عندما يتحول الدم إلى ماء
حسام حسين الزعبي
هي اللحظات الفارقة بين الحياة والموت، والنقطة التي ينتهي بها الكلام في آخر السطر، ذلك الشعور المزعج لا يمكن شرحه؛ وإلا أحزن القارئ عذاب المعنى وجوهرية الفكرة، إنها بقايا كلمات مترامية أتت تخط عادات أصبحت هي الأساس، هذه العادات التي أتت تفجر براكين الحيرة، وتولد مفاهيم القطيعة بين البشر.
كيف يتحول الدم إلى ماء؟
سؤال يسهل الإجابة عليه إذا كان يجري في عروق وعقول أصحاب القلوب القاتمة والأفكار المتحجرة؟
عندما يهجر الأخ أخاه والأب ابنه وذويه، والجار جاره ، هنا يتحول الدم إلى ماء ، إحساس التفكك والقطيعة غريب دون شك يرمي بنا في نهاية اللعبة الخاسرة، تلك البيوت التي شيدتها أواصر المحبة والتعاون بين الأهل والأقارب والأصدقاء، والتي ارتوت حدائقها من رحيق محبتهم ومودتهم، تحولت إلى جدران مشققة، ومنازل متهدمة، أبى الإنسان أن يصلحها ويستبدلها بجدران ترسم الفرح والبسمة بين أفراد المجتمع المتشتت في جميع تصرفاته وأفعاله، أو يضع فيها لبنة حب تزيده تماسكا فيشد بعضه بعضا ويصبح حائط صد تتكسر عليه كل الفتن والوهن.
كأن زمان الألفة والزيارات المتبادلة ولى ورحل دون رجعة، ولا نرى سوى خيوط الوصل قد تقطعت وأصبحت مترامية في عقول جيل يريد أن يغرسها في عقول جيل قادم، ليخطط أمامهم طرقا ً مظلمة مجهولة وعرة.
لذلك نقول لأصحاب الجيل القادم اعتمدوا على أنفسكم في تكوين ذاتكم، واستمدوا أصالتكم من أجدادكم ومن تراثكم وثقافتكم، وهل الجيل الجديد يستطيع أن يبني ويستغني عن الجيل القديم؟ إذا استطاع أن يكون نفسه علمياً ودراسيا ً، فلن يستطيع أن يكون نفسه ثقافيا ً وتراثيا ً وأسريا ً ؟
إنها العصمة والقوة التي تستطيع أن ترد أي خطر يدق باب القلق عن وجه الأسرة والمجتمع، هل أصبحنا في أرض لا تقبل القسمة وترحب بالأرقام الفردية وترفض الزوجية؟ وعلى من نلقي اللوم ؟ وهل هذا هو السبب في غياب البركة في خيرات الطبيعة، تلك الطبيعة التي تنتعش بصفاء القلوب وتدر الخيرات بوحدة الكلمة، كيف للطبيعة أن تعطي وترى البعض يتصنع الضحكة وبداخله سموم وأفاعٍ؟
كبار السن ذلك المخزون التراثي الثقافي المعرفي ، أصحاب الخبرات الحياتية ، لا نراهم إلا صامتين ،من أرعب قلوبهم من التقنيات الحديثة، فأصبحوا يخافون من جيل التقنيات ، وماتت في صمتهم ألاف الحكايات والتجارب المفيدة؟ التي من شأنها أن تجمع قليلا ً من هذا التشتت.
ولكنني أقول لهم: أنتم محاسبون على غياب الجماعة وتقطع الرحمة وشتات الشمل ، انقلوا لنا تجاربكم واجعلوا من الحاضر ماضيا يمتزج بإيجابيات الحاضر والمستقبل الواعد.