جماليات اللغة العربية
د. زينب بيره جكلي
قسم اللغة العربية في جامعة الشارقة
وكان لسوق عكاظ واجتماع القبائل العربية في مواسم الحج أثرهما في تخلي العرب عن كثير من لهجاتهم ، وتنقية لغتهم من ثقل اللهجات ، ثم نزل القرآن الكريم فوحد العرب على لغة تخلت عن الشاذ والغريب ، ووصف القرآن الكريم بأنه السهل الممتنع ، فهو سهل يفهم ولكن لايقدر أحد على الإتيان بمثله على الرغم من التحدي ، ولهذا لما سأل معاوية بن أبي سفيان : من أفصح العرب ؟ قيل له : " قوم ارتفعوا عن لخلخانية([1]) الفرات ، وتيامنوا عن عنعنة تميم([2]) ، وتياسروا عن كسكسة ([3])بكر ، ليست لهم غمغمة([4]) قضاعة ، ولا طمطمانية([5]) حمير، قال من هم ؟ قال : قريش ؟ قال
1-أصوات الحروف العربية :
2- الميزان الصرفي :
أ- الإعلال والإبدال :
ب – الإدغام :
3- الحذف :
أ- فمن حذف الحركة : حذف الضمة من آخر المعتل بالواو والياء في حالة الرفع كما في يرميُ تصير يرمي ، ويدنوُ تصير يدنو ، بينما تظهر حركة الفتحة عليهما لخفتها فنقول ( لن نرميَ – لن ندنوَ ) .
ب- ومن حذف الحرف : حذف ألف ما الاستفهامية إن اتصل بها حرف جر كما في قوله تعالى ( عم يتساءلون ) ، أو كانت أداة الاستفهام ( متى ) وقد جمعا في قول الشاعر :
ج- حذف كلمة وقد تكون هذه الكلمة جملة كما في أسلوب التحذير والإغراء والاختصاص ، من ذلك قولنا : إنا – مسلمي العالم – نحتج على الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم ، أي أخص مسلمي العالم . الصدق الصدق فإنه منجاة ، أي الزم الصدق ، إياك والخيانة أي أحذر إياك واجتنب الخيانة .
د- حذف جملة مكونة من أكثر من كلمة :
4-زيادة حرف
5-قضايا تحسينية :
6- التضمين :
وهو من أسباب الجمال النغمي وذلك بأن تعطى كلمة حكم كلمة أخرى للمجانسة اللفظية كما في قوله تعالى : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا . وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لايؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) أي ساترا ، عدل عن اسم الفاعل إلى اسم المفعول لتحقيق التجانس مع الفاصلة السابقة طلبا للجمال والنغمة العذبة .
7- قضايا بلاغية جمالية :
أ- فمن التكرار مانراه في سورة الرحمن إذ يكرر الله سبحانه ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ، وفي سورة المرسلات كرر التاء ثم جاء بـ ( ويل يومئذ للمكذبين ) ثم كرر النون وعاد إلى اللازمة ( ويل يومئذ للمكذبين ) وكأن هذا التكرار استراحة موسيقية تحدث إيقاعا جميلا ، ولنقرأ قوله تعالى في سورة المرسلات : ( فإذا النجوم طمست ، وإذا السماء فرجت ، وإذا الجبال نسفت ، وإذا الرسل أقتت ، لأي يوم أجلت ، ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين ، ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين ويل يومئذ للمكذبين ) ويقول الأستاذ محمد الحسناوي رحمه الله في كتابه الفاصلة القرآنية إن الفواصل المكررة وتغيير النهايات فيها بين التاء والنون ثم تكرار اللازمة القرآنية ساهمت في تعليم الشعراء جمال النغم المتغير مما أثر في ظهور الموشحات وما على شاكلتها من المسمطات .
ب- ومن رد العجز على الصدر : كما في قوله تعالى ( ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ماكانوا به يستهزئون ) فتكرار الاستهزاء أضفى نغمة موسيقية شاركت في ترسيخ المعنى بجرسها الموسيقي .
د- التصريع : كما في قول أحمد شوقي :
هـ- التنغيم :
8- قضايا عروضية
من ذلك قول أحمد شوقي في قافية مردوفة :
وفي ألف التأسيس وحرف الدخيل جمال أيضا كما في قول الشاعر يوسف العظم :
وفي التسبيغ والتذييل في القافية عذوبة على نحو قول الشاعر الذي جاء على ( متفاعلن متفاعلاتن ) بالتسبيغ :
وفي تقييد القافية نغمة طربة أيضا كما في قول الشاعر يوسف العظم :
وفي قوله تعالى في سورة ( ق ) : ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد . إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد . مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد . وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد . ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد . وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد . لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد .)
أي جمال وإيقاع هذا الذي يضرب على أوتار القلوب فيحركها من غفلتها بجرسه القوي الأخاذ ؟
ومن الشعر نقرأ الإيقاع العذب القوي في قول الشاعر عمر بهاء الدين الأميري :
فجر اللهم في عزمي من نورك نورا
واصطنعني لغد الإنسان في الآفاق صورا
فأنا للحق كالبرهان لايترك زورا
وعلى الباطل كالبركان ويلا وثبورا
إن دولاب الهدى في الكون دوني لن يدورا
وما أحلى هذا الإيقاع في مناجاة حسن إسماعيل لربه سبحانه :
رب إني لك عدت من سراب فيه تهت
وعلى وجهي شظايا ندم فيه انتهيت
هي نفسي وهي شيطا ني الذي منه هربت
وإلى الله بنوحي وعذاباتي اتجهت
أرأيتم أعذب وألطف من هذه الألحان ، ولهذا يقول د. شوقي ضيف : ( العربية قهرت بعذوبة لسانها وبيانها جميع اللغات التي التقت بها ونحتها عن ديارها وحلت محلها في الألسن ) ، ويقول المستشرق رينان : ( العربية فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها ) ، ويقول رفائيل بتي الذي درس تسع لغات من بينها العربية ( ليس للعربية أن تقارن إلا بالموسيقى لما فيها من انسجام وتناغم بين حروفها لمن أحسن استخدامها والنطق بها ) . وتقول المستشرقة زيغرد هونكة : ( كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم هذه اللغة ومنطقها السليم وسحرها الفريد ، فجيران العرب أنفسهم سقطوا صرعى أمام سحر تلك اللغة ، ولقد اندفع الناس الذين بقوا على دينهم يتكلمون العربية بشغف ) .
9- جمال الخط العربي
يترنم الشاعر محمد الأبرش بجمال الخط العربي فيقول :
أهواك في الخط الجميل براعة في لوحة قد زانها الإتقان
ويبدو جمال الخط العربي في زخارف المساجد والأماكن الأثرية المزينة بنقوش من آيات القرآن الكريم خاصة .
إن حروف اللغة العربية تجمعها وحدات متشابهة هي :
ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز و س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق
ك ل م ن هـ ي
ومعظم هذا الاختلاف في الحنيات فحسب
ولو قارنا بين الخط العربي والأجنبي لرأينا بونا شاسعا :
فـ ( أ ) تكتب بالأجنبية في شكلين وب تكتب فيها بشكلين أيضا وكذلك التاء والميم والنون والراء و...
والثاء تكتب بالإنكليزية بحرفين ، والحركات لاتكتب عندنا إلا عند اللبس في القراءة ، ولو كتبنا بالعربية كلمة ( دخل ) لاحتجنا إلى ثلاثة حروف ، بينما تكتب بالحروف الإنجليزية بست حروف ،
فضلا عن أن صوت الخاء غير موجود في اللغة الأجنبية ، وعلى أي حال فكتابتنا موجزة وحروفها أسهل وأوضح ، ولهذا قال أستاذ اللغة الشرقية بجامعة إستانبول إن العربية أسهل اللغات وأوضحها ، ومن العبث ابتكار طرق أخرى لتسهيل السهل وتوضيح الواضح ، إن الطلبة كانوا يكتبون الحروف العربية بسرعة لأنها مختزلة بطبيعتها ، أما الطلبة اليوم فيكتبون بالحروف اللاتينية فيتأخرون لأنها حروف معقدة .
هذا غيض من فيض يكشف عن بعض جماليات اللغة العربية نطقا وكتابة فهل يعي الجيل الناهض هذه الحقيقة فيسعى للتشبث بها والرد على أعدائها.
([1] ) اللخلخانية هي حذف بعض الحروف اللينة مثا مشاء الله بدلا من ماشاء الله .
([2] ) العنعنة هي إبدال الهمزة عينا مثا إن تصير عِن
([3] ) الكسكسة هي وضع سين بعد كاف الخطاب في المذكر دون المؤنث مثل رأيتكَس ، أما في المؤنثة فتوضع السين بدلا من الكاف مثل أخوسٍ بدلا من أخوك
([4] ) الغمغمة هي كلام مبهم لعدم تمييز الحروف وتوضيحها
([5] ) الطمطمانية هي إبدال ال التعريف همزة وميما كقول الرسول صلى الله عليه وسلم يجيب وفدا من اليمن " ليس من امبر امصيام في امسفر " . وهناك لهجات أخرى مثل التلتلة وهي كسر حرف المضارعة ، والشنشنة وهي وضع الشين بدلا من الكاف مثل " لبيش اللهم لبيش " ، والعجعجة وهي جعل الياء جيما مثل تميمج بدلا من تميمي ، والفحفحة وهي جعا الحاء عينا مثا عتى عين بدلا من حتى حين ، وهذه اللهجات كلها نأى عنها القرآن الكريم .