نهضةُ الأمَمِ
نهضةُ الأمَمِ
د. حامد بن أحمد الرفاعي
نهضةُ الأمَمِ وتَحضرُها..ليس بالأماني ولا بالتّمني..نَهضةُ الأممِ تكونُ وتَبدأ..يومَ تَقومُ في نُفوسِ أبنائِها روحُ المسؤوليةِ والاستجابة للتحديات..وينبعثُ في وجدانِهم واجبُ البناءِ والإنتاجِ..وتشعُ في كيانِهم عزيمةُ التجّديدِ والتطّويرِ..فيسعون بجديةٍ وطموحٍ إلى إعدادِ قدراتِهم الذاتيّةِ ومهاراتِهم وخبراتِهم..في شتى ميادينِ علومِ وفنونِ متطلباتِ الحياةِ..ويومَ يُقبلون بكفاءة وعزيمةٍ وتصميمٍ على الاستجابةِ لتحدياتِ ومستجداتِ الحياة..أجل يوم تربى أجيال الأمم وتنشأ على مثل هذا التكامل في التربية والإعداد إذاك تبدأ مسيرة النهوض والبناء والارتقاء..والأممُ تبقى في صعودٍ في نهضتِها وارتقائِها وتألُقِها الحضاري..ما دامت في جدليةِ وحوارِ ومفاعلةِ حثيثة مع نواميسِ الكونِ لكشف أسرارها وتسخير مكنوناتها وخزائنها..ويُومَ يُصيبُها الملَلُ ويُقعدُها الكللُ عن مواصلةِ الاستجابةِ للمستجداتِ والإبداعِ والارتقاءِ..أو يومَ يبدأ العُجبُ بالذاتِ والزهو بالأفعالِ يتسللُ إلى نفوسِ أبنائِها..ويومَ تنتابُها حالةُ الشعورِ بالاكتفاءِ بما أنجزت..وأنّها بلَغت أعلى قِمَمِ صروحِ الإنتاجِ والإبداعِ وأنّه لم يعد بالإمكانِ أحسنُ مما كان..إذاك تبدأ مسيرةُ الانحدارِ والتخلّفِ..وربّما تدخلُ في طورِ الزوالِ والاندثارِ لقوله تعالى:"فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ،فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ"ولقوله تعالى في قصة قارون:"إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ،وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ،قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ،فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ،وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ،فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ،وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ،تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ"أجل دوام نهضة الأمم وارتقائها يكون مع دوام الاستجابة للتحديات..والبعد عن داء العجب والاستعلاء وجحود نعمة الرزاق المعين رب العباد والأكوان ومدبر أمرها سبحانه.