تعلم كيف تأكل ...
لبنى شرف / الأردن
كثير من الناس مولع بمعرفة الطريقة المثلى للأكل ، وبمتابعة كل جديد في هذا الموضوع ، وهذا شيء جيد ومطلوب ، وهو من حق البدن علينا ، ولكن يجب ألا نبالغ بهذا ، وأن لا نعطي الأمر أكثر مما يستحق ، فيضيع بسبب ذلك كثير من الوقت والجهد والمال ، فنحن لم نخلق لناكل ، ولكننا نأكل لنستعين بذلك على أداء مهمتنا التي خلقنا من أجلها ، فلا يجب أن يطغى اهتمامنا بتغذية الجسد على جانب اهتمامنا بتغذية الروح والعقل !! .
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته فانت بالروح لا بالجسم إنسان
وقال آخر :
ولا خير في حسن الجسوم وطولها إذا لم يزن حسن الجسوم عقول
ثم إن الأمر ليس معقدا إلى تلك الدرجة ، فهنالك قواعد أساسية وجوهرية لو اتبعناها لساعدتنا في الوصول إلى صحة جيدة ، وفي التخلص والوقاية من مشاكل عدة ، بإذن الله تعالى .
أولى هذه القواعد أن يتحرى المرء الطعام الحلال الطيب ، يقول تعالى في سورة المائدة (88) :" وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ..:" ، ويقول عليه الصلاة والسلام :" أطب طعمتك تستجب دعوتك " . ويقول الإمام الغزالي في الرضيع : ... فلا يستعمل في رضاعه وحضانته إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال ، فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه .
ثم لابد أن يتذكر ويستشعر المرء عظيم نعم الله على عباده ، فيشكره ويحمده عليها . يقول عليه السلام :" إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكل فيحمده عليها ، ويشرب الشربة فيحمده عليها " ، فبالشكر تدوم النعم :" وإذ تأذن ربكم لإن شكرتم لأزيدنكم .." إبراهيم(7) .
قاعدة أخرى مهمة ، وهي أن يتحرى المرء الطعام الطبيعي الخالي من الإضافات الغذائية – كالمواد الحافظة والملونة ....- ، فيبتعد مثلا عن تناول الطعام المعلب ، ومن الأفضل أن يأكل الطعام في موسمه .
ومن القواعد أيضا أن لا يأكل المرء إلا إذا جاع ، وينبغي ألا يصل إلى درجة الشبع . سأل رجل القاضي يحيى بن أكثم : كم آكل ؟ فقال : فوق الجوع ودون الشبع . وينوي بأكله أن يتقوى على طاعة الله . وأن يلتزم بآداب الأكل ، يقول الإمام الغزالي في الآداب حالة الأكل : "وهو أن يبدأ بسم الله في أوله ، ويحمد الله تعالى في آخره ، ومن ذلك أن يأكل باليمنى ، ويصغر اللقمة ويجود مضغها ، ومن ذلك أن يأكل مما يليه ، وأن لا ينفخ في الطعام الحار ." ولا ينبغي أن ننسى غسل اليدين قبل الأكل وبعده .
والشأن في المؤمن أن يتجنب الشره ، فلا يأكل حتى تمتلئ معدته ، يقول عليه السلام :" ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه ، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه " . يقول الإمام الغزالي : ومقام العدل في الأكل رفع اليد مع بقاء شيء من الشهوة ، فلا يحس المتناول بجوع ولا شبع ، فحينئذ يصح البدن ، وتجتمع الهمة ، ويصفو الفكر ، ومتى زاد في الأكل أورثه كثرة النوم ، وبلادة الذهن ، ويجلب أمراضا أخر .
وقال عقبة الراسبي : دخلت على الحسن وهو يتغدى ، فقال : هلم ، فقلت : أكلت حتى لا أستطيع ، فقال : سبحان الله ! أويأكل المسلم حتى لا يستطيع أن يأكل ؟! ز وقال لقمان لابنه : إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة . وقال عمر – رضي الله عنه - : أيها الناس ، إياكم والبطنة من الطعام ، فإنها مكسلة عن الصلاة ، ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه . وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب : ولو لم يكن في الامتلاء من الطعام إلا أنه يدعو إلى الغفلة عن ذكر الله ، فإذا غفل القلب عن الذكر ساعة واحدة غلبه الشيطان ، وشهاه ، وهام به في كل واد ، فإن النفس إذا شبعت تحركت ، وطافت على أبواب الشهوات ، فإذا جاعت سكنت وذلت .
ولقد كان عليه السلام يعصب على بطنه الحجرمن الجوع ، ولا يأكل متكئا ، ويتنفس في شربه ثلاثا .
حاولوا أن تطبقوا هذه القواعد ، وأن تمشوا يوميا لمدة نصف ساعة تقريبا ، وستحصلون على نتائج طيبة بإذن الله تعالى .