من ذرية الشيخ عبده الربابعة

من ذرية الشيخ عبده الربابعة قدس الله سرَّه

د. حسن الربابعة

قسم اللغة العربية

جامعة مؤتة

[email protected]

باسم الله وكفى ،الذي إذا رُفع الحرف الأول من لفظ الجلالة  بقي لله، وان رُفع الثاني بقي له ،وان رُفع الثالث، بقي هو الله الباقي الأزلي، سبحانه لا اله إلا هو تسبيحا يليقُ بجلاله وجماله، إذ لولا جماله امتشج بجلاله ، لانصعق كلُّ مخلوق له لهيبة جلاله ،ربَّ الأرباب ، مجري السحاب ، مسبِّبَ الأسباب ، هازمَ الأحزاب ، يا  من يفتح بابه عندما تغلق في وجوه عباده والسائلين الأبواب،إلهَنا والهَ كلّ مخلوق ،يا موجدَ كلِّ موجود ، أنت واجدٌ وغيرُك موجود ، من اسمي الفاعل أنت ، وغيرك في أكوانك  مفعول موجود  ، إلهَنا لك الحمدُ الذي به يستفتح كلّ مقال، و يُخطَّ به كتاب، كما قدرت في أم الكتاب، وعلى أهل الذكر أن يصدِّروا اسمك الجليل كلَّ خطاب ، إذ أنت ربَّنا أهلٌ للتمدُّح، عدد ما قدَّرتَ أن تُمدَّحَ،وعدد ما قدرت ألا تمدَّح لسانا ،وان كانت القلوب ـ  مرغومة ـ تدقُّ بذكرك ، ونبضُ كلِّ حي في شكرك ،وما قولك الحق  "يسبِّح لله ما في السموات وما في الأرض " إلا دليل توحيدك  ،وان كنا لا نفهم تسبيحهم ، وهي أمم أمثالنا ، ما فرطت في كتابك الخالد من شيء،نسبِّحك تسبيحا سرمديا لا ينقطعُ بموت ، ولا أن يسبقنا فوت ، عددا  مضروبا برقم لا يعلمه سواك ، باسمك اللهمَّ يا الله،  ومن قلب موقن  يستشفى كلُّ داء ، وبه يُكشف كلُّ غمٍّ وبلاء سبحانك، يا من تُرفَعُ إليه الأيدي بالتضرُّع والدعاء، في الشدة والرخاء ،والسراء والضراء ،  يا سميع الأصوات ، بفنون الخطابات ، على اختلاف اللغات ، والمجيب المضطر إذا دعاه كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، صلِّ اللهمَّ على أصل شجرة النور المحمدية ، عبدك ورسولك النبي الأمي ،وعلى آله الأنجاب وصحبه الأحباب، وسلم تسليما كثيرا، كلما ذكرك الذاكرون، أو غفل عن ذكرك الغافــلون ، عدد ما أحاط به علمك ووسعه ، ونفذ فيه حكمك وشرعه  ، و عدد أضعاف كل شيء ، وملء كلِّ شيء ،وزنة كلِّ شيء، عدد خلق الله، وزنة عرش الله، وعدد ما كان أو سيكون  في علم الله ، ربَّنا أنت أمرْتنا أن نصلي عليه، وأكدت بقولك الحق "صلوا عليه وسلموا تسليما " فاجتهدنا في ذلك وعليك الاستجابة، نصلي عليه صلاة تستغرق العد ،وتحيط بالمد ،دائمة بدوام ملك الله ،وانصر امة التوحيد  في مشارق الأرض ومغاربها،وحقق آمالنا ، وقد دعوناك لها ، انك سميع إلينا مجيب ،وبالإجابة جدير .

وبعد،

  فانَّ من ذرية الشيخ عبده محمد سلمان الربابعة قدس الله سره ،أربعة رجال وامرأة هم :يوسف ومحمد واحمد وربَّاع وامرأة لا اعرف اسمها ، أما الشيخ يوسف فذكرنا من أحفاد أحفاده الشيخ حسن علي المحمود رحمه الله ، وأجَّلنا القولَ في عمِّه الولي الصالح الحاج عبد القادر المحمود الحسن اليوسف نجل  الشيخ عبده  الرَّباَّعي ،الذي ولد في بلدة اجديتا نحو عام 1869م وتوفي سنة 1969م ، عن مائة عام ، كان شبه أمي ، لكنه استعان بذكر الله وأجراه على لسانه رطبا ، فانجلت له كرامات شهد له بها معاصروه منها ، حرصه على زيارة دمشق ، على مسافة تقدَّر بمائة وخمسين كيلا ، على دابة له ،أو على قدميه ، كان من أبرز  مقاصده أن يستمع إلى  ذكر الله وتلاوة القرآن والحديث الشريف ، وكان يردُّ الشيخ صادق علي ذياب ملحم ،عندما يخطئ في قراءة حديث أمامه ، وكان لبقا في تصويبه له على باب من التأدب  فيقول الحاج عبد القادر له  :"خالوه صادق ، اقرأ الحديث مرة ثانية ، فاني لم اسمعه هكذا من علماء الحديث في المسجد الأموي في  دمشق"وكان الشيخ صادق جامعيا متخصصا في الشريعة الإسلامية، معلما في التربية ، ندرّج في ما بعد، في درجاته العلمية إلى أن نال درجة   الماجستير ، ثمَّ عين مديرا للتربية والتعليم في لواء الكورة ثم أحيل إلى المعاش قيل عقد زمن ،  ولعلَّ الشيخ صادقا ، من أقدم الجامعيين في بلدة اجديتا ، من أتراب أستاذنا  الدكتور شفيق علي عجاج ، وأستاذنا المرحوم محمد اسعد محمد ملحم ، وأستاذنا الدكتور محمد احمد صالح اللافي الربابعة "أبي عمر " وهكذا سمعتها (أنا كاتب المقالة ) من الشيخ صادق نفسه ، قال الشيخ صادق :" فأعيد القراءة وأصحِّح ما كنتُ هفوتُ فيه من نحو ، في قراءتي العجلى من الحديث الشريف" .ثم قال الشيخ صادق يروي عن الحاج عبد القادر الرباعي قوله بعد التصحيح   :"نعم ، هذا الذي سمعته من علماء دمشق"                                         

    لقد حجَّ عبد القادر المحمود الرَّبّاعي عشر حجات و وربما أكثر، لأنه لم يكن  يتباهى بالعدد ،وعندما يسأله احد عن عددها يكاد يضرب صفحا ،ربما لئلا ينفس عليه ، وخشية الرياء ، وللمتلقي أن يتخيل المشقات في الحجِّ قبل قرن ونيف من الآن ، إذ كانوا يسافرون على رواحل من خبل ودواب وابل ، وبعضهم كان يحجُّ على قدميه ،منهم الحاج عبد القادر ، والمسافة من اجديتا إلى مكة المكرمة حوالي ألف وسبعمائة كيلو ، كان الحاج عبد القادر أسوة بالحجاج في زمنه، يحمل معه فيما يسمى "زهابه " منها كفنه، وخاتم فضي ليباع إكمالا لشراء ما يمكن أن يجهز به عند موته وتكفبنه ، وكانت احدي حجاته عن جدِّه رسول الله ، تطوعا ، لا، لأنه نبي مرسل، فقد حجَّ صلى الله عليه وسلم، وعلَّم الناس مناسك الحج والعمرة ، والحجة الواحدة عن المسلم كافية ،لكنه حجَّ عنه ؛ لأنه جدَُّه ، على ما أفتى له بعض العلماء، تماما كما يصلى عليه رسولا وجدا ،وكما يتصدق في سبيل الله ثم في إرضاء  رسوله ، صلى الله عليه وآله وسلم ،وكان يتستر على هذه الحجة ويدخرها لله عند لقائه                                                            

     لقد كان يحفظ بعض آيات الله ويخطُّ بعضها على الورق ، فيأتيه  بعضُ الناس يحجبون عنده ، للتبرك بآيات الله التي يكتبها أو يتلوها عليهم ، ومن القرآن شفاء للناس ، وكانوا ببركة الله يشفون على يديه  ، وكان ذا روح مرح ، يلاطف الناس ، إذ جاءته امرأة ذات يوم  تسأله ببراءة :" حجَّ عبد القادر حيشاك حيشاك أكل الزغاليل حرام "وقبل أن تكمل سؤالها قاطعها مازحا :"حيشا ي  حيشاي من أكل الزغاليل ؟ كيف نحرِّم ما أحله الله ؟ كلي زغاليل ووزعي على الجيران "فضحك من كان في الجلسة ، لسرعة خاطره، وهو رجل في الثمانين من عمره ،سليم الحواس ، قوي البنية،طويل القامة ، لسانه لا يكاد يتوقف  عن  ذكر الله ،جبينه نور ، وعيناه زرقاوان ، بهي الطلعة ، غني  كريم، عمل تاجرا في بلدة بيسان قبل عام النكبة ،لقربها من اجديتا ، ولتوافر حوائجهم فيها ، ولسهولة الحركة منها  إلى فلسطين  ، للعمل فيها ، منها ملبس الني كان يعمل بها كثير من أبناء بلدتنا ، ولعل ملبس ، تعد من أقدم المستعمرات اليهودية الفلسطينية .                                                 .

لقد روت زوجته فهيمة محمد الصالح الحسن اليوسف العبده رحمها الله وهي امرأة كانت تعلِّمُ القرآن الكريم للنساء على أميَّتهن قبل قرن من الزَّمان ونيف،  أنها كانت تشاهدُ للحاج عبد القادر كرامات منها ، أنَّ إبريق الوضوء  الفخاري الذي كانت تملؤه لوضوء الحاج، كانت ترى ثقبا فيه من حصاة صغيرة أحيانا ، تخترقه ولا تكسره ، فسألت الحاج عبد القادر عن سبب الخرق ، غير مرة ، فكان يضرب عن الجواب صفحا ، ولما ألحََّّت عليه كثيرا وناشدته بالله عن سر الخرق في الإبريق ، أجابها بانَّ هذه مباريات بينه وبين بعض أولياء الله ، إذ يضربون إبريقه لتذكيره بالوضوء والصلاة كما يفعله الحاج عبد القادر معهم ، إنها تسلية في محبة الله ، وهذه درجة من درجات الأولياء لم يصل إلي الحاجة فهيمة ـ  رحمها الله تعالى ـ فهم السِّر بعدُ، ولما توفي والدي (كاتب المقالة ) الحاج محمد علي الربابعة سنة 1966م ، وهو ابن أخت الحاج عبد القادر من أخته غزالة المحمود الحسن ، وكان قصير القامة نحيفا  ـ رحمه الله ـ،تعجَّل بعض المشيِّعبن لدفنه ، لخفة وزنه وقصر قامته ، وكان خاله الحاج عبد القادر حاضرا ،فقال لهم متحدِّيا لإظهار أنّ رجال الله لا تقاس أطوالهم  بالأمتار، ولا تكال أوزانهم  بالقفافيز ،بل تقاس وتوزن ،بالأعمال الصالحة خاصة  ، وإنَّ وزن بعض الساقين لنحيف تقي ، أثقل عند الله من جبل أحد، قال لهم متحديا ": احملوا نعشه إن كنتم قادرين "حاولوا غير مرة فلم يقدروا ، فقالوا لخاله الحاج عبد القادر" ادعُ الله لابن أختك يا حاج عبد القادر  كي نحمله  " فنادى بصوت عال :"يا الله، أعنه،  قمْ بإذن الله  يا حاج محمد معهم إلى بيتك " فخفَّ وزنه ، وُحمل على النعش إلى تربة  جده الشيخ عبده الربابعة ، ودفن فيها ،وكان لوالدي كرامات ، ذكر بعضَها واخفي كثيرا منها ،خشيةَ الإصابة بالعُجب ، فيدخل الشيطان منه  إليه، روى لنا أنَّ وليا هاتفا ، سأله إن كان والدي في صحوته، بعد أن أدَّى صلاة الفجر على بيادر الحاوي شمالي اجديتا بستة كيلو مترات ،فقال له:" نعم ،أنا صاحٍ "وهم مغمض العينين ، قال له": أنا الوليُّ لله محمد الحاوي جارُكَ ، صلِّ صلاة الغائب على ابنة مصطفى المرمش": قال أبي ـ رحمه الله تعالى وأدخله  فسبح جناته ـ":نسيتُ أن أصلي "قال ": فجاءني فجرَ اليوم التالي قائلا "أبا علي ، صلِّ عليها، فقد دفنوها في الغور دون أن يصلوا عليها صلاة الغائب،"قال أبي:" فاستيقظتُ من نومي ، توضأت ، وصليت عليها أربع تكبيرات صلاة الغائب ، فلم اعد أرى  الولي في منامي  " وما كان يضرُّ أبي  أن يصلي، فيذكرَ الله على كلِّ حال، قال:"  ولمَّا لقيتُ الحاج مصطفى المرمش ـ رحمه الله ـ بعد فترة سألته إن كان دفن ابنة له دون صلاة جنازة علبها  "، قال نعم، طفلة صغيرة دفناها ، ولم نصلِّ عليها " قال أبي ـ رحمه الله تعالى ـ :" فأخبرته بما رايته ، فاستغفر واسترجع" وكان أبي يلجم عن الشياه الضائعة في أحراش الحاوي وبرقش ، خشيةَ أن تأكلها الذئاب والوحوش المنتشرة في غاباتها ، كان يفتحُ موسى كبَّاس ، ثمَّ يتلو عليه عددا من آيات الله ، عدة  مرات، ثمَّ يغلقُ الموسى ، ويطلب من حامله ألا يفتحَهُ أبدا ، إلا بعد أن يجد شاته ، ففتحُهُ بعني فتحَ ثغرة يدخل الحيوان المفترس  منها، فيفترس الشاة الضائعة ، وكان صاحبُ الشاة يجدُها حية، والذئب أمامها، لم يفترسها على حبِّه للافتراس ، وكان من الآيات "وإذا الوحوش حشرت حشرت حشرت " ، ويقال  جرّبَ أحدُهم ففتح الموسى ، عندما رأى شاته فرحا بسلامتها ، ولم يكن يرى الذئب بعد ، لأن الذئب كان يقعى مختبئا متوثبا لافتراسها، فانقضَّ الذئب على الشاة ، فدقَّ عنقها أمام صاحبها ،فسبحان الله ، كيف تحرسُ آياتُ الله ما كان انتواه صاحبها ،  وكان والدي ـ  يرحمه الله ـ يقرأ  قبيل نومه آية الكرسي  ، والإخلاص، والمعوذتين ، وآخر ثلاث آيات من سورة الكهف ، فيستيقظ في أي وقت من ليل أو نهار ، كانت أحلامه رؤى  كالشمس في رابعة النهار ، وكان يقرأ "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق " ثلاثا ، ويحوط حولنا بيديه ، ونحن معزِّبون تحت الشجر في أراضينا في الحاوي في أشهر الصيف اللاهية ، وأيام الحصيد ، يوم تتسعَّرُ السموم في الأفاعي والعقارب وغيرهما من هوامِّ  الأرض ، فتمرُّ الزواحف و"البواهش" من حولنا ولا تؤذينا ،  وكان  يقرأ الصمدية عشرة آلاف مرة، ثم يهبها لمن أراد ،بأجر أو بدون أجر، ولم يكن يشرِّط على أحد أجرا ، وكان له ورد خاص لم نتعلمْه منه للأسف ، يرى بعد تلاوته رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأربعة ، أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذا النورين وجدنا الصنديد فاتحَ خيبر علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، كان والدي من قرَّاء القرآن الكريم ، يتلو كلَّ يوم منه سورا ، وكانت قراءته له سريعة ، على ما كان يفعله ابن خاله الحاج حسن ـ رحمه الله ـ، فالنظر في القرآن وحده حسنات، وله فيه اجر كبير،  فما بالك بتاليه ؟ لقد حجَّ والدي ـ رحمه الله تعالى ـ مرة واحدة عام ألف وتسعمائة وستة وخمسين ميلادية ،وكان يرفعُ الأذان يوميا ، كلما أدرك وقت الصلاة  ، وكان يؤذِّنُ للفجر، في خربة الحاوي ، يقف أمام الخشة في الحاوي ،ثم يؤذِّنُ ، صوته غير جهوري ، كانت تسأله أمي عن أسرار هذا الأذان ، وكان يضرب صفحا عن إجابتها أحيانا  ،إلى أنْ أجابها أخيرا بأن الأذان يطرد الشيطان ، ويشهدُ للمؤذن كلُّ من يسمعه من الكائنات، والمؤذنون هم أطول الناس أعناقا يوم القيامة ،كانت جدَّتي غزالة المحمود بنت عمشة الحسين من بني مفرج ـ  رحمهما الله تعالى وموتى المسلمين ممن شهدوا لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة وماتوا وهم على ذلك  ـ  علَّمتْ والدي رحمهما الله تعالى ، في كتاتيبَ في بلدة اجديتا ، وكان يقول والدي إنَّ الذي علمه شيخ يدعى عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ تمنيتُ أن أعرف عنه غير اسمه الأول ؛ لأترجم له ، إذ أن الترجمة لأهل الفضل فضل ـ  وكان أبي  يحفظ جداول الضرب، ويكتب الرسائل ويردُّ على ما يصل إليه منها ، ولد والدي نحو سنة 1890م وتوفاه الله سنة 1966م .                                                   

  أنجب الحاج عبد القادر سبعة ذكور منهم الولي الزاهد حسن أبو عيسى ، إذ كانت له كرامات ، مشهورة ، كان يشتري قوتَ اليوم لليوم نفسه ، كان خيَّاطا يمكنه أن يخيط  في يوم واحد أثوابا،لو زاد عيار تخييط  الملابس ،  ولكان يمكنه أن يرفع غلته اليومية إلى  عشرة دنانير أردنية عام 1974م ، لكنه كان يميل إلى الزهد، ويتخذ من رسول الله في زهده مثلا ، على ما يدرجه الفاروق عنه صلى الله عليه وسلم ،لمَّا  وازن بين جنب رسول الله الذي أثَّر به الحصير، وجنب كسرى المضمد بالحرير، والديباج، فأجابه الرسول الكريم "أما يكفينا الجنة وحريرها وهي الحياة الدائمة؟" فسري جوابُهُ الشريف عن عمر ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ الذي كان يبكي للحال التي رأى رسول الله عليه الصلاة والسلام عليها.                                           

   عجب الناس الذين شاهدوا حسن الحجي  يوما يحمل كيس سكر من خمسين كيلا على دابة ، متوجِّها إلى منزله ، على غير عادته ، فسألوه عن سبب ذلك ، فأجابهم للحاجة ، ثم خرَّ بُعيد نصف ساعة  ميتا ـ  رحمه الله رحمة واسعة  وتغمده بشآبيب رحمته .

ومن ابرز رجال العلم  من هذا البيت ، المهندس الميكانيك العقيد المتقاعد عبد الله نجل الحاج عبد القادر ، وابن عمه الدكتور(الطبيب) العقيد المتقاعد  سعيد عبد القادر محمد الرباعي الكيلاني ، وقد ذكرتهما لأنهما احتلا الترتيب الأول  في نيلهما درجتي البكالوريوس في الهندسة والطب من عشيرة الربابعة في بلدة اجديتا، قيل أربعين عاما من اليوم (2008م) الأول من جامعة دمشق عام 1969م، والثاني من الجامعات التركية في ميدان الطب .  أما النجل الثاني للشيخ عبده فهو محمد بن الشيخ عبده ، الذي من ذريته بيت المرامشة ، وبيت مصلح ، وبيت مصطفى العبد الله ، ومن أبرز رجال العلم فيهم  الدكتور عبد الله  محمد أستاذ مشارك دكتور رياضيات ، خريج الجامعات الألمانية  ، قبل عقد ونصف من الزمان،وهو يعمل حاليا ، في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، وما قصدي حصر الدرجات العلمية ، لانَّ ذلك يمكن أن  يدرج لاحقا  في كتاب في ما بعد ، بإذن الله ،إنما قصدي أن انوه إلى بعض ما اعرفه من هذا البيت فحسب.

  أمَّا النجل الثالث للشيخ  عبده فهو أحمد قدس الله أسرارهم، ويتفرَّع منه بيت احمد المجلي ، وبيت الجبالي، وأكثرهم يسكن في الهاشمية"فارة" قديما ، من محافظة عجلون ،ومنهم بيت اللافي ، وبيت الحاج احمد الرعوبة ،في اجدبتا ، وينماز هذا البيت ، بالعلم والتقوى وقوة الشخصية أيضا ، أما  من ابرز علمائه فالشيخ الدكتور علي مصطفى الفقير الربابعة ، نائب سابق ونائب أول لمجلس النواب عام 1989م ، ووزير الأوقاف والشؤون  والمقدسات الإسلامية عام 1990 م ، وصاحب رسالة "العز بن عبد السلام " ناقشها في الأزهر نحو عام 1989م ، وتولى منصب  نائب مفتي القوات المسلحة الأردنية ومفتيا عند غياب سماحة الشيخ نوح علي سلمان القضاة ،للدراسة لنيل درجة الدكتوراة ،في ثمانينيات القرن الماضي ، عرف الشيخ علي أبو أسامة  بالصراحة ، وعدم المجاملة في الدنيا ، على حساب الآخرة ،جهر بالحق أمام أعلى السلطات ،وهو ابن خالة الدكتور نوح القضاة مفتي المملكة وزوج أخته ،ومنهم أخوه العقيد الإمام الدكتور نوح مصطفى الفقير، وغيرهما كثر ممن يدرِّسون في الجامعات الأردنية وغيرها، منهم الدكتور أسامة علي الفقير" شريعة " في اليرموك، والدكتور محمد علي الفقير ـ في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية ، ومنهم الدكتور احمد حسن الربابعة ، أستاذ مساعد في الدراسات الإسلامية في جامعة البلقاء التطبيقية ، وأخوه الدكتور أسامة حسن الربابعة  في كلية عجلون من البلقاء التطبيقية ، والأستاذ شفيق احمد الربابعة (طالب دكتوراة قديم ) مدرس في قسم الصحافة في جامعة اليرموك منذ عشرين عاما خلت ،ومنهم الدكتور بسَّام علي احمد المجلي الربابعة ، أستاذ مساعد مدرس اللغة الفارسية في جامعة اليرموك من نحو ست سنين من اليوم (2008م) . أمَّا  من حفظة القرآن الكريم نذكر منهم الشيخ مجلي اشرنا إليه من قبل في الخطابة والولاية وحفظ كتاب الله عز وجل، ومنه أبناء أخيه محمد، ومنهم والشيء بالشيء يذكر بعضُ أبناء اخوي سليمان ومحمود ، ومنهم من أصحاب الكشف  كالشيخ الحاج أحمد علي الرعوبة"لقب " الربابعة ، الذي ظهرت له كرامة عام 1970م ، عندما حصلت فتنة بين الفدائيين والجيش الأردني ،  فنصب الجيش الأردني بطارية مدفعيَّه قرب مغارة مفتاح عند بركة الدير على مسافة عشرة كيلو مترات  خرائطيا  شرقيَّ اجديتا ، لقصف مواقع للفدائيين في منطقة الرهوة جنوبي بلدة اجديتا ،فتدخلت عناية الله لهذا الولي الحاج أحمد ،إذ زجر بعصاه مجموعة رجال كانوا  يقفون على بيدر له جنوبي بلدة اجديتا ، فأمرهم غاضبا  بالتحرك من مكانهم فورا ، فأطاعوه واخلوا المكان ، وهم يرددون في أنفسهم المثل المعروف  "لأمر ما جدع قصير انفه " وبعد دقيقتين من حركتهم ، سقطت قذيفة مدفعية مكان وقوفهم على البيدر  بالضبط ، وعندها أدرك الرجال معنى طردهم بعصا الشيخ احمد رحمه الله، ويبدو أن القذيفة أخطأت هدفها ، لأنها كانت الطلقة  الأولى  التجريبية لتقدير المسافة وضبطها. 

   ومنهم المجاهد  المعروف إبراهيم الحسن المحمد الربابعة الذي شارك في ثورة عام (1936م )،فقصفته طائرة معادية ،  كما في إحدى الروايات ،قرب عراق الرشراش في غور وادي اليابس ، وهو يتحدَّى الأعداء  قائلا :"لحّّد (للتحدي ) وأنا اخو دلة " وظلَّ يقاوم  أعداءه ببندقيته ، إلى  أن رفع إلى ذي العرش شهيدا   ـ رحمه الله ـ  فزغردت أخته دلة الحسن استبشارا بالشهادة، التي أكرمه الله تعالى بها .                                     

    أي امرأة هذه التي تزغرد فرحا بمقتل شقيقها أمام عينيها ؟امرأة من قرن ونيف مضى، عندها روح التمرد على الظلم ومعبأة  دينيا ، تقدِّمُ أخاها شهيدا، وتزغرد لاستشهاده ؟!  فهل الأسماء تنزل من السماء أحيانا ، فتكون دلة رمز تضحية،و فداء للوطن الغالي ، وانتفاضة على ظلم ، بسخاء دم ،كما تقدم الدلة بسخاء  لإقراء الضيوف ؟ وهل المرأة الفلسطينية التي تزغرد اليوم لاستشهاد ولدها أو أخيها أو زوجها سمعت زغرودة دلة  ابنة الشيخ احمد  عبده  الرَّبَّاعي في الضفة الشرقية التي سمَّاها بلفور وزبانيته ،فردت عليها الفلسطينية  في الضفة الغربية من ارض فلسطين  بزغرودات لا بزغرودة فحسب، وان كان للأسبق فضل يؤثر   ؟                      

  وانماز بعض أولاد ربَّاع العبده، بالسخاء منهم ، الشيخ مصطفى محمدا لمقداد العلي الرَّبَّاع العبده الربابعة ، ابن عمنا من أولاد النجل  الرابع ربَّاع  بن الشيخ عبده ،قدس الله أسرارهم ، لقد ولد مصطفى المقداد قبل قرن  ونيف مضى ، كان غنيا ، تاجرا كبيرا وكريما ،كان يجود بالرفادة والسقاية ؛من طعام وماء ،على من يحتاجها  خاصة دون أن يمنَّ بهما على أحد ، كانت تلك جبلته ، بل كان ذلك ديدنه ،سمع به (الضابط )آنذاك المرحوم حابس المجالي ، المسئول الأمني  لقضاء دير أبي سعيد ، فكان يزوره، مرات ومرات،وتوطدت العلاقة بينهما ، فدأب حابس  المجالي ، على زيارة مصطفى المقداد ،إذ لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل  ؛ ويبدو أنّ العلقة بين الربابعة الكيلانية وقبائل التميمي عريقة عتيقة ، ذلك ما فعله القعقاع بن عمرو التميمي ـ رضي الله عنه ـ في حربه يوم صفين، فأمر حارسي جمل عائشة بتقطيع حبال قتبها لردعها عن حضور المعركة ، وقد نبحتها كلاب الحوأب،  فامتثلا للأمر ،وهذا الذي أدرجته من شعره  في كتابي تحت الطبع في أمانة عمان بعنوان "ديوان القعقاع بن عمرو التميمي ـ جمع وتحقيق ودراسة " من إعداد الدكتور حسن محمد الربابعة ، وان الذي قدَّم له هو الاستاذ الدكتور محمد أحمد المجالي التميمي ، أستاذ الأدب الحديث في جامعة مؤتة ،وفي كتابي أنَّ  القعقاع ظلَّ مؤازرا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه  في سرائه وضرائه ، وبعد وفاة الإمام علي ، ألقى القعقاع  ما كان عليه من درع بهرام وسيف هرقل اللذين كان يزهو بهما دفاعا وهجوما في الأعياد،من جهة ومن أخرى فان سيدنا عبد القادر الكيلاني على رفعة شانه في ما وصل إلينا من أخباره ، ورث احد أعلام بني تميم في بغداد بوصية منه رضي الله عنهما ،ومن أخرى فان حابس المجالي ـ رحمه الله ـ عاصر استشهاد رفيقه الملازم الأول محمد عقلة الربابعة يوم 8 /4/1948م ، يوم كان حابس المجالي برتبة مقدم يذود بما يقدر عليه في باب الواد ،ولعل الله نظر من عليائه الى بلاء المحاهدين في باب الواد فغفر لهم وهو الغفور الرحيم ـ ومن الجدير ذكره ،أن محمد عقلة الربابعة من الشجرة هو أول ضابط أردني عانق دمه ارض فلسطين عام 1948م ، وقد سميت باسمه دفعة المكلفين السابعة والعشرين ، وكنت مدربا لها  برتبة رائد في مدرسة المستجدين الملكية ، وقد الفت في ما بعد كتابا عنوانه "حرب الأساطيل" أهديته للملازم الأول الشهيد محمد عقلة الربابعة "وأهديت منه نسخة باليد إلى سمو أمير البيان والسنان العالم الموسوعي بلا ريب الأمير الحسن بن طلال المعظم ، في مضافة عشيرة الربابعة في بلدة اجديتا ، لمناسبة قدومه إلى بيت الأجر،لتهنئنتا بالشهيد خالد  علي الابراهيم الربابعة الذي سقطت به طائرة مظليين، لخلل فني،ظاهرا ولانَّ اجله انتهى حقيقة  ، فالتحق بالرفيق الأعلى مع ثلة من رفاقه الاثني عشر ، كان ذلك قبل نحو تسع سنوات من اليوم(2008م ) ، وقد عرضنا لسموه أسماء بعض الشهداء من بلدة اجديتا عامة، وأسماء بعض الشهداء من الربابعة خاصة،لمناسبة الزيارة ؛ منهم الجندي  سليمان العقلة الربابعة عام 1948م ومنهم عبد الله محمد سليمان المقداد الربابعة شهيد عام 1967م، ومنهم سليمان الحمد الربابعة شهيد عام 1970م ومنهم الشهيد محمد علي الحج حسن الربابعة اثر انفجار لغم به في غابات عجلون عام 1970م  ، وهو يقوم كجندي هندسة بواجبه خدمة لوطنه وأمته ، وقصده تخليص الأبرياء من خطورة الألغام المبثوثة بحقد لأذى الأبرياء ، في غير مواقعها التي يجب أن تزرع فيها ، وعرضنا لبعض جرحى الحروب منهم راجي احمد مصطفى الربابعة ـ رحمه الله ـ  الذي بتر مشط رجله ، وعبد المهدي محمد سليمان الربابعه الذي بتر من جسده ما بتر، وهما يقومان بنزع الألغام من أماكن يجب ألا تكون الألغام فيها ، كل ذلك كان بأمر القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية  ،وفي اعتقادنا أن شهداءنا، وينبغي أن نحسن الظن بهم ـ أنهم يقتدون بالشهداء من آل البيت النبوي من أمثال سيد الشهداء حمزة  و جعفر بن أبي طالب  رضي الله عنهما، وعبد الله الأول شهيد الأقصى ـ رحمه الله تعالى ـ ورحم  شهداء المسلمين، فوق كل ذرة من ارض الإسلام ،  وثمة ربط بين الربابعة والمجالي ، ذلك ما شهده عصر المجالي من ترميم ضريح محمد عقلة الربابعة في شجرة الرمثا ، بأمر من القيادة العامة ، يوم كان عصر المجالي متصرف اربد ،فشهد مع مئات الرجال جثة الشهيد محمد عقلة لينة طرية، كأنما استشهد لتوه ، وقد ابلغني الخبر قبل عشرين عاما سلفت  أخوه عرسان الذي  يبلغ من العمر اليوم خمسا وتسعين سنة ..ومن ابرز سمات أولاد رباع العبده العلم والذكاء ، والرجولة ، أما العلم ، فيشهد به الدكتور سامي احمد عبد الرحمن المحمود السعيد  الَّرباع  العبده الربابعة ، الذي حصل على المرتبة الثامنة في مترك الصف الثالث الإعدادي عام 1967م، ثم احتصل في الثانوية العامة على  الترتيب الرابع على مستوى المملكة عام 1970م بمعدل( 94,6  )في الفرع العلمي ، تم أُبتعث إلى روسيا ، فحصل على درجة الطب ، وعين ضابطا في القوات المسلحة الأردنية وتدرج في الرتب إلى أن أحيل إلى التقاعد برتبة عميد ، وهو مدير مشفى الاستقلال في عمان حاليا  (2008م) ، واحتصل ابن عمه حازم عبد الرحمن  محمد عبد الرحمن  على الترتيب الثامن على مستوى المملكة في الفرع الأدبي من مدرسة أيدون قيل نحو عشر سنوات ،والدكتور سامي ابن خالي من أمها ، سعدية العلي الظاظا من بني مفرج، وأمها نجمة الباير من بني ملحم ، ترملت جدتي  سعدية عن زوجها الأول مفلح محمد السعيد ، فتزوجها ابن عمه عبد الرحمن محمود السعيد ،  ورزقت منه بخالي أحمد أطال الله بقاءه ،توفيت جدتي سعدية في غور شرحبيل بن حسنة، ودفنت في مجنته رحمها الله وأسبغ عليها نعمه ،وعلى آبائي وأجدادي وأمهاتي وجداتي ، انه سميع مجيب الدعاء،.ومن أبرز الأطباء الدكتور عاطف سليمان عبد الرحمن الربابعة والرائد الطبيب المتوفى سنة(2000م)عبد السلام عبد القادر عبد الرحمن الربابعة أبو بشارـ رحمه الله وأوسع عليه مداخل الجنان ـ ، لقد شهدت  جنازته في مسجد رأس الدير، وألقى الإمام المقدم (آنذاك )الشيخ غالب سليم ربابعة ابن عمه موعظة مثيرة ،إذ رأى مجموعة أطباء من ذوي القبّات الحمر، يقفون أمام المسجد ينتظرون خروج الجنازة، لتشييعها فحسب ، ولم يشاركوا في الصلاة عليها ، فوعظ الشيخ غالب وشدَّد ،على عقوبة تاركي الصلاة ، وحذَّر من شجاع أقرع يتململ في القبر انتظارا لرفيقه؛ تارك الصلاة، وبينما الشيخ يتكلم عن الشجاع الأقرع ، إذ فتح بعض المصلين في الطابق الأراضي من المسجد، سجادة كانت ملفوفة ،بغية الصلاة عليها ،وقد امتلأ  المسجد بالمصلين ، فخرج منها شجاع ولكنه ليس بأقرع ، فتبلبل المصلون من حركته الالتوائية ، وكاد يخرج الثعبان  من باب المسجد حيت القبات الحمر ، لكن أصحاب البساطير قتلوه ،فتعجَّب الناسُ من هذا  الحدث، وسار عجبا ، يتحدث به الركبان ، وتأبَّى الربابعة أن تعزف موسيقا الجيش ألحانا،وهي ترافق الجنازة، ومنه لحن الرجوع الأخير ، ويسار على أنغامها،لعادة تشيع الجنات العسكرية ، من العاملين في القوات المسلحة الأردنية ،لان الموسيقى من  معازف الشيطان، لكنهم لم يمانعوا من طلقات "واقفا عمر " ولعلَّ هذه المراسم هذا مما أشار إليه من قبل مالك بن الريب في العصر الإسلامي:                                                       

تذكرت من يبكي علي فلم أجد             سوى السيف والرمح الرُّديني باكيا

وأشقر  خنذيذ يجرُّ  عنــانه               إلى المـاء لم يتركْ له الدَّهرُ ساقيا

 فسلام عليك يا عبد السلام من الملك السلام في دار السلام في  الخالدين.

 أمَّا الرجولة فأثبتها المرحوم عبد الرحمن المحمود  السعيد الربابعة ، عندما استصرخت به مظلومة  إحدى  بنات عمه، لشتمها من احد رجال بني ملحم، لأنها غيَّرت مجرى قناة من وادي الريان إلى بستانها، لتسقي شجرها، أسوة بغيرها ،وهو حق لها ،فما إن سمعه عبد الرحمن المحمود حتى تقدم إليه، وعاتبه ضربتي عصا ،فكسر بهما عضديه ، وظل "يسقُّ وينقُّ "فترة طويلة ، فجلا عبد الرحمن وأهل بيته للخامس من آبائه حسب ما تسقط الشبرية من بين الأصابع الخمس للحَكم العشائري  ، جلا وينو عمه  إلى بلدة تبنة ، حيث لنا مخول عندهم من احدي نسائهم ، وعلى عادة بني ملحم الأجواد تسامحوا بحق ابنهم ، وطلبوا من بيتنا العودة ، وتدخلت عناية القدر ، فشفي المريض نهائيا من مرضه ، واسقط حقه بلسانه ، وبعد ذلك بأيام فارق الدنيا رحمه الله ، فنال الإكرام من الله، وهو العفو عند المقدرة ، ولم تحسب على عبد الرحمن المحمود  الرباعي جريمة قتل ، فسبحانه هو اللطيف الخبير ، لا اله إلا هو. والحقُّ فان شهامة أخوالنا بني ملحم مشهورة ، ذلك أنَّ احدهم جاس حوش علي أبي صلال ليلا، في خربة الحاوي على فقره، و فيه حاس،  في زمن كثر الجوع فيه و استشرى، وكانت تعدُّ السرقة نوعا من تدبير الحال عند الضرورة القصوى، وعمر الفاروق لم يقطع يدَ السارق عام الرّمادة ـ جاس الملحمي  دار علي مصطفى الرباعي( الصلالي)في خربة الحاوي، ليسرق من أغنامه ، فأطلق علي عليه النار فقتله ، ثم جلا إلى أبناء عمه في كفرراكب ، وبدأ الترصُّد لأخذ الثأر من علي الصلالي ـ رحمه الله ـ ، مدة طويلة ، إلى أنْ رصدوه  في ليلة ظلماء فوق سطح منزل ، في بلدة كفرراكب ، كانوا بصطلون على نار ، و أماهم قنديل  يضاء بزيت الزيتون ، شأن كثير من  المساجد، قبل قرن ونيف من اليوم ، بل كانوا  يتسامرون على ضوئه ، من حيث يرونه ولا يراهم، وصمَّموا على الأخذ بثأر قتيلهم  في تلك الليلة ، وأمهلوه إلى أن  ينزل عن السطح ، أو ريثما  يتركوه وحيدا على سطح المنزل ، حتى لا يخطئوا هدفهم ، أو يؤذوا بريئا ، ودار الحديث مع الحاج علي أبي صلاَّل ": أسمعتَ  يا شيخُ عليُّ من الذي مات اليوم في بلدة اجديتا ؟قال علي :"لا ،والله ، من هو يا ناس، فالموت حق  ؟قالوا:انُّه غريمك بخيت السليمان الملحمي ". قال علي الصلالي والحكمة تبدو منه، بدا  متحسرا فضرب كفه  بالآخر : "له له له ثلاث مرات (علامات تحسر) ، يا ليتني لم أسمعْ بهذا النبأ المفجع ، رحمك الله يا بخيت ، واللهِ، لو كنتُ في قرية  اجديتا ،لعزمتُ بني ملحم على عشرين غليظة "يعني ذبيحة " عزاء لهم " طأطأ رأسه وصمت،فللموت رهبة ، وصمت الحاضرون لصمته ، فما إن سمع المتربِّصون به قوله ،وموقفه النبيل ،ورأوا صمت معزبيه من الربابعة ،وقد استغفروا له، حتى فرَّغوا أسلحتهم من الذخيرة ،وقال بعضهم لبعض  ":أمثلُ هذا الرجل يقتلُ يا بني ملحم ؟ الآن حصحص  الحق ، لقد اعتدى الملحمي عليه، لأنه  حاول أن يسرق ليلا من حوشه غنما لفقره ، والدفاع مشروع عن النفس والمال ، ويبدو أنَّ الشيخ عليا لم يميزْه ، ولو جاءه يطلب منه وجاهة، لما كسفه  كما نظن الكرم  فيه ، وعلى ذلك فمن حقه أن يدفع عن ماله الأذى . ومع ذلك جلا بنفسه، وتحسَّر على فقدان ألدِّ أعدائه ،و قال بعضُهم والله ،لا نقتله وأرى أن نأخذه الآن معنا  معززا إلى قريتنا ، وقال آخر أرى أن نؤجل الأمر للغد ، لنعيده معزَّزا، بعد أن نبرز موقفه النبيل للحاقدين عليه من جهة ولنكرم مضيفيه من حهة  أخرى  ، واتفقوا على الرأي الأخير ، ثم أعادوه في اليوم التالي إلى بلدته اجديتا معززا مكرما ، وصفت القلوب ، وساد الوئام بدل الخصام  ، وتجدَّد الحبُّ، بعد نفور وقطيعة رحم .

أما بنت الشيخ عبده  فتزوجها رُبوبي من أقربائنا الكيلانية  ،لا أعرف اسمها ، كانت ولية صالحة تحبُّ زوجَها وأهله ، حمَّلوها من الأشغال ما لا تطيقه ،كأنها محكوم عليها بالأشغال الشاقة ؛عقوبة رادعة ، امرأة غريبة الدار ، لكنها صبور لا تحب أن تشعل الفتنة بين أهلها وأهل زوجها ، استعانت بالله،  واجترت همومها ، وجأرت إلى الله ، أن يلهمها الصبر على ما هي عليه ، في ضوء  ما وصل إلينا من أخبارها ، كابرا عن كابر ، كانت تحتطبُ من أشجارٍ قرب قريتها في بيسان ،للطبخ والتدفئة ، ومع ذلك تلامُ على أعمالها، وتسبُّ  لإهمالها ، و تظل صابرة ، حملت ذات يوم حزمة حطب ، وما إن ألقتها بحوش زوجها ،حتى بدأت الأفاعي تسعى من بين عيدان الحطب، في كل اتجاه ،حتى خيّل لبعض من رآها أنَّ عيدان الحطب تحوَّلت حيات تسعى في كلِّ اتجاه ، فناداها زوجها أن أوقفي هذه الأفاعي ،دخيلك "تقال للرجاء " فاستعانت بالله ، وأشارت بإصبعها  إلى الأفاعي، أن اخرجي من الحوش ، فخرجت تسعى منه سريعا ، فاتهمها زوجها بالكذب والتحايل ، وشدَّد عليها العقوبة ، وأمرها بان تحتطب يوميا حزمتين لا حزمة واحدة ، فنفَّذت أمره، فطاعة الزوج من طاعة الرب ، هكذا علمها أبوها الشيخ عبده ، وظلت  صابرة محتسبة لله ، وفي ليلة من الليالي، رأى أبوها  الشيخ عبده ،أن الشيخ محمد أبا ذابلة ، يتناول حجرا ويقذف به زوجها الخيَّال ، فقال أبوها الشيخ عبده قَّدس الله سره :"لهْ"لهْ " يا شيخ محمّد أبا ذابلة ، بالفرس ولا بالفارس " وتلقى الحجر  بيده ، فتدخل رجل صالح من الربوبية في الرؤيا ، وأخذ يجذبُ الفرس من ذيلها ،وزوجها ينظرـ  في حلم كأنه يقظة ـ  ينظرُ إلى الشدّ والجذب، والأخذ والرد  بين الأولياء ، فصاح به الشيخ محمد أبو ذابلة "اللهْ ، الخيول تقادُ من أرسانها لا من أذنابها ، يا ابن العم ،دعها فأنت بين شاويش الملوك وسراج الأولياء" فأرخاها وقد  خسر المبارزة في الولاية  ، فقادها أبو ذابلة إلى حيث أراد ، فقال الشيخ عبده لختنه :"تبْ عن أذاها، وعاملها بالحسنى كما فرض عليك الشرع الحكيم ، وإلا ،ـ أشار إليه بيده  ـ فقال الربوبي :"وعليها وجهوكم يا سادتي ، وانتهت الرؤيا ، فصلح زوجها بالرؤيا واعتبر بها، واهتم بابنة عمه الرباعية الكيلانية ، رحمهم الله جميعا وأكرمَ نزلهم.