الفضائيات الإسلامية ... لها وعليها

عبد الله زنجير *

(عضو رابطة أدباء الشام)

باتت الفضائيات الإسلامية بما لها وعليها أمراً واقعاً ، وهذا بحد ذاته يمثل علامة عافية وإنجازاً إعلامياً غير مسبوق ، مما يتطلب استحضاراً سريعاً لآليات ووقائع أنشطتها ومقوماتها الفكرية والفنية . إذ لا خبرات لديها بعد في عالم واسع مفتوح يتميز بالخطورة والتعقيد ، كما لا توجد إلى الآن الأسس الضرورية لصناعة نقد بناء ، يحكم ببوصلة الترشيد والتفاعل والتفاؤل ، من أجل رسالة ناجحة تحمل الروح إلى الروح ، وتستفيد لأقصى درجة من تقنيات عصر الصورة والاستخدام البصري والتحولات المعرفية !

ومع ذلك ، فقد أدت الفضائيات الإسلامية (بعمومها) دوراً محورياً على مدى السنوات الماضية ، تجاوز بكثير الأنماط المألوفة من صحافة وكتب وأشرطة ، وهذا ما أرخى بظلاله المتنوعة على حركة الكلمة ونطاق أهدافها وجدية وظيفتها .. ولكي تتبلور التجربة بالدفع لفضائل الأعمال وأحسنها وأصوبها ، ننظر ابتداءً لما حققته من خطوط وخطوات في رحلة الخير والحق ، وسط مصاعب جمة تعرقل وتشكل وتحبط ، إلا أن القافلة تسير والرؤية تنضج يوماً بعد آخر :

لقد قامت الفضائيات الإسلامية من عربية وغيرها بسداد ثغرة أساسية تتعلق بالثقافة الدينية وتوضح العبادات ، ووفقت بذلك إلى حد كبير . كما أبرزت قضايا المسلمين للرأي العام وخصوصاً قضية القدس / وقامت بتغطية المناسبات المختلفة كالحج والهجرة ورمضان والأعياد بصورة جيدة وبخطاب جامع يستعصي على التباين المذهبي والتعارض المصطنع .

ومن خلال برامج القرآن تعلم الكثير من الناس القراءة الصحيحة وأحكام التجويد ، واستمعوا لملايين الفتاوى والاجتهاد من أصقاع الأرض .وصار التمييز ميسوراً ما بين المفاهيم الأصيلة للدين ، وما بين التقاليد الموروثة للمجتمعات المسلمة ، وتم كسر الحواجز ، والتقريب في الرؤى والأفكار ما بين المدارس والمشارب ، ولأول مرة منذ عصور الازدهار الحضاري تطرح الدعوة ببعد عالمي يتجاوز القبلية والقطرية وينتصف لصفاء المبادئ ونقاء القيم .

وكذلك قدمت هذه الفضائيات صورة جديدة للمرأة المسلمة المثقفة العصرية القوية الفاضلة ، وأبرزت عملياً الخمار الراشد المطلوب . واستقطبت مواهب شابة وأسهمت بصناعة نجوم وإعلاميين واعدين وما يسمى بالدعاة الجدد ، ولفتت لأهمية الأطفال وبرامجهم وقصصهم ، وشجعت النشيد الهادف وعرضته كثيراً ، وقامت بحملات لجمع التبرعات والزكوات لأهل فلسطين ولبنان والشيشان وغيرها ، إلى آخر ما بات معروفاً وملموساً كدلالة على سيرة الإعلام الإسلامي وتجاوبه الإيجابي والأخلاقي .

أما ما نلاحظه من جوانب سلبية فهي ليست للتشهير بل للتذكير ، وفي الأثر (الدين النصيحة) ونحن منها وإليها . إلا أنها غير معصومة ، وجهدها البشري البحت يحتمل النقد والمراجعة .. من هنا لا باس بأن نلفت إلى ضعف كثير من البرامج إعداداً وإخراجاً ، وكذلك الإملاء على المشاهد بدل التفاعل معه من خلال الخطاب الموجه الأحادي . وأيضاً التقليد و المحاكاة وربما استنساخ الأفكار وإهمال البحث و الإبد1ع في معظم القنوات . نتيجة للتقشف المالي الشديد الذي يحكم الميزانيات ، رغم أن بعض أصحابها من أثرى أثرياء العالم .

 من السلبيات البينة غياب المؤسسية والعمل المنظم ، وتفشي البيروقراطية ، وتغييب الأولويات الإدارية والمهنية لحساب المزاجية والشللية والارتجالية. إنها في الخطاب أميل للتشدد ، وفي الفتوى، للأحوط ، وفي الفكر ، للعاطفة ، وفي المشكلات ، للتسطيح، وفي التربية ، للوعظ، وفي السياسة ، للمجاملة ، إلا ما ندر. كذلك لم تدع لإحياء الفنون الإسلامية ، ولم تنتج – مثل غيرها – مسلسلاً واحداً، ولا حتى أغنية يتيمة ، ناهيك عن أفلام الكرتون ، وأناشيد الأطفال ، ودراما العائلة ،وسواها. وبالتالي لم تجسد البديل الفني المقنع ، و لا حتى البديل القيمي المنشود مثل الفقه الحضاري، والحرية، والجمال، والعدل والتعارف، والتجديد، والحياة ، والفرح.

وحيدت الكثير من المفكرين والمؤثرين والفاعلين ، لأبعاد غير مفهومة ولا مألوفة ولا مهنية...

إن واجب الفضائيات الإسلامية أن تتلافى عيوب (الأنا) وأن تتكامل مع بعضها ، وأن تنفتح على غيرها، وأن تكون قدوةً وأنموذجاً لأمانة الكلمة وأدب الخلاف وألفة المؤمن، وإشراقة التدين ، وإتقان العمل ، وإعداد الكوادر والطاقات ، وحتى تكون كلمة الله هي العليا : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) الآية .

               

* كاتب سوري