عفوا جورج أورويل.. إنها الكوميديا السوداء
محمود القاعود
منذ 3 يوليو 2013م .. تعيش مصر حقبة سوداء مظلمة لم تمر بها طوال تاريخها الممتد منذ آلاف السنين .. اختفى العقل وتلاشي المنطق .. مع بيان قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي بعزل رئيس الجمهورية المنتخب الدكتور محمد مرسي وتنصيب نفسه حاكما عسكريا .. بقوة الدبابة والبندقية ..
كانت الأكاذيب التى تروجها ما تُسمي جبهة الإنقاذ والدولة العميقة وتحالف الفساد المزمن الذى ينخر فى عظام الدولة ، تتمحور حول ما يسمونه " ديكتاتورية مرسي " و "أخونة الدولة" ! وهذه الأكاذيب يدحضها الواقع ومناخ الحرية الذى لم يسبق له مثيل .. حتى وصلت الحرية إلى الانفلات غير المسئول من كل القيم والأخلاقيات وصارت حالة من السفالة والبذاءة لدي كل من يعرقلون الرئيس مرسي ويهدفون لتنصير الدولة وعلمنتها ..
مع أول يوم فى الانقلاب الصليبي .. أُغلقت الفضائيات والصحف والمواقع الإليكترونية .. وزُج بالآلاف فى المعتقلات .. وصارت المجازر تترى فى ربوع البلاد .. حتى كانت محرقة رابعة العدوية والنهضة .. وحرق جثث الشهداء والمصاحف والمساجد .. وتلتها مجازر رمسيس والإسكندرية .. وكرداسة .. ودلجا وغيرها الكثير .. وأصبح الذين كانوا يتباكون بالأمس على " جيكا " و " كريستي"- شابان قُتلا برصاص الداخلية - يباركون حرق وإبادة الآلاف من منطلق عنصرية كريهة فاشية بتورع عنها الفاشيون والنازيون ..
وأصبح الذين أقاموا الدنيا بسبب الإعلان الدستوري الذى أصدره الرئيس مرسي ليحافظ على ثورة يناير .. هم الذين يباركون الإعلان النازي الذى أصدره العسكر وجعلوا من يُسمي " عدلى منصور " يُوقع عليه .. وبموجبه تهتك كل الحريات وتُنتهك كل الحرمات ..
وأصبح الذين أقاموا الدنيا بسبب صحفى بذئ سافل .. شتم الرئيس مرسي بأقذع الألفاظ .. هم من يُباركون اعتقال أكثر من خمسين صحفيا .. بل يباركون قتلهم واستهدافهم ..
وأصبح الذين كانوا يُحملون الرئيس مرسي مسئولية الخلافات الزوجية .. هم من يبرر لقائد الانقلاب .. حالة الفوضي والانهيار والخراب التى تعيشها مصر ..
وأصبح الذين أقاموا الدنيا من أجل فتاة صُفعت بالقلم وهى تحرق مكتب الإرشاد .. هم من يصمتون على تقييد امرأة و " كلبشتها" وهى تضع مولودتها بالمستشفى !
والأمثلة كثيرة .. وتثير القرف والاشمئزاز من ازدواجية هؤلاء المسوخ الذين أسقطوا التجربة الديمقراطية التى لم تعشها مصر منذ سبعة آلاف عام أو يزيد ..
لم يتورع الانقلاب الصليبي المجرم عن اقتراف الموبقات .. ويحرص دائما على صبغها بالكوميديا السوداء .. مثل اعتقال فتيات بتهمة ارتداء "دبوس" يحمل شعار رابعة .. أو بلالين لونها أصفر ! أو حديث وزير داخلية الانقلاب عن ضبط ما أسماه "انتحارى اعتاد تفجير نفسه " ! والزج بأسماء شهداء من فلسطين ماتوا منذ سنوات والزعم بأنهم اقتحموا السجون فى مصر ! واتهام مرشد الإخوان بقطع طريق قليوب .. ! واعتقال طلاب الجامعات بتهمة هزلية مضحكة هى " الجهر بالصياح بغرض إثارة الفتنة الطائفية " ! والحكم بإعدام نحو ألف إنسان بتهمة قتل ضابط !
يستمر العبث فى ظل الانقلاب الصليبي .. ويدهشنا بما هو دون الكوميديا السوداء .. حيث نشرت صحيفة المصري اليوم الداعمة للانقلاب الصليبي خبرا يوم الأحد 9 نوفمبر 2014م بعنوان " القبض على طالب بمحيط جامعة القاهرة بحيازته رواية 1984 " !!
وجاء فى متن الخبر : " ألقت أجهزة الأمن بالجيزة القبض على طالب، في محيط جامعة القاهرة، بحوزته رواية تتحدث عن «ديكتاتورية الأنظمة العسكرية».
ودلت التحريات، التي أشرف عليها اللواء محمود فاروق، مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، الأحد، على أن «الخدمات المعينة لملاحظة الحالة الأمنية بمحيط جامعة القاهرة، تمكنت من ضبط (محمد.ط)، 21 عامًا، طالب، مقيم بمنطقة الوراق، أثناء تواجده أمام الباب الرئيسى للجامعة، وبحوزته هاتفي محمول دون بطارية، و3 فلاشات و2 ريدر، و(هارد ديسك) ورواية بعنوان (1984) للكاتب جورج أوريل، ويتحدث عن الأنظمة العسكرية الفاسدة التى تحكم البلاد. بديكتاتورية» !!
إلى هذه الدرجة من الجنون والعبث بلغ الحال بالانقلاب الصليبي .. اعتقال بتهمة قراءة "رواية" ! وهى سابقة ربما لم تحدث فى جمهوريات الموز والأنظمة الفاشية .. اللهم إلا نظام عصابة الأسد حافظ وبشار ..
وإن كان هذا هو الحال مع من قرأ رواية لـ جورج أورويل .. فكيف هو الحال إن كان يقرأ لـ توماس هاردي وتشارلز ديكنز وأنطون تشيكوف وإرنست هيمنجواي وديستوفيسكي وليو تولستوي وفرجيينا وولف وألكسندر دوما وسيمون دي بوفوار وألبير كامو وإيميلى برونتى وجابريل ماركيز وساراماجو .. إلخ ؟!
ثم هل يفهم الذين اعتقلوا هذا الطالب معنى "رواية" ؟ أو هل يفهمون سطرا مما هو مكتوب بداخلها ؟!
إنها حالة الجنون التى سمحت لهم الادعاء بأنهم يُعالجون مريض الإيدز بصباع الكفتة ويستخرجون الأسمنت من الشجر .. والكهرباء من السبانخ ..
إن هؤلاء الذين فقدوا الحياء .. وصلوا لمرحلة بعيدة من الانحطاط والعبث .. ولذلك نقول .. لو كان جورج أورويل حيا .. لصاغ ما يحدث فى مصر على أنه إحدي روايات الخيال العبثي .. حيث لا عقل .. لا منطق .. لا حياة ..
والله غالب على أمره