رجال من بيت أحمد الربَّاع

رجال من بيت أحمد الربَّاع

لهم سير وفيهم عبر

د. حسن الربابعة

قسم اللغة العربية

جامعة مؤتة

[email protected]

اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم ، وتوِّجنا بنور الفهم ،وافتح علينا ما استغلق من العلم، وحسِّنْ أخلاقَنا بالحِلم ، يا من تعلم ولا نعلم ،انك أنت علام الغيوب ، نبرأ إليك من كل ما يشوبُنا من شرك في العقيدة ، يا هو يا الواحد السرمدي الدائم الأبدي ، لا اله إلا أنت ، افتح  لنا أبواب فضلك ،وانشر علينا من خزائن رحمتك ، اللهم إنَّا نستودعُك ما علمتنا إياه ؛ من فضل تسبيحك وتقديسك على نحو يرضيك رضاء تاما أكمل ، كما دعاك خاتم الرسل جسدا ،أول الخلق روحا وقبسا ، إلهنا بك نصول وبك نجول وعليك نتوكل ونقول الحمد لك حتى ترضى والحمد لك بعد الرضا  ، ربنا ألهمنا أمرا نعرف به نواهيك فنجتنبَها ، وأوامرَك فنتبعَها ـ إلهنا سبحانك ، تسبيحا سرمديا ،يا قدوس يا سبوح، ربَّ الملائكة والروح ، سبحانك لا اله إلا أنت باسمك اللهم  يا الفتاح  يا العليم ، اللهم افتح علينا فتوح العارفين بحكمتك ، وانشر علينا   سحائبَ رحمتك ،وذكرنا ما نسينا يا ذا الجلال والإكرام ، والعزة والإنعام ، سبحانك كما ينبغي لجلال وجهك الأعز الأكرم ،إلهنا إن  أطنبنا في ذكرك، وان طال، فهو بُعيض من بعض  حقك علينا ـ  فأنت أهل لتحمد من كلِّ خلقك ، مما وممن خلقت وبريت  ،  نسبِّحك عدد خلقك، وزنة عرشك، ورضاء نفسك ، ومداد كلماتك ،وعدد ما لم اقله في حمدك  بعد ، ونصلي ونسلم،على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله المكي الابطحي وآله الغر الميامين، وصحبه الذين اتبعوه بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد؛

فقد عنَّ لي وأنا استحضر من ذكريات سلفنا الصالح من آبائنا ، رجالا لنا بهم قدوة، لم يُدرجْ لهم ذكر كافٍ  في السطور، على رغم من أنَّ الروايات عنهم متداولة على ألسنة النساء  والذكور  ، بأزكى  من فوح العطور ، إنهم انموذجات نحتذي بهم في الكرم والرجولة والشهامة، وهي سمات محبَّبة في الجاهلية والإسلام ، على  أن سماتهم ممتشجة بتقوى الله العزيز الجبَّار.

   أمَّا عمود النسب  لبيت أحمد الربَّاع فأبدؤه ب " خلدون بن محمد بن سليم  بن إبراهيم بن احمد بن ربَّاع بن عيسى بن ربَّاع بن حسن بن حسين بن سليمان بن محمد بن مصطفى بن الشيخ عيسى بن الشيخ ربَّاع الجدّ الأصل ـ قدس الله أسرارهمـ جميعا أحدادا  وحفدة، فتلحظ أن في شجرة النسب ثلاثة عشر ظهرا من الأول إلى جده الشيخ ربَّاع ـ قدس الله سرَّه ـ

   لقد برز من هذا البيت وليٌّ  عقيم، لم يعقب ولدا، لكنه عقب أثرا عُمرانيا ما يزال يذكرُ اسم الله فيه ، إنَّه  ربَّاع ، كان له دوران هما كرمه وشجاعته ،أما كرمه  فتجلى في بناء مضافة الرَّبابعة منذ ثلاثة قرون مضت ، وقد تحدَّثنا عنها في ما سلف ، أما شجاعتُه فامتزجت بولايته  ، فبرزتا صنوين غير مفترقين،إذ ردَّ بفضل الله غزوة ظالمة ،هاجمت بلدة اجديتا في عهده ،ولا ادري أهي هجمة المقابلة كما يسمِّيها عارف أبو كركي، وزميله في كتابهما " لواء الكورة ـ الأرض والإنسان والتاريخ ، مرجع سابق، ص139)أو هجمة غزاة من قبيلة أخرى ،إذ ليس المهمُّ درجَ اسم القبيلة الغازية ، حتى لا تستثار العصبيات الجاهلية ، و"يبحشَ"  عن داحس والغبراء فيها من جديد ، لأنَّ  الغاية  من درجها هي تعاون المظلومين  على الظّلمَة ؛ لردع الظالم ،وكبحه وهزيمته ، فالظلم ملعون في كتاب الله  وحديثه القدسي"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا " وفي قوله تعالى "والله لا يهدي القوم  الظالمين "(الجمعة 62/5) ونبذ الله سبحانه الظلم  ومشتقاته في كتابه العزيز بما لا يقل عن (317) ثلاثمائة وسبع عشرة مرة (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ،للشيخ  محمد فؤاد عبد الباقي ،دار الفكر ، بيروت،1981م ، مادة ظلم ص ص434ـ439)فالظلم ظلمات يوم القيامة كما في حديثه صلى الله عليه وسلم، فالغزوة أرادت أن تستبيحَ حرماتِ بلدة اجديتا وأموالَها  ظلما ،وتذكر الرواية ، أنَّ مجموعات من رؤوس عشائر اجديتا توجهوا إلى ربَّاع الولي ذاك ، و هو الكريم الحكيم ،وعرضوا عليه ما هم فيه من مأزق ، وأنهم وقعوا  في حيص بيص من أمرهم  ، إما أن يقاتلوهم دفاعا عن حرماتهم ،وإما أن ينزحوا بعائلاتهم من البلدة إلى غاباتها الممتدة ، وانتظروا حلا فاصلا ، فالهجوم أوشك غدا ،أو بعد غد ، والغزاة مسلَّحون ، ويرفعون راية لهم ، يقاتلون تحت ظلالها ،  هكذا هي معلوماتهم الاستخبارية عن الغزاة.

   "لقد أرسلنا، يا سيدنا الولي، وفودا منا تفاوض الغزاة،عادت رسلنا  إلينا من عندهم  صفر الوطاب ، فما الرأي يا ربَّاع ، أيها الرجل الولي  الذي نعرف فيه الحكمة، و نتفرَّسُ فيك  حسن التدبير  ؟ كيف نطرد البغاة  والزُّعران معهم  عن بلدتنا ،ونمنعُهم من ولوج حرماتنا ،ونحفظُ  ما نملكه من متاع ونساء وأطفال؟  وها هم قد أوشكوا أن يجوسوا خلال ديارنا بعد يوم أو يومين من اليوم ،يا ربَّاع ؟!،قال لهم :" طالما أنَّ الغزاة يريدون غزونا لا محالة ، ولم يقبلوا مفاوضات بيننا وبينهم،فهم معتدون، ومن حق المسلم أن يدافع عن نفسه أو مالـــــه أو عرضه ، وان مات دون واحدة منهن فهو شهيد ، فما بالك بمن يقاتل دون  الثلاثة ؟ فلمَ لا نقاتل  دون هذه الثلاثة جميعا؟ والرأي عندي أن تنهضوا نهضة رجل واحد ، جهزوا أسلحتكم،  فموعدنا صباح الغد، عند شروق الشمس، ومكاننا فوق تلٍّ  مرتفع،يكشف الوادي ،وأماكن تقدمهم إلينا ، نتربَّص بهم  ، والموقع  تعرفونه  في الجهة الغربية من بلدة اجديتا ، هيا يا رجال  استعدوا ، وهيئوا عائلاتكم للدفاع عن أنفسهن ، بكل ما تملكون من عدد وعدة كالسكاكين والأمواس والفؤوس ، والمناجل  والمناشر ، وقطاعات اللحم ،  وجهزوا أطفالكم فوق سطوح المنازل، يمرِّرون عن العدو معلومات ، ويرجمونه بالحجارة ، وإذا انتهتْ نساؤكم إلى هذه المرحلة ، وعجزن عن الدفاع  عن أنفسهن، حتى الرمق الأخير، وأعيتهن الحيلة ، ،فيمكن لهن  أن يتراجعن إلى غابات اجديتا في اتجاهاتها الثلاث إلا الغربية حيث العدو قادم  منها لقتالنا، و ( والتل الآن قريب من موقع ديوان عشيرة الربابعة الجديد الذي شيد عام 2000م )وقال لهم ربَّاع رحمه الله :" إشارةُ النصر عندي أن ارمي حاملَ رايتهم  بطلقة واحدة ، فان أصبْتهُ تسقطْ رايتهم ، فاهجموا بعدها عليهم ، وعندها  سيكون النصر لنا بعون  الله على أولئك الظالمين ،أما إذا أخطأتُ الهدفَ ، فاعلموا أنَّ النَّصر لهم،"فدبِّروا رؤوسكم  ساعتئذ" وما عليكم إلا الفرارُ بأموالكم ونسائكم وذراريكم ،إلى أحراش اجديتا الشمالية والشرقية والجنوبية ، فاستعدوا للأمر من جميع جوانبه ، واتكلوا على الله ناصر المستضعفين "إنَّ الله لا يحبُّ المعتدين "ولقاؤنا غدا في الزمان والمكان المحددين  ، وخير الكلام ما قلّ ودلَّ، وكثرة الكلام ينسي بعضه بعضا، وتوكَّلوا على الله، غدا ترون مصارعهم  بإذن الله .

  ولما أسفر الصبح، كان أهل البلدة بانتظار الغزاة ، ولما اقتربوا على مسامع الصوت، ناداهم ربَّاع وناشدهم  بالله أن يعودوا من حيث أتوا،فالإثم عليهم لبغيهم ، إذ ليس لهم حقٌّ على بلدة اجديتا لغزوها ، وان كان لأحد حقٌّ يراجعْه بشأنه ، ولكنهم مضوا في زحفهم غير مكترثين بتحذيره ، وظنوا ذلك من ربَّاع خورا وجبنا ، شأنُ القلوب الخاوية من التقوى وذكر الله ، واستمروا في زحفهم ،سدَّد ربَّاع سلاحَهُ على حامل الراية ، وهو يبدو رئيس القوم ، وقائد الغــــزوة ، برز له صعب القنص ، لبعده عن مدى سلاحه،فلم يرمه ،وكانت تسديدتُه عليه للتجربة فحسب.

   ولمَّا وصل حامل الراية إلى مدى سلاحه ،وتأكد ربَّاع  من إمكانية  قتله إذا رماه  ، "ساق عليه الله بالرجوع" للمرة الأخيرة ، بأن يتوقف وبرعوي ، فأبى قائدُ الغزوة  ، وبدأ  غزاته بإطلاق النار،والسهام  ، ولما رأى ربَّاع  تصميمَهم على الغزو ،  سمَّى اسم الله ، وكبَّر وقرأ آيات من القرآن الحكيم، وأطلق عليه  ربَّاع طلقته الوحيدة، فأصابت حاملَ الرَّاية  ، فخرَّ مجدَّلا بدمه ،وسقطت معه رايتُهُ ، فأدرك المدافعون أنها إشارة النصر، ها هي حانت بإذن الله ،فنشطوا للحرب ، ثم اشتبكوا مع الغزاة ،وُقتِلَ منهم عدد لا أعرفه ، وانهزم الغزاة ، وسمِّيتِ المعركةُ حتى اليوم ب"الموقع "وقد دُفنَ في سفح تلها الحاج سليمان مصطفى أبو صلاَّل وابنه الحاج محمد وحفيده خالد ،وما يزال بعض السفح من أملاكهم ، وفيه جبَّانة خاصة بهم ، وخالد "أبو فراس"رحمه الله ـ من  أترابي في مدرسة اجديتا  الإعدادية ـ عام (1966م) رحمهم الله تعالى وسقاهم شرابا طهورا .

  كانت اجديتا تربض على ثلاثة جبال في زمن الرواية هي جبل الشيخ عبده ورأس الدير حيث مقام الشيخ ربّاع  جد الربابعة ، وتل أبي العبهر ، كان عدد السكان قليلا، وكانت بيوتهم من حجر وطين ، وشوارعهم ضيقة لا يكاد المرء يمر منها بطحنة على دابته إلا بصعوبة ،  فان لقيته أخرى احتارا بأولية المرور، وقد عاصرناها حتى سبعينيات القرن العشرين ، وكان للشوارع الضيقة هذه فائدة هي منع غزوات القبائل على بلدة اجديتا لضيق شوارعها التي لا يمكن لخيولهم  أن تتحرك فيها ، ولوقوع اجديتا على مرتفعات حادة ، وعرة كأنها كوع قرد في ما يسميها بعضهم ،مما كان يفقد حماسة الغارات عليها ، وربما ينضاف سبب آخر، هو شجاعة أبنائها ، وما قهرهم القبيلة التي نتحدَّثُ عنها الآن إلا أنموذج  من بسالتهم ،لذا سلمت اجديتا من غارات القبائل عليها .

كان ربَّاع

لولا المشقة ُ سادَ الناسُ كلَُّهمُ       الجودُ يُفقرُ والإقدامُ قتاَّلُ

  فافتقر ربَّاع ، فتغيَّرت نظرةُ الناس إليه ، ولم يعد يجد الاحترام اللائق به، في بلدته عامة ، وفي المضافة التي بناها لهم من حُرِّ ماله خاصة ، فغادر اجديتا إلى جبل عجلون ، ويبدو انه رعى واسترعى ، فقدَّر الله تعالى له الغنى مجدَّدا،  فالله  ـ جلَّ شأنه ـ، كريم يحبُّ  من عباده الكرماء ، وحاشاه أن يهينهم ،إن كانوا ينفقون في سبيله .

    غاب  ربَّاع مدة الله أعلم بها ، ثم عاد إلى بلدته وأقربائه،ومعه "شلايا غنم "لا تكادُ تحصى ، فلمَّا رآه من يعرفُهُ هشَّ له وبشَّ ، وبعضُهم بصبص له بعصاه مرحِّبا به ، مقسما عليه بالضيافة "حالفا برأسه و طراق مداسه" إلا أن يكون أول  من  يقريه  ، كيف لا ؟ وقد عاد  ضيفا  بعد طول غياب ،عاد غنيا مهيبا، أغنامه لا تكاد تحصى ، أجراسُها تملأ المراعي صخبا  وضجيجا  ،و أطلاؤها ينهضن من كل مجثم ، ثغاء ورغاء ، ونطاح أكباش ، وقفز بخفة تمثله الجديان ، واهتزاز ليَّات الخراف بتثاقل وكسل ، و كان رباع يأبي الضيفات ، على كثرة إلحاحهم عليه لقبولها  ، إلى أن أجبروه ليلة على الدخول إلى مضافته، التي بناها لهم  ، وفيها صاروا" يتعازمون"بل يتناوبون"  ويتحالفون على إقرائه بالقرعة ، وهو صامت لا ينبس ببنت شفة ، حتى إذا اكتملت دعواتهم ، صبَُّوا له فنجان قهوة ، من قهوته  التي عهدها عريقة  من زمن بعيد ،  لكنه لدهشتهم كفأ الفنجان في منقل الفحم ، وخرج من المضافة ، إلى غير رجعة ، وترك مضافته ذكرى للكرم المعهود فيه ، وليظلَّ  يُذكرُ اسمه تعالى  فيها ، منذ ثلاثة قرون وحتى اليوم ،رحمه الله رحمة واسعة ، وأسبغ عليه من نعمه التي لم تخطر على قلب بشر.

ومن أعمدة بيت احمد الرَّباع ،الشيخ الجليل إبراهيم احمد الرَّباع ، أبو مصطفى ، الذي ولد قبيل نحو  قرنين من الزمن ، وتوفاه الله قبل سبعين عاما ، رحمه الله وآباءه وذراريه الممتدة وموتى المسلمين ممن شهدوا لله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة وماتوا وهم على ذلك ،كان إبراهيم أحمد الرَّبَّاع ، طويلا مهابا ، ذا قوى عضلية مميزة ، وكان غنيا ، ذا مواش كثيرة ،كان إذا عزَّب في أراضيه في الحاوي وبرقش ، يكاد يغطي بعضَ جبالها  من جهاتها الأربع بأغنامه السائمة ، وكان عنده رعاة  كثر ، يسقونها من ماء بركة الحاوي؛ إذا امتلأت شتاء، ومن آبار الحاوي المتعددة ، وهي جباب واسعة الوفاض ، ومن عين زوبيا التي تبعد عن الحاوي مسافة عشرة كيلومترات ،من الجهة الشمالية الشرقية ،  في واد سحيق ،ومن المعاصر الملأى  أحيانا بماء السماء ، ومن سيح او "جب"الحاج سليمان أبي صلال ،الذي يقع على السفح الجنوبي من جبل برقش ، ومن بئر الزوباني التي تقع إلى الشمال من شجرة السراجي بمسافة تقدر بمائتى متر ،ويقع غربي السلم ، الأرض التي كانت ملك أبي فدفعها مهرا لزواج أخي أحمد من ابنة خالنا فاطمة العثمان المفلح السعيد اَلرَّبَّاع العبده ،واذكر أننا حفرنا فيها بئرا من الجهة الغربية من قطعة الأرض  وشيَّدناها، نسأل الله ألا يحرمنا اجر من أشادها وجعلها من الصدقات الجارية ـ وإن بيعت لغيرنا ـ ثم باعتها فاطمة قبل نحو ثلاثين عاما .

 كانت عند إبراهيم  الأحمد  روايا ، يحملها على إبل رواحل يردُ بها رُعيانُهُ مواردَ المياه ، إلى مراحه الممتد في بعض أراضيه  المتواسعة؛ في سهول المبرك وأمّ الفش وخلة الحصو وغيرها ، كان إذا خضَّ لبنه يسيلُ منه  شنينة ، كأنَّها جداول تجتمع الطيور لتشرب مما فاض عليها  من خيرات الله ، وينادي على القريب والبعيد لينهل من خيرات الله عنده، وكانت تجول الزواحف في الممراح، ولا تؤذي شياهَهُ، ولا من رعاته وأهله ، كانت تنكات السمنة تملأ بالمئات، والزبدة مثلُها وزيادة ، كان ينفق منها على عباد الله ، ويكرم الضيوف في المضافة ،ويبيعُ ما زاد منها عن حاجته في أسواق اربد وأحيانا في دمشق ، وكان مصطفى المقداد صهره ،تاجرا مشهورا في عهده ، يتاجر له  او يرافقه على جمال إلى الشام ،  كان إبراهيم الأحمد  قوي العضلات ، معه عصا يتوكأ عليها وله فيها مآرب أخرى ،قلما كان يستخدمها لإعلاف  شياهه ، من أوراق الشجر ،  لكنه كان يستخدم قوته العضلية ، فيضربُ جذوع الشجر بحجر من يده ، فتسقطُ الجذوع  حالا بين يديه ، كأنما قد قطعت بأسياف حداد أو بأطبار حديثة السن والشحذ ،ومما يروى عنه،أنَّ مشاجرة لا اعرف سببها حصلت بين عشيرة الربابعة وأخوالنا بني ملحم ،فطلب إبراهيم الأحمد حجارة من الوزن الذي يليق بيده الضخمة ،التي تستخدمها في الرجم والرمي ، كأنما هي مجانيق مخصصة للذود عن الحق الذي لا بدَّ من أن  تحرسه القوة أحيانا ،جهَّزوا  له حجارة من النوع المطلوب ، وعندها قرَّرَ إبراهيم الأحمد أن يقذفهم منها، كانوا يتخوفون من رجمه إياهم ،رصدوه عن كثب ،ومرروا معلومات عن حركاته وسكناته ، قائلين لبعضهم كأنما هي إيجاز لأحداث اللحظة الحاضرة "ها هو إبراهيم  الأحمد انحنى ،ولعله التقط  حجرين في يديه ، ووضع  حجارة أخرى في عبِّه ، بل بالقرب منه كومُ حجارة ،ها هو وقف في ساحة المضافة، يرصد حركاتنا ، ليقذفنا ،اهربوا ، هذا هو الحجر الأول مقذوفه وصل إلينا ، سلمنا بفضل الله منه ،احذروا  من باقي رجماته فما فيها رحماته  "اتخذ أفراد الربابعة من مضافتهم ساحة رماية ، فضرب إبراهيم الأحمد حجرا على خصومه من المضافة، باتجاه الشرق على مسافة تقدر  بثلاثة مائة متر ، سقط الحجر المقذوف على  صخرةً  كأنه"القذيفة" ، ولم يصب خصمه  مباشرة ،فخرجت منه شظية انصلّت على زر رجل من خصومه ، فكسرته له ، وما زال الرجل سرور حيا يرزق ، وليس قصدي التهوين من مروءة أخوالنا  وأصهارنا بني ملحم ، ولكن قصدي أنَّ رجالا عظاما في بلدتنا اجديتا، لم يكتب عنهم ،كما ينبغي حتى اليوم .كان إبراهيم الأحمد رحمه الله غنيا كريما ،يُطعم البائس والفقير، ويجود بأعز ما يملكه ، في سبيل الله ،يعزِّز الحقَّ ، وينصرُه ، وقد تعرضت أغنامه إلى سرقات ، فأقام على اللصوص شكوى ، وتم صلح عشائري في مضافة الربابعة ، على أن يأتي كل سارق بأربع شياه، بدلا من كل  شاة للرباعي، وأن يقودَ كلَّ شاة سارقٌ  منهم أو من أقاربهم ، ولمَّا أخذ  إبراهيم الأحمد حقَّه ، أعاد الزيادات إلى أصحابها ، حسب رأي وجهاء عشيرة الربابعة، منهم الحاج يوسف الربَّاعي رحمهم الله تعالى ، فهم رجال لا يطلبون إلا حقهم فقط ،  كان ذلك في عشرينيات القرن العشرين .

  و إبراهيم الأحمد الرباعي ـ رحمه الله تعالى ـ له حق عليَّ أن اترحّمَ عليه ،لأنه جبَّر كوع  شقيقي أحمد ـ رحمه الله ـ  الذي انكسر لممازحة بينه وبين خليل المرمش ـ أطال الله بقاءه ـ روت لــي أمـي

 ـ رحمها الله تعالى ـ أنها جاءت بشقيقي أحمد الطفل آنذاك ،قبل نحو خمس وستين سنة مضت ـ وكوعه مقلوبة ، وكان إبراهيم الأحمد على جواده متوجها إلى الحاوي، فنزل عن جواده ، وجبَّر كوع شقيقي أحمد ، وعاد كوعه بفضل الله وحسن تجبيره كما كان ، رحمك الله يا إبراهيم الأحمد، وأنزل على قبرك شآبيب الرحمة والرضوان ، ولعلَّ الله تعالى أراد أن يمنَّ علينا  جميعا ، فأكرم إبراهيم الأحمد، بعد موته،بسبط له ،حافظا للقرآن الكريم،  انه ابن  شقيقي سليمان الذي تزوَّج حفيدته عائشة بنت أحمد الإبراهيم الأحمد الرباعي ، فرزقه الله بمولود ثان لأخي، انه محمد بن سليمان ، حافظا لكتاب الله ، ومتقنا له، سابقَ غيرَ مرَّة في حفظ القرآن، ونال عدة جوائز ـ حفظه الله ووقاه ونفع به  ـ  فهو يهدي ثواب ما يقرؤه لأرواح آبائه وأجداده من أبيه وأمه ، وهذا كفاء من حسنات التلاوات القرآنية ، لا يعدله شيء.

  ورَّث إبراهيم الأحمد ،خصائص طيبة لأولاده منهم، سليم أبو محمد الذي يروى أنَّ ضيوفا حلوا به من بلدة كفر عوان ،كانت امرأته  آنذاك،ِ فاطمة عبد الرحمن المحمود السعيد ابنة عمي أبي ـ رحمهما الله تعالى ـ ،في نزاع مع الموت ، وتوفاها الله تعالى، والضيوف في منزل سليم ، فكظم ما به من حزن ،واحتسب ذلك لله، ومن الله ، ولم يبد لهم شيئا مما هو فيه من مصيبة ،  خشية أن ينغصَ عليهم مأدبتهم ، وتنغيصُ الضيف لا يليق برجل ربَّاعي أصيل، وأوعزَ بإكمال إجراءات المأدبة ، ثمَّ تناول الضيف طعامهم ، ثمَّ غادروا منزله شاكرين ، ولمَّا وصلوا إلى بلدتهم كفر عوان علموا بموت زوجة سليم الابراهيم ، فأنكروا الخبر في البداية ،لأنهم قبل قليل تناولوا عنده  مأدبة الغداء  ، ولمَّا عادوا إلى سليم لتعزيته بمصابه الجلل ، بلَّغهم ساعتئذ، أنَّها توفيت خلال وجودهم ، لانقضاء أجلها ،وانَّهُ أسكت جميع الأصوات النادبة ، واستناب غيرَها في الطبخَ ، وأخرج جنازتََها من باب ، وقدَّم لهم الطعام من باب آخر . ومن أنجاله محمد إبراهيم ، الشاب الغرنيق، رجل طوال مهاب ، من مواليد العقد الرابع من القرن العشرين ، انخرط ضابطا في القوات المسلحة الأردنية ، في خمسينيات القرن الماضي ، وتدرج في الرتب العسكرية إلى رتبة ملازم أول ، كان يُضربُ المثل بقيافته ووسامته، كان عصيًّا على الظلم والظلام ، فأغاض قائده ، فأوصى بترميجه ، لحقد عشائري ذميم  ، ما تزال لياقته البدنية ممتازة بفضل الله ، وتحسبُهُ وهو ابن السبعين في الأربعين من عمره ـ أطال الله بقاءه ونفع به  . ومن أبناء إبراهيم الأحمد عبد القادر أبو السعيد الذي عمر نحو مائة عام توفاه الله تعالى قبل عقد من الآن ،كان له مع أخي محمود (1935ـ 1985)رحمهما الله، قصة وفاء، تحسب لمحمود، لعلَّ الله يحتسبها في ميزاني حسناتهما ، كان الرجلان ينقلان الرمل من غار غربي بلدة اجديتا ، يضرب الواحد منهم بفأسه المدبَّب ،في سقف الغار فيهطل عليه كميات من الرمل ، فيعبئانه في خروج الدواب ، وينقلانه إلى منازلهما  للإعمار ، وفي أثناء مناوبة أبي السعيد ، ضرب بفأسه سقف الغار ، فهبطت عليه أكوام غمرت أبا السعيد ، وانتشرت العجَّةُ في الغار فملأته ، فرأى محمود خطورة الأمر ، وخشي من اختناقه ، وقبل أن يهرع ينادي الناس ، تلثم ، وبسرعة الصقر ، دخل الغار ، وكشف عن وجهه ، وأخرجه من  بين أركام الرمل ، وسحبه للخارج ودفأه بثوب كان معه ، ثم هرع يبلغ عنه أهل بلده ، فهرعوا إليه معهم سلم ، حملوه عليه ، إلى أن  استعاد نشاطه ، وعمَّره الله بعد محمود بأكثر من عشرين عاما .