الحركات الإصلاحية 12
(12) جمال الدين الأفغاني رحمه الله 1839 – 1897
وجهوده الإصلاحية
د. موسى الإبراهيم
[email protected]
أولاً- التعريف والملامح العامة
ثانياً- مقاومة الاستعمار والفكر الإسلامي الموالي له
ثالثاً- مزايا الإسلام كما يعرضها الأفغاني
رابعاً- مقاومة الاستعمار البريطاني
خامساً- منهج الأفغاني لإعادة قوة المسلمين
سادساً- وسائل مواجهة الاستعمار
سابعاً- الأفغاني وابن تيمية
ثامناً- وفاة الأفغاني وآثاره
تاسعاً- ملاحظات وانتقادات على الأفغاني.
جمال الدين الأفغاني رحمه الله
ومنهجه في الإصلاح
1839- 1897
أولاً- التعريف والملامح العامة:
- جمال الدين الأفغاني زعيم من زعماء الحركات الإسلامية الإصلاحية في النصف الثاني
من القرن التاسع عشر
- وقد سبقه السنوسي في النصف الأول، ومحمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر.
- كان الأفغاني رحالة جاب الشرق والغرب.
- كان يضع أمام سامعيه مثلاً منظوراً يريد أن يصل إليه المسلمون عن طريق التمسك
بإسلامهم الذي أودع في كتاب الله تعالى لا الذي شوهته العقول.
- كان الأفغاني يتحدث عن الأمة أكثر من الفرد المسلم وكان يتحدث عن ما يجب أن يكون
عليه حال الأمة مع الحاكم من المشورة لا على أنها علاقة السيد بالعبيد.
- بدأ نشاطه سياسياً بشكل عام، ومرجعه القرآن الكريم وحده.
- حركة الأفغاني امتداد للكفاح الإسلامي في تاريخ الأمة الإسلامية وليست منعزلةً
عنه.
- والكفاح الإسلامي له ألوان متعددة عبر التاريخ.
- أيام الفلسفة الإغريقية كان كفاحاً فكرياً
- أيام ابن تيمية كان كفاحاً ضد الصليبيين والتتار بالجهاد
- أيام محمد بن عبد الوهاب كان كفاحاً ضد البدع والخرافات
- أيام جمال الدين الأفغاني كان كفاحاً سياسياً ضد الاستعمار الغربي
- حركة الأفغاني، مظهرها سياسي وجوهرها إسلامي.
- كان الأفغاني ينتقد سلطان الأستانة وخديوي مصر وشاه إيران لعدم إعطائهم الحرية
لشعوبهم.
- كان يدعو إلى الترابط الوثيق بين المسلمين وغيرهم في الأوطان الإسلامية متأثراً
بتاريخ الفتوحات الإسلامية الأولى.
- وكان يدعو إلى نبذ الخصومة بين الشيعة والسنة...
ثانياً- جمال الدين الأفغاني يقاوم الاستعمار والفكر الإسلامي الموالي له:
يرى جمال الدين الأفغاني أن أسلوب الاستعمار الغربي يتخذ صوراً مختلفة للقضاء على
الشخصية الإسلامية التي مصدرها القرآن الكريم والتي تجمع بين المسلمين في رباط
واحد.
وأخطر صورة يراها بين تلك الصور تلك الصورة التي تسعى لإفساد عقيدة المسلم إما
بتشكيكه فيها أو بمحاوله صرفه عنها.
وعنى بذلك المذهب الطبيعي.. ويمثل له بالمذاهب التالية:
- مذهب أبيقور في الشعب الإغريقي القائم على الإباحية.
- مذهب مزدك في الشعب الفارسي القائم على
الإباحية.
- مذهب الباطنية في شعب الجماعة الإسلامية.
- مذهب العصر الجديد في الشعب التركي.
- مذهب الاشتراكية في الشعب الروسي.. وغيرها من المذاهب.
ثالثاً- مزايا الإسلام كما يعرضها الأفغاني:
يركز
الأفغاني على بعض المزايا التي تفرد بها الإسلام وهو يرد على الطبيعيين فيقول:
إن الإسلام في مقدمة الأديان من حيث حاجة البشرية إليه لأن له مزايا ليست
متوفرة في دين آخر منها:
1. صقل العقول بصقل التوحيد وتطهيرها من الأوهام.
2. محق امتياز الأجناس وتفاضل الأصناف.. فالناس إنما يتفاضلون بالعقل والفضيلة.
3. جعل العقيدة قائمة على الاقتناع لا على التقليد واتباع الآباء.
4. نصب المعلم ليؤدي عمل التعليم وأقام المؤدب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
رابعاً- مقاومة الاستعمار البريطاني:
لقد كان لجمال الدين الأفغاني كفاح في مواجهة الاستعمار البريطاني وخاصة في الهند
ومصر لاحتكاكه المباشر به في تلك البلاد.
- وقد نفاه البريطانيون من مصر بمشورة من القنصل الإنجليزي (فيفان) على الخديوي
(توفيق) عام 1879. أي قبل الاحتلال المباشر لمصر الذي تم عام 1882. وذلك بتهمة
تشكيله جمعية من الشباب ذوي الطيش تعمل على فساد الدين والدنيا.
- وكان الأفغاني نُفي من قبل من أفغانستان إلى الهند بالدسائس الإنجليزية بين
الأفغان..
- ومن أقواله للشعب المصري: يا أيها المصريون هذه دياركم وأعراضكم وعقائد دينكم
وأخلاقكم وشريعتكم قبض العدو على زمام التصرف فيها غيلة واختلاساً.
فقد رأيت أنه أفسد شؤونكم وأقلق راحتكم ووهب من بلادكم لأعدائكم وأضر بمنافعكم
العامة وقصد إلى التدخل بما يختص بكم..
- واستمر جمال الدين بهذا الأسلوب يوقظ المسلمين بوحي من دينهم كي يتعاونوا على من
يذلهم ويستعبدهم..
- ولم يفتأ يصور الإنجليز في صورة المنتهك للحرمة والغاصب والمستعبد ويوجه المسلمين
إلى أن دينهم يحتم عليهم إجلاءهم عن ديارهم.
خامساً-
منهج الأفغاني للإعادة قوة المسلمين:
يتلخص هذا المنهج في قوله:
1. أرجو أن يكون سلطان جميع المسلمين القرآن ووجهة وحدتهم الدين.
2. ويقول: هل تعجب أيها القارئ من قولي: إن الأصول الدينية الحقة المبرأة عن محدثات
البدع تنشئ للأمم قوة الاتحاد وائتلاف الشمل وتفضيل الشرف على لذة الحياة، وتبعثها
على اقتناء الفضائل وتوسيع المعارف وتنتهي بها إلى أقصى غاية في المدينة.
3. ويقول: إن القرآن حي لا يموت. ومن أصاب نصيباً من حمده فهو محمود، ومن أصيب من
مقته فهو ممقوت.
4. وفي الظن أن العلماء لو قاموا بهذه الفريضة- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-
زمناً قليلاً.. لرأينا لذلك أثراً في هذه الملَّة أبد الدّهر.
5. إن حركتنا الدينية كناية عن الاهتمام بقلع ما رسخ في عقول العوام ومعظم الخواص
من فهم بعض العقائد على غير وجهها مثل:
- حملهم نصوص القضاء والقدر على معنى يوجب عليهم ألا يتحركوا إلى طلب مجد أو تخلص
من ذل.
- ومثل فهمهم لبعض الأحاديث الشريفة الدالة على فساد آخر الزمان فهماً يثبط
هممهم عن السعي وراء الإصلاح والنجاح مما لا عهد للسلف الصالح به.
6. فلا بد من بعث القرآن الكريم وبعث تعاليمه الصحيحة بين الجمهور وشرحها
على وجهها الثابت.
7. ولا بد من تهذيب علومنا وتنقيح مكتبتنا ووضع مصنفات فيها قريبة سهلة الفهم...
سادساً- وسائل مواجهة الاستعمار:
1. إيقاظ روح التضامن الإسلامي.
2. التمسك بالقرآن الكريم.
3. إلغاء العصبية المذهبية.
4. طرح التقليد الحزبي.
5. إعمال الاجتهاد في فهم القرآن الكريم والموائمة بين مبادئه وظروف الحياة.
سابعاً- الأفغاني وابن تيمية:
ليس هناك خلاف بين الاثنين سوى أن ابن تيمية برهن كعالم إسلامي مطلع واستخدم الدليل
الديني والمنطقي في تدعيم رأيه وكتب وراسل وألف..
أما جمال الدين الأفغاني فاتخذ أسلوب الإثارة وإيقاظ الوعي. فتحدث وخطب
واتصل بزعماء المسلمين وقادتهم، اتصالاً شخصياً مستحثاً هممهم لمقاومة الاستعمار
الغربي.
- ابن تيمية كتب وألف.. لأن خصومه في داخل الجماعة الإسلامية دفعوه إلى الحجاج
والنزاع العلمي...
- أما الأفغاني فقد حدد له خصومه – المستعمرون –
نوع الوسيلة التي يقاوم بها وهي (الإثارة والتكتيل الشعبي).
- * ومع ذلك فقد خلف جمال الدين الأفغاني جيلاً من القادة بعد وفاته على أساس من
المعرفة والتبصير الهادئ الرزين، وعلى أساس من فهم صحيح للإسلام وتعاليمه.. وذلك
مثل الشيخ محمد عبده.
- ولم يكن الأفغاني قائد شعب ضد استعمار أجنبي فحسب بل كان مع ذلك رائد فكرة وفهم
سليم للإسلام.
ثامناً- وفاة الأفغاني وآثاره:
- توفي الأفغاني عام 1897 بعد صراع مع الاستعمار لمدة 30 عاماً.
- وبعد وفاته انتشر كفاحه وفكره في أنحاء العالم الإسلامي.
- مات في استانبول وظهر أثره في:
- مصر.. محمد عبده والمدرسة السلفية.
- الجزائر.. جمعية العلماء المسلمين بقيادة الشيخ عبد الحميد بن باديس 1940.
- إندونيسيا.. حركة تجديد المنار.
- الهند.. جماعة أهل الحديث، وندوة العلماء.
رحمه الله رحمةً واسعةً وأجزل ثوابه[1]
تاسعاً- ملاحظات وانتقادات على الأفغاني:
- لقد كانت شخصية جمال الدين الأفغاني شخصية آسرة ومحيرة ولقد اختلفت فيه الأنظار
اختلافاً واسعاً ومتبايناً جداً
- فهناك من جعله مصلحاً ومجدداً وباعث النهضة الجديدة في الأمة الإسلامية- وهناك من
جعله رافضياً ماسونياً واتهمه آخرون بالمروق من
الدين.
- والحق أنه يجب الإنصاف ويُعطى الرجل ماله ويؤخذ عليه ما عليه. - فالصفحات السابقة
في الحديث عنه صفحات مشرقة، وسأذكر هنا معظم المآخذ التي أُخذت على الرجل مع توجيه
بعضها إن شاء الله-:
1. نسب الأفغاني، وهل هو أفغاني أم إيراني- وهناك مساجلات طويلة حول هذا الموضوع-
ولعل دعوة جمال الدين إلى التفاهم بين الشيعة والسنة كانت سبباً في هذا الاتهام
والله أعلم بالحقيقة.
2. اتُهم بأنه كان يدعو إلى التفرنج والتغريب باسم الإسلام. وأظن أن هذه التهمة
ينقصها الدليل.
3. أخذ عليه بعضهم ميله الشديد إلى السياسة.. وما أرى هذه تهمة.
4. كما اتهمه بعضهم بأنه يدعو إلى الزندقة باسم الإسلام- وهذه تهمة كبيرة لم يقدم
عليها دليل أيضاً.
5. اتُهم بالدعوة إلى التحلل من القيود الشرعية باسم الدعوة إلى الحرية.. وهذا
يحتاج إلى دليل أيضاً.
6. الجامعة الإسلامية، كان الأفغاني من أبرز دعاتها وظن البعض أنه صاحب فكرتها
والحق أن صاحب الفكرة السلطان عبد الحميد رحمه الله واستعان بالأفغاني للترويج لها.
وقالوا عن الأفغاني بأنه يريد جامعة للشرق تشمل المسلمين وغيرهم وتستر لذلك بالدعوة
إلى الجامعة الإسلامية، وأظن أن هذا الأمر يعوزه المزيد من التثبت والتحقيق.
7. أُخذ على الشيخ أيضاً دعوته إلى توحيد الأديان الثلاث وقد ورد ذلك في خاطراته
بكلام يدل على هذه التهمة ولكن لم يوضح الأفغاني دعوته تلك ولم يبين كيف يمكن أن
يتم ذلك، ولم يكن هذا الأمر من الأمور الواضحة في حياة الأفغاني في المجال العلمي،
ويبقى على كل الأحوال هذا الأمر مرفوضاً أياً كان الداعي إليه.
8. دعوته إلى القومية العربية وأنه كان يردد شعار مصر للمصريين، وأنه دعا الأتراك
أن يستعربوا ويحكموا بالإسلام حتى يتم لهم التمكن..
وأرى أن هذا الأمر يحتاج إلى دراسة وتحقيق أكثر حتى تتضح دلالاته ويتحرى وجه الصواب
فيه.
9. دعوته إلى الوطنية.
10. دعوته إلى الاشتراكية.
11. دعوته إلى السفور ونُقل عنه قوله: وعندي لا مانع من السفور إذا لم يُتخذ مطيةً
إلى الفجور.
12. انتماؤه إلى الماسونية.
وتعد هذه أخطر تهمة توجه للأفغاني وهي ثابتة عليه ولكن من يدافع عن الشيخ يقول: إن
الماسونية يومها لم تكن معروفة ولم يكن أمرها واضحاً، وأن الشيخ أراد أن يدخلها
ليعرف حقيقتها وأبعادها ولعله أن يصلح فيها من داخلها
- ولكن يبعد أن يكون مثل الشيخ بفقهه ووعيه، يبعد أن يكون جاهلاً بالماسونية.. أما
أن يكون له وجه نظر في انتمائه إليها واجتهد في كشفها وإصلاحها فالله وحده الذي
يعلم حقيقة ذلك.
ونسأل الله أن يعفوا عنا وعن سائر علمائنا ومفكرينا إنه تعالى قريب مجيب وصلى الله
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1.
كتاب الفكر الإسلامي وصلته بالاستعمار الغربي, د.محمد البهي ص61_91