كلمتي في يوم المعلّم
كلمتي في يوم المعلّم
صالح محمد جرّار/جنين فلسطين
الحمد لله الّذي علّم بالقلم ، علّم الإنسان ما لم يعلم .
سبحانك اللهمّ 0 خير مـعـلّـمٍ علّمت بالقلم الـقرون الأولى
أخرجت هذا العقل من ظلـمـاتـه وهديـتـه النّور المبين سبيلا
والصّلاة والسّلام على خاتم الرّسل ،ومعلّم البشريّة ،سيدنا محمّد ، وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هداه إلى يوم الدّين ، وبعد ؛
فقد اعتاد عرب هذا العصر أن يجعلوا لكلّ أمرٍ يعنيهم – ولو ظاهراً - يوماً يحتفلون فيه بذلك الأمر غثّاً كان أو سميناً ، وها نحن اليوم – على عادة عربنا – نحتفل بيوم المعلّم ، فقلتُ شعرا في ذلك :
يوم المعلم يستثير شجوني بل إنّه يومٌ لـنـدب دفـينن
أهدَوا إليه تحيّةً معسولةً ومعَ التّحية طـعـنـة السّكين
هيّا انظروهُ مضَرّجَاً بدمائه وبـنـُوهُ في ضنْكٍ وجدْب سنينِ
والقائمون يردّدون هتافهم يحـيـا المعلّـمُ فـاق كلّ ظنونِ
يا ويلَهم قتلوهُ جوعاً وانبروا يـتـظـاهرون بدمعـة المحزون
لو أنّهم صدقوا لأصدر شيخُهم فتوى المُحقّ فزال يومُ حزوني
لكنّهم بشموا فأذهب عقلَهم ملءُ البطـون ونهمةُ المأفون
فإلام يبقى الجاحدون لفضلنا يتحكّمون بنا كريب منون ؟
والفضل يعرفه ذووهُ فمَن لنا بـعميد قومٍ فاضلٍ مأمـون
فاللهَ نسأل أن يُعزّ ضعيفنا ويُقيمَ دولـةَ شرعـنا الميمون
*****
حقّاً أيّها الأحبّة، إنّ رسالة المعلّم أسمى رسالة في الوجود ، وإنّ مقامه لأسمى مقام ، مهما جحد ذلك الجاحدون ، ومهما ادّعى المبطلون ، وانتفش الفارغون !! فطوبى لمن مارس التّعليم برغبة أكيدة ، وأدّاها بحقّها ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، "لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها ،لها ما كسبت ، وعليها ما اكتسبت "
إنّ المعلم – أيّها الأعزّاء – هو العنصر الفعّال في عملية التّعليم ، فبقدر ما يحمل من إيمانٍ برسالته ، وبقدر ما يحمل من علم وفكر ، وبقدر ما يحمل من محبّة لتلاميذه ، وبما أوتي من موهبة وخبرة ، بقدر ذلك كلّه يكون نجاحه وأثره في أبنائه وطلابه . ولا يخفى عليكم - أيّها الأحبّة ، أنّ المعلّم المخلص ، له أخلاقٌ خاصّة ، فليست مهنته مجرّد حشو الرّؤوس بالمعلومات ، فلا بدّ لصاحب العلم من الالتزام بالقيم الخلقية التي جعلته أهلا لأن يكون خليفة الأنبياء .
ومن أبرز تلك القيم ما يأتي :
1- الشّعور بالمسؤولية أمام الله ،فكلّكم راعٍ ، وكلّكم مسؤولٌ عن رعيّته .
2- الحرص على تربية الطّلاب كما أمر إسلامنا الحنيف .
3- التّوجيه المستمر والتّذكير الدّائم بنكبة فلسطين ، وتكالب قوى العدوان والكفر والصّهيونية العالميّة ومَن يدور في فلكها – أقول التّذكير الدّائم بتكالب تلك القوى الشّريرة ،وتآمرهم على الإسلام وأهله وأرضه ومقدّساته وقيمه في شتّى بقاع الأرض عامّة وفي فلسطين خاضّة ، والحرص عل إذكاءروح الجهاد في سبيل الله ، حتّى يتحرّر الأقصى الأسير ، وفلسطين الغالية ، أرض الآباء والأجداد
المسجد الأقصى ينادي أمّةً تركته أهون ما يكون مكانا
4-الأمانة العلمية والعمل بمقتضى العلم
5-الصّبر عل تعب التّعليم ومشاكله .
6- الرّفق بالمتعلّم والحرص عليه .
7-الاستمرار على توسيع آفاقه عامّة ، وفي تخصصه خاصّة . وحثّ الطّلاب على هذا الأمر .
إلى آخر تلك الفضائل والقيم التي يرضى عنها الله ورسوله والمؤمنون ،
وأخيراً - والكلام عن المعلّم ومهنته كلام يطول – فهناك قضيّة مهمّة جدّاً في حياة المعلّم صانع الأجيال ، وهي قضيّة إنصافه ورعايته ورعاية أسرته ماديّا ومعنويّاً وصحيّاً أثناء عمله وبعد تقاعده . فكم من معلّم فني وهو حيّ ، وشاخ وعجز ، وما في يديه ما يدفع عنه وطأة الشّيخوخة ،وما يهوّن عليه آلامها وعجزها، بل يصير في خبر كان بعد أن كان من أدوات التّوكيد في فترة شبابه وعطائه !! والحمد لله الذي ادّخر لهذا المعلّم ولكلّ مواطن صالح أجره فيُوفّاه يوم القيامة بغير حساب !
إنّ المعلّم أصل كل ّ حضارةٍ أفلا يُقَدّر جهده ويُصانُ ؟ !!
أعطى شباب الجيل كلّ حياته إنّ الكريم على الزّمان يُعانُ !!
*******
** اليوم الأخير في مدرسة الإيمان ، كما هو اليوم الأخير في مهنة التّدريس من حياتي التّعليمية**
كان يوم الثلاثاء هو آخر يوم في حياتي المدرسيّة ، وكان ذلك في 31 /5 /2005 وقد مرّت مسيرتي التعليمية في ثلاث مراحل ، ولكنّها متّصلة الحلَقات ، بيد أنّها تختلف نوعا ، وتتفق هدفاً ، وقد امتدّت عبر أربع وخمسين سنة ، اتّقدت فيها عزيمتي ، واشتعلت حتّى أحرقت شبابي وكهولتي وشيخوختي ،فلم يبق إلا رماد العمر، رمادٌ وارى الجمرات حين انطفأت، رماد تذروه الرّيح في يوم عاصف
وإذا كانت الأمور بحصادها الماديّ ،فإنّ عمري التّعليمي ، لم أجن منه - والحمد لله على كلّ حال – لم أجن إلا العسر والجدب ،وعسى أن أكون قد جنيت الأجر والثّواب من الله تعالى ذي المنّة والفضل ،
ولا أريد أن أطيل الحديث ـ وأكتفي بالقول إنّ خاتمة عملي معلّماً كانت خاتمة مسك ،شهدتها مدرسة الإيمان بين أحبذائي وزملائي الذّين سعدت بعشرتهم ، وتمتّعت بمحبّتهم ولطف تعاملهم ، وعلى رأسهم الأخ العزيز أبو محمّد " نائل عمور " مدير المدرسة .
وفي آخر يوم وأنا متوجّه إلى المدرسة كنت أردّد الأبيات الآتية :
هذي المسيرة من عمري لها أرَجٌ يبقى على الدّهر أحييه ويُحييني
كان الأحبّة فيها مسك خاتمة أنْعم بها صحبة في الغيب ترضيني
يجزيهم الله خيراً راح يُسعفني في شكر معروفهم ، والله يكفيني