المناضلة والأديبة الشاعرة ماري عجمي
صفحات مجهولة من حياة المرأة السورية
الحلقة الرابعة
محمد فاروق الإمام
عند الحديث عن دور المرأة السورية الوطني في الربع الأول من القرن العشرين لابد من استذكار الأديبة الشاعرة ماري عجمي، أول امرأة صحفية سورية، فمن ترى هي ماري عجمي?
إنها أديبة رائدة، ومناضلة محترمة، ولدت بدمشق سنة 1888، وتعلمت في المدرسة الروسية أولاً، ومن ثم في المدرسة الإيرلندية وعملت بعد ذلك فيهما. أتقنت ماري عجمي اللغة العربية إذ عكفت على قراءة القرآن الكريم، ودراسة كتب التراث الأدبي ودواوين شعراء العربية المبدعين، وأنشدت الشعر الرصين منذ مطلع شبابها بلغة متينة، وأسلوب مشرق عذب، استجابة لموهبتها الشعرية، ولمشاعرها الوطنية والإنسانية ثم أنشأت أول مجلة نسوية في سنة 1910 تحت عنوان: "العروس" بعد أن راسلت صحيفة "المقتبس" بدمشق، وصحيفة "المهذب" بزحلة، فأقبل القراء على مجلتها آنذاك إذ وجدوا فيها مقالات وأبحاثاً قيمة تعالج المشكلات الاجتماعية والتربوية، وتدعو إلى الأخذ بالعلم والوعي الوطني للنساء والرجال معاً، وتطالبهم بالذود عن الوطن والتمسك باللغة العربية. ظلت مجلة العروس تصدر مدة أربع سنوات ثم توقفت عن الصدور في سنة 1914 بسبب أزمة الورق عند اندلاع الحرب العالمية الأولى. عندئذ انصرفت إلى التعليم، وخطبها الشاب المناضل المثقف: "بترو باولي" الذي اعتقله جمال باشا في بلدة "عالية" سنة 1915 مع مجموعة من خيرة الشباب العرب الوطنيين الداعين للحرية والاستقلال، ولقد شنقه السفاح وعلق مشانق تلك المجموعة الأولى من غير أن يحاكمهم. ثارت ماري عجمي منذ أن تم اعتقاله، وواجهت جمال باشا وناشدته الإفراج عنهم غير أن محاولتها الجريئة تلك باءت بالفشل، فكانوا أول قافلة من الوطنيين الأبرار الذين أعدمهم جمال باشا السفاح. أما قافلة الوطنيين الثانية فلقد ذهبت ضحية طغيانه الأثيم، وخسرت بلادنا نخبة من رجالنا المناوئين للظلم، والداعين للحرية والاستقلال. حزنت ماري عجمي على خطيبها وزملائه المناضلين البررة حزناً كبيراً عبرت عنه بمنشورات وزعتها بالخفاء عن أعين الجواسيس، ودعت فيها أبناء قومها إلى اليقظة من سباتهم العميق وإلى الأخذ بثأر الوطنيين الذين أعدمهم السفاح.
وعندما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها في سنة 1918 استأنفت إصدار مجلتها "العروس" التي استقطبت خيرة أقلام كتاب عصرها، وعبرت عن ابتهاجها بانهزام الاتحاديين الذين ورطوا تركيا بدخول هذه الحرب التي لم يكن لهم في أي مصلحة، وخروج آخر جندي تركي من سورية، بفضل الأحداث العالمية، والثورة العربية الكبرى ولم تتوقف مجلتها عن الصدور حتى سنة 1925 بسبب اندلاع الثورة السورية. لقد عاصرت ماري عجمي الأحداث المؤلمة التي شهدتها سورية فانفجر قلمها باكياً مثل قلبها في خلالها، وكرست حياتها للتدريس، كما أسهمت في تأسيس النادي النسائي الأدبي بدمشق في سنة 1922. ويوم أقام ذلك النادي احتفالاً كبيراً في 10/10/1922 بمناسبة زيارة الأديبة مي زيادة لدمشق، حضره وخطب فيه لفيف من صفوة الرجال والنساء أمثال الأديبة السيدة روز عطا الله شحفة رئيسة النادي، والأديبة الآنسة ماري عجمي، والسادة: الدكتور مرشد خاطر، والدكتور توفيق قندلفت، وفائز الخوري، وفارس الخوريي
وأنطون الأشقر، والشاعرين خليل مردم بك وشفيق معلوف الذي استهل قصيدته بهذا البيت المشهور:
بنت الجبال، ربيبة الهرم هيهات يجهل اسمها حي
ومع ذلك صدرت مجلة العروس في 11/10/1922 وكرست عدداً كبيراً من صفحاتها لوصف الاحتفال، ونشر الخطب والقصائد التي ألقيت فيه، والإطناب بمزايا المحتفى بها مي وكتبت ماري عجمي تقول: لقد قمت بزيارتها في فندق فيكتوريا إثر وصولي إلى دمشق بصحبة الآنسة المثقفة أليس قندلفت، وصرفنا ما ينوف على الساعتين في محادثة مي، ثم ودعناها وفي النفس نزوع إلى البقاء معها.
إن لماري عجمي ديوان شعر واحدا جميلا، ومن أجمل قصائدها أنقل الأبيات المؤثرة التي كتبتها في إبان مرضها الأخير حيث ظلت قابعة في بيتها، وحيدة، لا شيء يسليها سوى جهاز الراديو:
أنام والأنغام في مسمعي |
تدوي وحر الشوق في أضلعي |
تردد الأصداء مخضوبة |
بما نزل في كبد موجعِ |
يا صلتي بالكون في وحدتي |
إذا دجى ليل النوى الأروعِ |
مدي بهذا الصوت يا طالما |
حملت إلى الملأ الأرفعِ |
أكل ما يبقيه دهر لنا |
سلك من الفولاذ في المخدعِ? |
توفيت ماري عجمي في عزلتها الموحشة في 25/12/1965.