عيد الحب
إبراهيم بن محمد الحقيل
أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى اختار لنا الإسلام ديناً كما قال تعالى: (((إن الدين عند الله الإسلام))) (آل عمران: 19) ـ ولن يقبل الله تعالى من أحدٍ ديناً سواه كما قال تعالى: (((ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين))) (آل عمران: 85) ـ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسُ محمدٍ بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار." ـ رواه مسلم 153 ـ
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلاً بمثل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله" أخرجه الحاكم 1/129.
أولاً: أن أصله عقيدة وثنية عند الرومان، يُعبر عنها بالحب الإلهي للوثن الذي عبدوه من دون الله تعالى. فمن احتفل به فهو يحتفل بمناسبة تُعظم فيها الأوثان وتُعبد من دون من يستحق العبادة وهو الخالق سبحانه وتعالى، الذي حذرنا من الشرك ومن الطُرق المفضية إليه، فقال تعالى مخاطباً الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (((ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. بل الله فاعبد وكن من الشاكرين))) ـ الزمر: 65 ، 66ـ .
وقضى سبحانه بأن من مات على الشرك الأكبر لا يجد ريح الجنة، بل هو مخلدٌ في النار أبداً كما قال الله تعالى: (((إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يُشرك بالله فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً))) ـ النساء: 116ـ .
ـ الوجه الأول: أن الأعياد في الإسلام عبادات تقرب إلى الله تعالى وهي من الشعائر الدينية العظيمة، وليس في الإسلام ما يُطلق عليه عيد إلا عيد الجمعة وعيد الفطر وعيد الأضحى. والعبادات توقيفية، فليس لأحد من الناس أن يضع عيداً لم يُشرعه الله تعالى ولا رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وبناءاً عليه فإن الاحتفال بـ "عيد الحب" أو بغيره من الأعياد المُحدثة يُعتبر ابتداعاً في الدين وزيادة في الشريعة، واستدراكاً على الشارع سبحانه وتعالى.
ـ الوجه الثاني: أن الاحتفال بـ "عيد الحب" فيه تشبه بالرومان الوثنيين ثم بالنصارى الكتابيين فيما قلدوا فيه الرومان وليس هو من دينهم. وإذا كان يُمنع من التشبه بالنصارى فيما هو من دينهم حقيقة إذا لم يكن من ديننا فكيف بما أحدثوه في دينهم وقلدوا فيه عباد الأوثان!؟
1 ـ فمن القرآن قول الله تعالى: (((ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم))) ـ آل عمران 105 ـ ، وقال تعالى: (((ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون))) ـ الحديد 16 ـ فالله تعالى حذر المؤمنين من سلوك مسلك أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ الذين غيَّروا دينهم، وحرَّفوا كتبهم، وابتدعوا ما لم يُشرع لهم، وتركوا ما أمرهم الله تعالى به.
2 ـ ومن السنة قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "من تشبه بقومٍ فهو منهم". ـ أخرجه أحمد 2/50 وأبو داود 4021 ـ وقال شيخ الإسلام: "هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى: (((ومن يتولهم منكم فإنه منهم))) ، وقال الصنعاني: "فإذا تشبه بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر، فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال: يكفر، وهو ظاهر الحديث، ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدب" ـ سبل السلام 8/248 ـ.
ـ الوجه الثالث: أن المقصود من عيد الحب في هذا الزمن إشاعة المحبة بين الناس كلهم مؤمنهم وكافرهم وهذا مما يُخالف دين الإسلام فإن للكافر على المسلم العدل معه، وعدم ظلمه، كما أن له إن لم يكن حربياً ولم يُظاهر الحربيين البر من المسلم إن كان ذا رحم عملاً بقوله تعالى: (((لا ينهاكم الله عن الذين لم يُقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين))) ـ الممتحنة: 8 ـ. ولا يلزم من القسط مع الكافر وبره صرف المحبة والمودة له، بل الواجب كراهيته في الله تعالى لتلبسه بالكفر الذي لا يرضاه الله سبحانه كما قال تعالى (((ولا يرضى لعباده الكفر))) ـ الزمر: 7 ـ.
وقد أوجب الله تعالى عدم مودة الكافر في قوله سبحانه: (((لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم))) ـ المجادلة: 22 ـ ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "فأخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يواد كافراً، فمن واد الكفار فليس بمؤمن، والمشابهة الظاهرة مظنة المودة فتكون محرمة" ـ الاقتضاء 1/490 ـ ، وقال أيضاً: "المشابهة تورث المودة والمحبة والموالاة في الباطن كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر" ـ الاقتضاء 1/488 ـ.
الوجه الرابع: أن المحبة المقصودة في هذا العيد منذ أن أحياه النصارى هي محبة العشق والغرام خارج إطار الزوجية. ونتيجتها: انتشار الزنى والفواحش، ولذلك حاربه رجال الدين النصراني في وقت من الأوقات وأبطلوه ثم أُعيد مرة أخرى.
أولاً: عدم الاحتفال به، أو مشاركة المحتفلين به في احتفالهم، أو الحضور معهم لما سبق عرضه من الأدلة الدالة على تحريم الاحتفال بأعياد الكفار. قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى: "فإذا كان للنصارى عيد ولليهود عيد كانوا مختصين به فلا يُشركهم فيه مسلم كما لا يُشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم. أهـ (تشبه الخسيس بأهل الخميس، رسالة منشورة في مجلة الحكمة 4/193).
ثانياً: عدم إعانة الكفار على احتفالهم به بإهداء أو طبع أدوات العيد وشعاراته أو إعارة، لأنه شعيرة من شعائر الكفر، فإعانتهم وإقرارهم عليه إعانة على ظهور الكفر وعلوه وإقرار به. والمسلم يمنعه دينه من إقرار الكفر والإعانة على ظهوره وعلوه. ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك. ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يُستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار الزينة."
ثالثاً: عدم إعانة من احتفل به من المسلمين، بل الواجب الإنكار عليهم، لأن احتفال المسلمين بأعياد الكفار منكر يجب إنكاره. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "وكما لا نتشبه بهم في الأعياد، فلا يعان المسلم بهم في ذلك، بل ينهى عن ذلك. فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تُقبل هديته خصوصاً إن كانت الهدية مما يُستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه، ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك، لأن في ذلك إعانة على المنكر." ـ الاقتضاء 2/519-520 ـ.
رابعاً: عدم تبادل التهاني بعيد الحب، لأنه ليس عيداً للمسلمين. وإذا هُنئ المسلم به فلا يرد التهنئة. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يُهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تُهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يُهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه" ـ أحكام أهل الذمة1/441-442) ـ
خامساً: توضيح حقيقة هذا العيد وأمثاله من أعياد الكفار لمن اغتر بها من المسلمين، وبيان ضرورة تميز المسلم بدينه والمحافظة على عقيدته مما يخل بها، وتذكيره بمخاطر التشبه بالكفار في شعائرهم الدينية كالأعياد أو بعاداتهم وسلوكياتهم، نصحاً للأمة وأداءاً لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي بإقامته صلاح العباد والبلاد، وحلول الخيرات، وارتفاع العقوبات كما قال تعالى: (((وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون))) ـ هـود: 117 ـ.