نحو أسرة مستقرة
(1)
عدنان عون
(1)
يتوقف قوام الحياة الإنسانية السعيدة على نجاح علاقتين: علاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة الفرد بالمجتمع· وكلما استقرت العلاقة الزوجية، كلما أفرزت استقراراً في المجتمع وحياة أسعد وأكثر إنتاجاً، نوعاً وكماً ·· ولورجعنا إلى تاريخ الحضارات الإنسانية وتساءلنا لماذا تساقطت وتهاوت؟ لرأينا أن أكثر أسباب الانهيار خطراً، هو فساد العلاقة بين الرجل والمرأة·
"وقضية المرأة، كما يقول أحد المفكرين، هي قضية كل أب وكل ابن· وما دام في الدنيا آباء وأبناء ففي الدنيا احترام عميق لكرامة النساء، والذين لايفرقون بين الكرامة والابتذال، هم غارقون في الأوهام والأوحال"·
(2)
نظرة تاريخية :
إن استقراءً لتاريخ المرأة عبر الحضارات السابقة، يضعنا أمام حقيقتين:
الأولى: أن لاقيمة للمرأة في قوانين الحضارات القديمة· فقد كانت الحضارة اليونانية تَعدُ المرأة من سقط المتاع، بينما ألزمتها الحضارة الرومانية أن تعيش مع زوجها في ظل قانون (اتفاق السيادة) ولم تختلف المرأة في ظل شريعة حمورابي عن سابقاتها، وظلت المرأة تقاسي الظلم والهوان في الحضارة الهندية حتى وقت قريب وكانت تقدم قرباناً للآلهة الأسطورية· أما في اليهودية المحرفة فكانت لاتعلو عن كل المنكرات والفواحش، واعتبرها الراهب ثرثوليان: مدخل الشيطان إلى النفس، في الوقت الذي رأى (سوستام) أنها (شرلابَّد منه) وظلت المرأة في الغرب، تقاسي حتى القرن التاسع عشر، من صنوف المهانة، إذ كان القانون الإنجليزي يبيح للزوج بيع زوجته· ونعلم كيف كانت (حواء) عند عرب الجاهلية، فقد تبيت محرومة من حق الميراث· وقد حرمها بعض الجاهليين حق الحياة، وما ظاهرة الوأد التي أومأ إليها القرآن الكريم "وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت" إلاّ وصف لواحدة من صور انتهاك الحقوق والكرامة التي كانت سائدة في العصر الجاهلي·
الحقيقة الثانية: أن المرأة لم تنل حقوقها وكرامتها إلا في ظل الإسلام وهو ما لخصه سبحانه وتعالى في الآية الكريمة: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" ففي خضم ذاكرة التاريخ المظلم والحافل بأنباء إهدار الكرامة الإنسانية للمرأة، والتعدي على حقوقها، سطعت شمس الإسلام، وعلا صوت محمد(صلى الله عليه وسلم) ينادي بحرية الإنسان والمرأة·وهي في التصور الإسلامي إنسان له كل حقوق الإنسان وكرامته·
إن المرأة في ظل التصور الإسلامي، لاتختلف عن الرجل إلا بما يخالف طبيعة التكوين· ومن ثم فهما سواء في الإنسانية والكرامة، وسواء في الحرية والحياة·
ولابدَّ أن نعلم أن الإسلام لم يكتف بتعزيز حقوق المرأة، بل عمل جاهداً من خلال تشريعاته، على حمايتها ورعايتها، ودعا إلى احترام المرأة وإكرامها، أُماً وبنتاًوأختاًوزوجة،وجعلها أحق الناس بحسن الصحبة، وحسن الرعاية، وجعل من مقاييس الخير في الإنسان بره بوالديه وخاصة الأم، وحسن رعايته لزوجه مثلما جاء في الحديث النبوي الشريف: "خيركم خيركم لأهله"
ومن عظمة هذا الدين أنه فتح أمام المرأة أبواب العلم تلجه كما يلجه الرجل، وجعل طلب العلم في حياتها فريضة، وحسب الإسلام أنه أعاد للمرأة كل حقوقها التي انتزعتها الجاهلية منها، فأعاد لها حق الميراث وحق الحياة، وأقام الحياة الزوجية على قاعدة الحقوق والواجبات وجعل لها من تعسف الأزواج وظلمهم مخرجاً إلى الحرية، تسترجع به حريتها وكرامتها فكان تشريع (الخلع).
(3)
حكمة فوارق التشريع:
قد يتساءل الكثيرون بحسن نيةأو بغيرها، عن السبب في أن الإسلام فرّق في التشريع بين الرجل والمرأة، فجعل ميراث المرأة نصف ميراث الرجل، وشهادتها نصف شهادة الرجل، وجعل ديتها تختلف عن دية الرجل، ولعل وقفة متأنية بعيدة عن التشنج والافتراء والإدعاء، تجعلنا ندرك حكمة التشريع الإسلامي العظيم· فالفوارق التي جعلت المرأة غير الرجل ليس مردّها التمييز والتفضيل، وإنما كانت من أثر التكوين ومراعاة لطبيعة المرأة· وبمعنى آخر فإنه لاعلاقة لتلك الفوارق بإنسانية المرأة، ولا بأهليتها·
صحيح أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، ولكن ليس هذا نقصاً في كرامتها وأهليتها، وإنما ذلك عائد إلى طبيعتها العاطفية، وتعرضها أكثر من الرجل إلى النسيان في أمور قد لاتهم المرأة كثيراً، بينما اكتفى الشارع بشهادتها دون شهادة الرجل في أمور لايحكم عليها إلا النساء·
إن الرجل بمقدوره أن يعطي عطاءات الأبوة وواجباتها، وليس بمقدور المرأة أن تؤدي واجبات الأمومة إلا برباط الزوجية·
وصحيح أن ميراثها ينقص عن ميراث الرجل لكن ذلك يعود إلى أنها في الإسلام غير مطالبة بالإنفاق منه على بيتها وأولادها، ومن ثم فهي تحتفظ بمالها، علماً أنها في حالات أخرى قد ترث نصيباً مثل نصيب الرجل، كحالة (الأخوات لأم) فإنها إذا انفردت تأخذ (السدس)· إن حكمة الميراث تتعلق بعدالة التوزيع في الأعباء والواجبات وفق قاعدة (الغُرم بالغُنم) ، بمعنى أن الرجل إذا كان ملزما بأعباء وواجبات مالية لاتلزم المرأة، فنصيبه أوفى·
إن بعض القوانين البشرية، تعطي المرأة مثل نصيب الرجل، ولكنها تحملها وتلزمها من الأعباء ما يثقل كاهلها، ويفقدها أنوثتها، وتضيع عليها أمانة ومصلحة الأسرة والأولاد·
وأما أمر(الدية)، فإن الدية سواء للجنسين في القتل العمد· أما القتل الخطأ فإن التعويض المالي يُراعى فيه مقدار الخسارة المالية (بقتل الرجل أو المرأة)· فالخسارة بقتل الرجل أكثر وأفدح·
ومن عطاء الإسلام للمرأة أنه لم يغلق دونها باب عمل ينسجم مع طبيعتها ومهمتها في الحياة·
يتبع ...