -لاحقا بعد الحروب الصليبية-اليقين في الاضطلاع بعبء التنوير( الذي ولد كبريات الامبرياليات "الديموقراطية الكبرى)،كمحفز"انساني" يدفع الغزاة الى" رسالتهم الحضارية"، وبدون أي شك فى حقهم المطلق، ويقينهم الراسخ.في ذلك، بل وحتى واجبه المنوط به حضاريا"

 فالمسيحية الغربية -ولابد من التأكيد على خصائص نصرانية الكنيسة الغربية البيزانطية - أوجدت الغرب فى ذاته ولذاته فى البداية، ثم نهضويا، وتنويريا، فحداثيا، وأخيرا ديموقراطيا، حيث كان القاسم المشترك لهذه المراحل التاريخية ،هو العربدة الدموية والشراهة اللصوصية ،التى أفرزت مفكرين من داخل الغرب نفسه يهبون-هلعين- بالمسارعة الى نعي الغرب، والتنبء بمواته وسقوطه وانهياره(أنظرتخبطات الوجوديات والمثاليات ، والعبثيات ، والابداعات الفنية المتأزمة والقلقة ،التىأرعبتها غلظة وجفاف وصرامة دوغماتيات وعقلانيات الوضعيين، والديكارتيين، والماديين، وهشاشة المثاليين والهيغليين،

القدامى والجدد، والرومانسيين، والكانطيين،والرافضين ،والمتمردين القدامى والجدد)

مما حدا ب"رومان رولان" Roman Rolanباطلاق صيحته المرعبة الشهيرة في ثمانينات القرن الماضي حين قال "

"ما نشهده اليوم، هو الغليان الهائل في العالم ، هو نهوض كافة الحضارات المضطهدة ضد حضارة الرجل الابيض وسيكون الصراع طويلا ومرعبا، واعتقد تماما ان حضارة الرجل الابيض ستخسره، وسيكون عصرا وسيطا جديدا سوف تتشكل فيه خلال قرون من الطلمات التي يضيئها عصر المستقبل الكلاسيكية للعقل والاضطهاد "(2) مما جعل الغرب يخطط لاستمرار فرض هيمنته  منذ نهاية الحرب الباردة، بما يلازم ذلك من استعباد وظلم ودمار وتفجير الجنوب كله الى شظايا ،لتضعه فى خدمته واجتثات جذوره، واقتلاع قطيع البشر من مواطنهم في أقاصى المعمورة، والزج بهم فى صحاري الوهم والسراب ،لهثا وراء الرفاه، والحداثة، والتنمية، والمكننة ،والثروة الموعودة ،وخلق نماذج اجتماعية مزيفة مغربة و مرعوبة ،تحت ضغوط اغواءات هراوة التغريب ،وكماشة "التحديث" التي لاترحم ،أي حسب تعبير الكاتب الزنجي الأمريكي الشهير "جاك لندن" الذى سحقت "الماكينة" الأمريكية بني جلدته من السود الأمريكيين والملونين من كل اثنيات القارتين"

 لا ..لا وألف لا

لاتحدثوني عن التعاطف مع السود

فرسالة الرجل الأبيض هى فقط، أن يكون مقاول العالم وجلاده ،

...ولا ينبغى له أن يتوقف كثيرا عند عوارض هى خطيرة بقدر ماهى عديمة الجدوى

.Jack London---LinévitableBlanc

فمن هو هذا الغرب؟

يعتبرمطلع الٌقرن العشرين عهد بداية "العهد الجميل" للغرب، ففيه اكتمل تغريب العالم فى شكل الادارة الاستعمارية الأوربية، حيث كانت تجوب قطارات وبواخر وطائرات الرجل الأبيض كل القارات والمحيطات والأجواء، مزهوا بمكاسبه الاستعمارية، و فخورا بملحمته الكولونيالية ذات التجربة الفريدة فى التاريخ الانساني على كل المستويات،و التى يصعب حصرها أواختزالها حسب الأمانة العلمية فى كيان واحد مهما حاولنا تبسيط ذلك.

فليس الغرب مجرد كيان جغرافيهو أوروبا حيث ولد

أواختزاله ضمن ديانة هي المسيحية ،فقد سعى الغرب دائما تاريخيا الى اعتبار المسلمين والمسيحيين كطرفي عداوة تاريخية فى النزاع ،و قد حسم الغرب نفسه هذه المسألة التى لم تكن تدور بالنسبة اليه حول حماية الصليب، لأن مبدأ ورمز الصليب نفسه يقومان عند الغرب على مفهومين عقابيين وحشيين ( بالمفهوم الروماني القديم)-كما هوماثل فى رمزي الصليب المعقوفين للثقافتين الغربيتين المعاصرتين، الفاشية والنازية،وأما الصليب بالمفهوم المسيحي الشرقي(الأصيل) فهودليل الفداء والتضحية والطهارة.والصفاء، والروحانية، والتسامي.

فالعالم المسيحي - اصطلاحا – ،اذا،هو كل غير متجانس منذ نشأته الأولى ،عندما رأى النورفى فلسطين الشرق-الذي لم يستطع الحفاظ عليه، كما يرى المؤرخون الغرب أنفسهم أمثال كبير المؤرخين البريطانيين" توينبي".،

اذ لاعلاقة لمسيحييي الشرق العرب من أرثوذوكس و كاثوليك، أومسيحيي شرق أوروبا أوأثيوبيا بالمسيحية الغربية، فهؤلاء الذين اهتموا بالتنسك والطهرانية النصرانية الأصلية،أكثر من اهتمامهم بالمشاريع التوسعية "السياسيوية"البغيضة للكنيسة الغربية ابان حملاتها الصليبية ،عندما قام "شارلمان" بتغريب التخوم الشرقية وبتأمين الحدودالجنوبية بالسيف فى يد والصليب فى يد أخرى، وعبراستعباد الساكسونيين ،والتنصير الوحشي لهم على يد القديس "بونيفاس"، وكذا تمسيح برابرة الشمال من" الفيكينغ"والدمج البطيء لبرابرة شرق أوربا.، وسحق ملايين الهنود الحمر "وتمسيحهم" من طرف الاسبان عبر المجازر الوحشية من المكسيك الى أقاصى أمريكا الجنوبية ،ناهيك عما حدث لأخوتهم فى كندا وشمال أمريكا، وكذا عبرعمليات التبشير التى قام بها اليسوعيين على يد القديس" فرانسوا-خابير" فى شرقى آسيا واليابان)...

كما يجب ألا ينظرالي الغرب ضمن فلسفة هى" التنوير"

(فلم يستكمل الغرب مسيرته المظفرة لقاطرة التاريخ الساحقة لما هو كل بريء الا بعد التنوير، اذ فتح - مابعد فولتير-المجال أمام كبار مغامري السماء والأرض، لتصبح الكرة الأرضية "ممسوحة بحسابات دقيقة"-حسب تعبير "سيرج لاتوش- لاستغلال كل خيرات الأرض، حيث أطلق عصر التنوير على  فترة " العصر القوطي بفترة "العصورالمظلمة" أو العصر الوسيط وهى العشرة قرون "الحالكة" بالنسبة للتاريخ الغربي بالمنظور" التاريخاني" والتى تمثل أزهى وحدة ثقافية كبرى لأوروبا ابان العالم المسيحي ،بل ان أزهى خلفته أوروبا من فن راق، ومن جماليات المباني ،و المآثرالتاريخية من كاتدراليات ،ومعالم فنية كات من ابداع تلك "العصور الحالكة"، وهي الخلفية الحضارية والثقافية للشعوب الأوربية، والضامنة لخصائص أوروبا الحالية أو "أوروبا ماستريخت"- وليست تلك الترسانات الرديئة المرمزة "للعصرنة" و للعولمة النمطية لبشاعةالمعمار  .

ولقد تم هضم معظم كعكعة العالم الهائلة - باسم التنوير- خلال قرنين من الزمان منذ عام 1800 حيث سيطرت أوروبا على أكثر من 55/100 واستغلت عمليا 35/100 من مساحة المعمورة آنذاك ،والتىاستمرت حتى فجر الحداثة،عندما نظر"جول فيرى""التنويري"و رجل الدولة الفرنسي وأحد مؤسسى الجمهورية الفرنسية أن أطلق نظريته الشهيرة "بعبء الرجل الأبيض"فى مطلع القرن الماضي المبررة لكل ماجرى فى المغرب العربي وافريقيا) والتى مازالت مدرجة فى كتب تدريس التاريخ فى المدارس الثانوية بفرنسا الى يومنا هذا...

كما لايمكن أن ينظر الى الغرب-حصريا - ضمن عرق أبيض

فلا جدال فى أن الغرب فى تاريخه الطويل، وخاصة فى القرن التاسع عشر،قد آمن بتفوق الرجل الأبيض و"قعد" له بنظريات بيولوجية"علموية" عنصرية، أعطت للبشرية كل المنتوجات "الفلسفية" والمؤساساتية للعنصرية المقيتة، وما يزال الغرب "الحداثى والتنويرى" غير قابل-"سيكولوجيا" وبتاثير "اللاشعور الجمعي"-لاستيعاب لون البشرات الغيرأوروبية ،مما لايخلو من مشاكل عنصرية داخل المجتمعات الغربية ،وداخل الولايات المتحدة.، بالرغم من أن الدراسات العلمية فى مجالات الأنثروبولوجية الجسمانية، قد قوضت كل نظريات القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، حول تماسك فكرة العرق الأبيض وصفائه وتفوقه (انظركتاب العرقية ازاء العلم لمجموعة العلماء المتخصصين في الاثنولوجيات لليونيسكو)كماأن النجاح الأكيد لليابانيين،ومجموعات النمورالأسيوية والصينينن والكوريين القادمين، قد أربك كل التصنيفات العرقية، وخلص الأسيويين من عقدة الرجل الأبيض،.والسر يكمن لدى هولاء في الارادتين السياسيتين وهما

الاصرار على دخول عوالم الندية من بابها الاكبر(بالاخذ بايجابيات التقنية الغربية وترك نفاياتها)،ثم التخلص من عقدة تفوق الرجل الأبيض

كما لايمكن أن ينظر الى الغرب فقط ضمن نظام رأسمالي

بالرغم من أن هذا النظام الرأسمالي، ولد في أوروبا ،الا أنه كان مجرد شكل من أشكال اخضاع العالم للغرب، فقد كان الغرب غربا قبل ميلاد الرأسماية - وان كانت مظهرا من "خصوصياته"، وأما الليبيراية الجديدة-فى وجهها الشرس- فمردها الى آثار الاقطاع الأوروبي القديم، وبقايا الأرستقراطية المتعالية، واستمرارعقلية اللصوصية، واقتصاد الأوامر، والغطرسة المبنية كما فى بدايات الغرب على السلب والنهب والاستغلال.،

فالغرب ،اذا، بحكم تراكماته التاريخية ،وتناقضاته المعقدة ،أصبح بمثابة ركام سديمي مركزه فى كل مكان - يقول لاتوش - ومحيطه فى أي مكان، وهنا تكمن خطورته، فقد صار بمثابة تلك الآلة الجهنمية المثبتة داخل رؤوس البشر، والتى يصعب التنصل منها، أواستأصالها بدون فرز"فسيفسائها"،وتلك معادلة صعبة ،ورحلة فكرية شاقة،وملغومة ،مما دفع بالفيلسوف الكامروني الكبير".مارسيان تووا" Marcien Towaالى القول بسخرية مريرة"يكمن سر الغرب، فى ذلك الذي يميزه عنا،و هو،أنه ينبغي أن نجحد أنفسنا،وأن نطرح للمناقشة وجود "الذات" ذاته،.وأن "نتأورب"تماما،.وأن نجحد وجودنا الحميمي ،وأن نصبح "الآخر"،أن نقصد قصدا الى أن نصبح مثل "الآخر"،شبيهين "بالآخر"، وبذلك غير قابلين لان يستعمرنا "الآخر." من كتابه E ssay surla problématique philosophique dans l’afrique actuelle ، وويضيف الاتتربولوجى سيرج لاتوش " واذا كان هذا" الآخر" مصاصا للدماء لا يعيش الاعلى دم ضحاياه.... ؟

غير أن الكثيرين من عمالقة المفكرين المعاصرين فى الغرب مثل "جيلبير ديوران " و"شيون"وسيرج لاتوش" و"ادغار موران"و"وفوكو "-على سبيل المثال لا الحصر-، يرون أن الاخفاق محفور فى صميم المشروع الغربي حتى فى الوجه الآخر"البراق" للأداء المتمثل في" الاخائية" و"الندية" و"الانسانية" التى لا يمكنها أن تتم الاعن طريق طرح "الأحسن" The best في نظم الحياة البشرية كلها ،ولكن شريطة"مسح كل ما هو "حسن "وانساني مشترك لقسم كبير للبشرية، وتلك احدى المآسي الكبرى لقيم الغرب العالمية ،وقد تجلى ذلك يوضوح في فترة اعصار كاترينا الذي "قزم" الولايات المتحدة، وأعادها الى حجمها "الانساني"الطبيعي، حيث فضحت قوة الطبيعة التي لاتقهر تلك"الجوانب الخفية" لنماذج الاخفاقات اليقينية الثاوية بين حنايا المشروع الغربي "الكوني"خاصة على المستوى"الاخائي"و"الانساني" التي تجلت وقتها في تصرفات ادارة بوش" التي اتسمت بالفوضى والارتجال والعنصرية، في مواجهة الاعصار،عندما اكتشف الاعلام الأمريكي عدم توفرالبنيات التحتية اللازمة، وتقادم واهتراء معدات الصيانة التي لم يعد النظرفي صلاحيتها وفعاليتها منذ الستينات، والممارسات السياسية الانتقائية القذرة واللاأخلاقية، ازاء ضحايا الاعصار من السود والفقراء البيض بتركهم للغرق ،والاجتياح ، وبقبول ادارة أغنى دولة في العالم لمساعادات الدول الفقيرة مثل بانغلاديش والفلبين وسنغافورة وسريلانكا،ناهيك عن مساعادات كل الدول العربية والاسلامية بدون استثناء، حيث تم افرازالملفات العفنة التي هي أخطرعلى الولايات المتحدة الأمريكية من مستنقع العراق وافغانستان على المدى البعيد- سوسيولجيا –( ملفات عدم الكفاءات التقنية-الآلية، والادارية،و ملفات العنصرية والفقرواستفحال الجريمة المنظمة المستشرية بين الأحداث وغيرها، وتنامي الديانات "التحتية الاستسرارية" لمشايخ " الديانات الطوطيمية" الوافدة من أمريكا اللاتينية ،وافريقيا السوداء، وصراعات لوبيات التجمعات المثلية الذكورية والنسوية فيما بينها للوصول الى القرارات السياسية، وغيرها من الأمراض الاجتماعية المستعصية التي هي من خصوصيات المجتمع الامريكي وحده في العالم التي لم تتوصل مراكز البحث –على كثرتها- الىالاجابة عنها) فتحولت هذه القضايا الشائكة الى أرشيف الملفات السرية المسكوت عنها، والتي هي بمثابة الألغام الموقوتة،، وبالتالي فمن حسن الفطن صرف الأنظارعنها بالحروب الخارجية وخلق "بعبع "مشترك يهدد "واحة الديموقراطية الآمنة" ومعقل الحريات والطموحات الفردية اللامحدودة، وحلم البشرية الأكبر..

وباختصارفان الغرب هو كما وصفه آخرسيد للفكر الغربي "رونى جينونRené Guénon" "ان الغرب هوأكبر نشوز ذريع فى التاريخ البشري" L’occident  est la plus grande  anomlie  de l’histoireأو كما قال" روجي غارودي" فى جملة ذات جرس بلاغي شكلا ومضمونا بالفرنسية "الغرب مصيبة (كونية) l’occident est un accident

 انه أسطورة الدكتور" فاوست"  "لغوته"في الحوارالشهير بين الرب والشيطان والرهان علىاغواء ذلك الولي الصالح، الجليل ،وتحويله عن الحب الالهي ،وقوته واخلاصه فى الوفاء للرب والخير،

 أو هو تلك اللوحة الفنية التي صورها "ئشارلز ديكنز في الصفخة الاولى من روايته "قصة مديمنتين"

كان أفضل الأزمان ،... وكان أسوأالأزمان

كان عصر الحكمة،.. .وكان عصر الحماقة

كان عهد الايمان ،... وكان عهد الشك

 كان موسم النور ،... وكان موسم الظلام

 كان نبع الأمل ،... وكان شتاء اليأس

 كان لدينا كل شيء،...ولم يبق لدينا أي شيء

 كنا متجهين جميعاالىالسماء ،... وكنا جميعا في طريقنا الى الاتجاه الآخر"

وماذا بعد؟

ان الكثيرين من المفكرين في الغرب اليوم يائسون، من التجارب المريرة، للمغامرات العبثية، والبشعة، لهذه الحضارة عبر التاريخ، ومرعوبون من"سوداوية" مصيرالانسانية التي تقودها هذه الحضارة

غيرأن الكثيرين منهم أيضا، ما تزال لديهم القدرة على الاحساس بالحلم بجمال الروح الانسانية الفطرية لدى البشر أجمعين ،التي بامكانها انقاذ العالم من قذارته، كما تبدو من خلال سوداوية هذا السيناريو الغربي –الأمريكي الجديد، المفروض على الانسانية اليوم‘ عبر الحروب الصغرى والكبرى والفتن المؤججة في منطقتنا وفي بقية العالم.، مما يدل علىأن في أعماق حفنة من البشر – شرقا وغربا - حنين غريب مرضي، الى اللاعقلانية بأبعد معانيهاالعبثية واللامسئولة.، ومن هنا يأتى مصدر خطر الصياغات والبراهين العقلية الاستدلالية لطروحات نظريات الفوضى ذات المزالق الكارثية على البشرية، و كل التنظيرات الفردية التسلطية والقمعية  لساسة دول الجنوب، وبالأخص في منطقتناالتي يصمت قادة الغرب عن الظلم والطغيان والقهر الممارس على الرعية آناء الليل وأطراف النهار، فيصبح المستبدون بالسلط في عالمنا العربي والاسلامي- في عرف قادة الغرب الجدد -"معتدلون وديموقراطيون" –سخرية بهم ونكاية بشعوبهم،، ونفخا في نرجسيتهم ،.

وان الكثيرين من حكماء الغرب من الذين استوعبوا هناته وهفواته، وأخطائه، مستعدون اليوم للدفاع عن قضايانا الكبرى، وفضح أحابيل سياسات الغرب الانتقائية،ومعاييره المزدوجة في اطار احترام الآخر، بعد تجارب الحضارة الغربية المعاصرة ، واخفاقاتها المستمرة في علاقاتها مع حضارات الآخرين ،

الا انه يبدو أن النخب العربية والمسلمة ما تزال غائبة ،وغافلة–معرفيا-واستراتيجيا، التواصل مع هؤلاء،بعدم التنقيب عنهم-جهلا أوتجاهلا- بعدم الترجمة لأعمالهم وانتاجاتهم الفكرية، وعدم استضافتهم حتى في بعض القنوات الجادة بدلامن الاهتمام بأعمال سطحية بذيئة لمبدعين مغمورين تافهين من شويعيرمن هنا، وقصاص ايروتيكي من هناك ،اشباعا للفانتازمات المرضية للتعداد المتزايد من المنحرفين والمنحرفات في المشهد الثقافي العربي، بينما تهمل كتابات عمالقة كبارمثل جيلبير دوران، وألان توران، وشيون، وادغار موران، وغيرهم من مفكري العيارالثقيل في الفكرالغربي والناقدين له -ابيستيمولجيا وانثروبولوجيا- من الداخل ، والذين يستغربون غياب العرب والمسلمين عن المساهمة في المسيرة الانسانية الكبرى ، ورسم خطوطها العريضة المشرقة، مع ما يملكونه من أغنى تراث انساني متنوع،بعطاءات حضارات المنطقة، ودياناتها السماوية،وغناها البشري، وبتنوع اثنياتها وثقافاتها المتنوعة، التي تصب في مصب بحرالثقافة العربية –الاسلامية الواحدةمهما تعددت الأودية، وتشعبت مسالكهاو فروعها.