معركة (هرمجدون) ...

معركة (هرمجدون) ...

وتعاليم الكنيسة (التدبيرية)

راسم المرواني

العراق / عاصمة العالم المحتلة

[email protected]

(التدبيريون) أو أتباع (الكنيسة التدبيرية) ، هم طائفة مسيحية من أصول (بروتستانتية) , نشأت أفكارها مع انشقاق (البروتستانت) عـن الكنيسة (الكاثوليكية) في القرن السادس عـشر الميلادي ، وخصوصاً بعـد فشل الكنيسة الكاثوليكية في الحروب الصليبية وفقدانها المصداقية لدى الأوربيين .

كما أن هناك عوامل مهمة ساعدت على نشأة هذه الطائفة كان من أهمها الفساد الأخلاقي للقساوسة والكرادلة والباباوات ، وبالتالي فقد صاغت هذه الطائفة لنفسها عـقيدة تتعـلق بعودة المسيح والعلامات التي تسبق عـودته .

ومن المعروف أن البروتستانت كانوا قد قاموا بترجمة التوراة والإنجيل إلى اللغات الأوربية ، وأشاعوا حق اقتنائهما وقرائتهما وتفسيرهما ، بعد أن كان حق (فهمهما) وتفسيرهما واقتنائهما حصراً على (البابا) .

إن إلحاق التوراة (العهد القديم) بالإنجيل (العهد الجديد) وشيوع قرائتهما وتفسيرهما لدى البروتستانت عموماً ، ولدى أتباع الكنيسة التدبيرية كان قد كون لديهم مفهوم تعـظيم إسرائيل واليهود ، ونشأت من خلال ذلك (ثقافة) توراتية لدى البروتستانت حتى بلغ الأمر بتسميتهم بـ (أشباه اليهود) أو (أنصاف اليهود) ، ويمكن ملاحظة التغيرات (التوراتية) على البروتستانت عبر النقاط التالية :-

1/ كانت البروتستانتية في بعـض مظاهرها تمثل عـودة للديانة اليهودية وذلك عـبر تشديدها عـلى قراءة التوراة وخاصة أسفار الأنبياء والمزامير

2/ بدأ البروتستانت يصفون أنفسهم بأنهم (الشعـب المختار) كنوع من أنواع التأثر المتناغم مع شعار اليهود الذي (يدعي) بأنهم (شعب الله المختار) .

3/ بدأ البروتستانت بتسمية أبنائهم بأسماء يهودية ، وقد أشيعت هذه الأسماء بين أبناء هذه الطائفة .

4/ بدأ الإنزياح (المجتمعي) نحو أدبيات اليهود بحيث أخذت بعـض الفرق البروتستانتية الاحتفال بيوم السبت بدلاً عن يوم الأحد .

5/ على خلاف القساوسة (الكاثوليك) ، فقد نشأت لدى أبناء وقساوسة البروتستانت ثقافة السماح بـ (زواج القساوسة) تقليداً لأحبار اليهود .

وبالتالي ، فقد كانت بداية القرن السابع عـشر الميلادي تمثل بالنسبة للبروتستانت بداية جديدة لأفكار ومعتتقدات ورؤى تصب في بودقة التعاليم اليهودية بشكل واضح وجلي ، حيث نشاهد ما يلي :-

1/ بدأ جزء كبير من أبناء طائفة البروتستانت يعـتقدون أن اليهود هم المفتاح الأساسي للرؤى الإنجيلية .

2/ أخذ المسيحيون البروتستانت يعتقدون بأن هجرة اليهود إلى فلسطين وتجميعهم فيها شرط (مهم) لتحقيق المجيء الثاني للمسيح (عودة المسيح) ، ولذا ، فقد أعـلن (أوليفر كرمويل) :- أن الوجود اليهودي في فلسطين هو الذي يمهد للمجيء الثاني للمسيح .

وأعـلن البروتستانتي الألماني (بول فلجن هوفر) :- أن اليهود سوف يعـترفون بالمسيح عـلى أنه مسيحهم عـند مجيئه الثاني وأن مما يثبت عـودة المسيح هو عـودة اليهود إلى البلد الذي منحهم الله إياه من خلال وعـده الذي قدمه لإبراهيم .

وعلى هذا الأساس ، وفي منتصف القرن السابع عـشر بدأ البروتستانت في كتابة معاهدات تعلن أن (عـلى جميع اليهود مغادرة أوربا إلى فلسطين) .

3/  وهنا نشأ اعتقاد آخر ، هو أن مساعـدة اليهود لتحقيق هذه الغاية أمر يريده الله لأنه يعجل بمجيء المسيح الذي يحمل الخلاص والسلام ،

4/ بدأ البروتستانت يعتقدون أن النصارى المخلصين سيعـيشون مع السيد المسيح في فـلسطين ألف سنة في رغـد وسلام قبل يوم القيامة طبقا لتفسيرهم لسفر رؤيا يوحنا .

ولذا ، ففي المؤتمر الأول للحركة الصهيونية في بازل سنة 1897م حضر القس البروتستانتي (وليام هشلر) إلى قاعة المؤتمر برفقة (هرتزل) وخطب في الصهاينة قائلا : استفيقوا يا أبناء إسرائيل فالرب يدعـوكم للعـودة إلى وطنكم القديم فلسطين

أما بالنسبة للمسيحيين الكاثوليك ، فقد كانوا يعتقدون بأن (مقاطع معـينة) من الإنجيل يجب أن تفهم (معـنويا) وليس (لفظيا) ، وكمثال عـلى ذلك فإن (القدس) و (صهيون) مفتوحان للنصارى في السماء وليسا مكانا محددا على الأرض حتى يسكنه اليهود بصورة مطلقة .

 مواقف (بريطانية)

 بسبب إيمان الإنجليز بوجوب هجرة اليهود إلى فلسطين بناءا عـلى فهمهم للتوراة ، نلاحظ مجموعة من الخطوات التي تشير الى موقف الكنيسة الإنجليزية :-

1/ خلال القرن التاسع عشر أخذ البريطانيون في دعوة حكومتهم إلى نقل اليهود إلى فلسطين وإقامة دولة لهم عـلى أرضها .

2/ تأريخياً ، فإن (إدوارد بتفورد) من مكتب المستعـمرات في لندن قد اقترح في سنة 1845م إقامة دولة يهودية في فلسطين تكون تحت حماية بريطانيا ، غـلى أن ترفع الوصاية عـنها بمجرد أن يصبح اليهود قادرين عـلى الاعـتناء بأنفسهم ، وقال(بتفورد) : إن دولة يهودية ستضعـنا في مركز القيادة في الشرق بحيث نتمكن من مراقبة عـملية التوسع والسيطرة عـلى أعـدائنا والتصدي لهم عـند الحاجة .

3/ قامت (كنيسة إنجلترا) بدور فعال في قيام الكيان الصهيوني عـن طريق حشد الرأي العام الغـربي والمؤسسات الحكومية الرسمية إلى جانب الصهاينة .

4/ كما قامت (كنيسة إنجلترا) بجمع الأموال وتشجيع اليهود عـلى الهجرة إلى فلسطين .

5/ حث اللورد (انتوني كوبر) اليهود في مقال منشور بعـنوان (الدولة وآفاق المستقبل أمام اليهود) عـلى الهجرة إلى فلسطين ، وقال :- أنهم يلعـبون دورا رئيسيا في الخطة الإلهية حول المجيء الثاني للمسيح الذي سيتحقق عـندما يعـيش اليهود في إسرائيل .

وقام لتحقيق مسعاه بالتأثير عـلى عـمه اللورد (بالمرستون) وزير خارجية بريطانية لفتح قنصلية بريطانية في القدس وتم تعـيين الإنجيلي (هو وليم يونغ) نائبا للقنصل في القدس في سنة 1839م ،

5/ كتب (هنري تشرشل) ضابط الأركان البريطانية في الشرق الأوسط في عام 1841م إلى (موسى مونتغـيور) رئيس مجلس الممثلين اليهود في لندن قائلا : لا أستطيع أن أخفي رغبتي الجامحة في أن أرى شعـبك يحقق مرة أخرى وجوده كشعـب .

مواقف (أمريكية)

وكانت الولايات المتحدة أكثر تشبعا بالروح اليهودية من البريطانيين ، حيث :-

1/ أطلق المستوطنون الأوائل عـلى (أمريكا) إسم (أرض الميعاد) .

2/ أطلقوا عـلى أنفسهم (الشعب المختار) .

3/ تصوروا الهنود الحمر عـلى أنهم أعـداء اليهود من الفلسطينيين والموأبيين والعـمونيين وغـيرهم .

4/ كما أن أول صحيفة صدرت في الولايات المتحدة بعـنوان (اليهودي) .

5/ قام القنصل الأمريكي في القدس (وردر كرسيون) في سنة 1840م بمساعـدة اليهود عـلى إقامة مستوطنة يهودية بدعم من جمعـية صهيونية في إنجلترا .

6/ قام قس ايرلندي يدعى (جون نلسون داري) وكان قسيس في (كنيسة إنكلترا) , بعـدة زيارات إلى الولايات المتحدة وكندا , ثم قام مع أمريكي يدعى (سايروس إنجيرزون سكوفيلد) بعـقد عدة مؤتمرات بداية من سنة 1875م حول (النبؤات) في التوراة والإنجيل مع التركيز عـلى اعـتقاده بأن (مخطط الله عـلى الأرض) من أجل إسرائيل و(مخطط الله في السماء) من أجل خلاص المسيحيين .

رأى (سكوفيلد) ضرورة كتابة ملاحظات تفسر نظامه الإيماني في (مرجع إنجيلي) ، وقد طبع أول مرجع إنجيلي له في سنة 1909م وأصبح أكثر الكتب المتداولة حول النصرانية , وكانت تباع منه ملايين النسخ .

 أراء الكنيسة التدبيرية

1/ كانت نظرة (سكوفيلد) إلى تاريخ الإنسانية أنه ينقسم إلى مراحل محدده منها المرحلة التدبيرية التي قال عنها :- (إنها مرحلة من الوقت حيث يمتحن الإنسان بالنسبة إلى طاعة إرادة الله التي تظهر في هذه الفترة المحددة) .

ويلاحظ أن هناك سبع مراحل مميزة واردة في هذه النصوص , وكان اعـتقاده أن العالم سوف يصل إلى نهايته بكارثة وبدمار وبمأساة عالمية نهائية , واستثنى منها بعـض النصارى بقوله :- (إن المسيحيين المخلصين يجب أن يرحبوا بهذه الحادثة لأنه بمجرد ما تبدأ المعركة النهائية فإن المسيح سوف يرفعهم إلى السحاب وأنهم سوف ينقذون , وأنهم لن يواجهوا شيئا من المعاناة التي تجري تحتهم) .

2/ اعـتقد الإنجيليون التدبيريون أنه :- (لن يكون هناك سلام حتى يعـود المسيح وأن أي تبشير بالسلام قبل هذه العـودة هو هرقطة وأنه ضد كلمة الله وأنه ضد المسيح) ، وقد زاد إيمان هولاء بمعتقداتهم بعـد قيام دولة الصهاينة واعتبروه بداية تحقيق عـودة المسيح وحثوا حكومتهم عـلى تأيديها , وأن معـركة (هرمجدون) باتت قريبة .

3/ لقد صاغـوا نظريتهم عـن الحرب بعـد اكتشاف الذرة وبروز الاتحاد السوفيتي كقوة عالمية , فقالوا أن معـركة هرمجدون سوف تكون (معـركة نووية) وأنها سوف تكون ضد الاتحاد السوفيتي والدول العـربية المتحالفة معه وأن ساحة المعـركة الرئيسية ستكون عـلى أرض فلسطين ، وقد زاد إيمان هولاء بخرافاتهم كما زاد عـدد أتباعهم بعـد هزيمة العـرب في سنة 1967م .

4/ اعـتقدوا اعـتقادا جازما أن انتصار اليهود معجزة إلهية ، وأن الله يحرس اليهود ، وانه نصر شعـبه المختار في تدبير منه في خطة موضوعة لوصول البشرية إلى معـركة هر مجدون التي اقترب وقتها وأن دعـمهم لليهود هو قربة لله .

ولم يهمهم عـند تقديمهم الدعم لليهود ما يحل بالفلسطينيين أو أنهم يقدمون الدعم للبغي والعـدوان لأنهم يعـتقدون أنهم ينفذون مشيئة الله مقتنعـين بقول لوثر : (إن اليد التي تدير السيف الدنيوي ليست يدا بشرية وإنما هي يد الرب والرب لا الإنسان هو الذي شنق ويجلد بالسياط والرب هو الذي يشهر الحرب) .

ولذلك اعـتبروا أن غـزو اليهود للبنان عـملا من إرادة الله وأنها حرب مقدسة تنسجم مع التوراة وتؤكد نظرياتهم حول النبؤات التوراتية الإنجيلية باقتراب هر مجدون .

 الخطوة الأولى تبدأ من العراق

 وبعـد انهيار الاتحاد السوفيتي قاموا بالتركيز عـلى المسلمين والعـرب وخاصة العـراق عـلى اعـتبار أنه حسب نظرياتهم أن المسيح لن يعـود قبل بناء الهيكل عـلى أنقاض المسجد الأقصى وأن الهيكل لن يبنى قبل دمار بابل أي العـراق , ولذلك كان التركيز عـلى العـراق ليس كهدف استراتيجي من ناحية النفط والموقع والقوة وإنما لدوافع دينية للوصول إلى هر مجدون التي يعـتقدون بها .

ويقوم الإنجيليون التدبيريون بكل ما استطاعوا عـبر المحطات التلفزيونية والإذاعات والصحف ببث هذه الحماقات والتي يصل عـدد المؤمنين بها إلى أكثر من 60 مليون شخص في الولايات المتحدة .

 شخصيات أمريكية تابعة للكنيسة التدبيرية

 ومن أبرز الذين يرجون لهذه الأفكار (جيري فالويل) و (بات روبرتسون) و (جيمي سواغـرات) و (بيلي غـراهام) وابنه (فرانكلين) وكثيرين غـيرهم من الذين يريدون دفع العالم إلى حرب نووية .

وقد آمن بهذه الأفكار العـديد من الأمريكان من أصحاب المناصب والنفوذ السياسي والمالي في أمريكا كان من بينهم رؤساء من أبرزهم (رونالد ريغان) الذي قال : (إني أرجو أن أكون الرئيس الذي يضغـط عـلى الزر النووي) .

ومنهم (بيلي غـراهام) الذي كان يعـمل قسيساً في البيت الأبيض وقد أقسم العـديد من الرؤساء الأمريكان أمامه قسم تولي الرئاسة وخلفه الآن في منصبه ابنه (فرانكلين) .

كما يؤمن بهرمجدون العـديد من النواب الكونغرس وأعـضاء مجلس شيوخ وكذلك صحفيون ورجال أعمال وشرائح أخرى من المجتمع الأمريكي ، والإدارة الأمريكية الحالية هي أكثر الإدارات الأمريكية تطرفا وإيماننا بهذه الخرافات.

ويعـتبر الرئيس الأمريكي (بوش) هو أحد تلاميذ (جيري فولويل) وقد قدم له الإنجيليون التدبيريون دعـما كبيرا أثناء ترشحه لرئاسة .

ومن أجل الوصول إلى هرمجدون يقوم الإنجيليون التدبيريون اليوم بحملة للتحريض ضد المسلمين ، وقد طال حقدهم النبي محمد صلى الله عـليه وآله وسلم محاولين بذلك شن حملة على الإسلام والمسلمين والتمهيد لتوجيه ضربة للمسلمين وتهيئة الرأي العام في أمريكا وأوربا إلى ذلك .