شيخوخة الثقافة
عبد الله سعد الحميدي
[email protected]
قبل أن تشرق الشمس بقليل ، قبل أن ترسل
شعاعا يؤذن بانتهاء ظلمة الليل ، قبل أن يبدأ همس العاشقين بالتلاشي شيئا فشيئا ،
قبل أن تخفت انات المحرومين والبائسين ، قبل أن يبدأ ليل العاشقين الطويل بالأنصراف
، قبل هذا وذاك ، كانت زهرات العمر الثمينة التي لا تقدر بثمن قد وجد أنها قد
شرعت في خطو خطوات نحو ذبول سريع ومتلاحق ، و ليس ثمت من يستطيع إيقافها سوى
مغادرة هذه الحياه قبل أوانها ،
- واحده أثنتان ..... سته
بدأ ندوان يعد الشعرات البيض التي قد
بدأت تنمو في مفرق رأسه ، تردد قليلا في كتم حزنه وحسرته
و ليس أشد منظرا من رؤية هذا الشباب
الغض الطريتلاشى رويد رويدا من يديه ،
كم هو ثقيل هذا الوافد الجديد ، ما إن
يلج الدار حتى تكون كل قامة دون قامته
و حتي يكون هو السيد المطاع
صعب الأمر عليه ، لم يكن حتى
باستطاعته رد التحية علي هذا الوافد الجديد
في أحد زوايا المكتبة كانت مقصوصة
ورقية صفراء كتب عليها بحبر أزرق
ولما رأيت الشيبَ حل بياضه
بمفرق
رأسي، قلتُ أهلاً و مرحبا
و لو خلت أني إن تركت تحيتي
تنكب
عني رُمتُ
و لكن إذا ما حل كرةٌ ، فسامحت
به النفس يوماً ، كان للكره أذهبا
صعبة هي التحية ، عندما نكون مضطرين إليها ، بل ربما يثقل كل شيء عندما نغالب الإرادة في الإنفعال له .
تردد ندوان كثيرا في الرد ، جرت الأحداث متلاحقة أمام عينيه ، ليجد نفسه في آخر المشهد وسط صحراء قاحلة إلا من نعيب البوم و صرير الرياح .
ربما كان العم زياد على حق في حفل التكريم الذي أقيم له بمناسة حصولة على جائزة أفضل رواية إبداعية
" . . . . . . . . . . صور كثيرة وإشارت عديدة نجدها في كل ما يحيط بنا ، منها ما يبعث السرور و ينبت الفرح ، ومنها ما تسمع عند وقعه آيات التهكم والإعتراض ، كلها في النهاية طرق تؤدي إلى طريق واحد يذهب بنا في رحلة عجيبة لاستكشاف أسرار النفس و خفايا الوجود . مثله تماما تلك الرحلة الأرضية حول الشمس ، والتي عرفنا من تقلبات فصولها ، حلاوة الربيع ، و بؤس الخريف وقسوة الشتاء و نشاط الصيف
فلم نكن تعرف تلك الطبائع الكونية لولا هذا التقلب و الإختلاف . . . . . "
أسرع ندوان بارتداء ملابسة ، فليس تفصلة عن العمل سوى نصف ساعة على اقل تقدير ، فقد مكث ما شاء الخيال أن يمكث هو يسرح في أعلى رأسه .
بدأن ندوان العمل كما هي العادة في كل يوم بترفيف الكتب ، فمع مضي الأيام أصبح يعرف مكان كل كتاب دون الحاجة للرجوع إلى رقم التصنيف ..
ثم لا يلبث بعد ان ينتهي من عملة هذا حتى يجلس خلف مكتبه ليقرأ ما تأتي به الصحف من أخبار مع رشفات من فنجان قهوته الصباحية ، ولا يقطع علية تلك اللحظات سوى باحثون يترددون على المكتبة بين وقت لأخر
فيما لم يكن الباحثون في أغلب الأحيان غير طلبة المدارس الثانوية ، كانت طلبات هؤلاء االطلبة معروفة في أغلب الأحيان ، فمرة يبحثون عن تراجم لبعض الشعراء و الأدباء ، و أخرى يلخصون أهم الأحداث التاريخية في حقبة من الحقب ، وهكذا ....
ذات يوم و بينما كان ندوان يقلب صفحات " مجلة العربي " وكان إلى جانب منه يجلس صديقه زهير
قال ندوان لزهير وهو يشير إلى أحد الباحثين
" لو كان الغواصون في بحثهم عن اللؤلؤ مثل باحثينا لما ظفروا إلا بأكوام كبيرة من خيبة الأمل ."
أظن أن المشكلة تكمن في المقروء وليس قي القارىء فلو كانت هناك كتب تستحق القراءة لما شاهدت هذا العزوف الكئيب "
قال زهير و قد علت وجهه علامات الحدة: " أتعني ، أن أكوام الكتب تلك لا تستحق القراءة ، بالله عيك يارجل ، أين ذهب المعري و المتنبي و العقاد وطه حسين والمازني و نجيب محفوظ و المصراتي و لو شئت لعددت لك صفحات طوال ممن لا تزال كتبهم تنبض بحياة زاخرة ".
قال ندوان " اتعرف ماهي المشكله ، عندما أنظر إلى المظاهر الكونية المختلفة فأجد أن ملايين الخلايا في جسم الإنسان تموت يوميا لينمو بدلا عنها خلايا أخرى قادرة على تكملة الدور الذي بدأت به تلك الخلايا الميته و أقلب طرفي تارة اخرى فأبصر الفاكهة لاتزهو إلا وقت حصادها وهي في غير موسمها جافة غير مستساغه !!
أريد ان اصل في النهاية إلى أن الحاجة إلى الثقافة والأدب متجددة تججد العصور والأزمنه ، المازني وطه حسين والعقاد و المازني والرافعي و غيرهم كان ظهورهم في عصرهم هو تلبية لحاجات ذاك العصر من جوانبة الأدبية والثقافية و الفكرية ،و من ثم فإن حاجة هذا العصر تتطلب أن يكون فيه عقاده وطه حسينه ورافعيه ولكن بنسخ جديدة عصريه .
قال زهير : أليس في قرائتا لكتبهم دليلا على أنها لا تزال تلامس موضع الحاجة في كل منا ، أعتقد أننا ربما في غناء بوجود مؤلفاتهم بيننا . فهم لا يزال تأثيرهم الثقافي و الأدبي حاضرا .
قال ندوان : لا شك أن التراث الأدبي لكل أمة يؤدي دوره في أتجاهين يكمل أحدهما الآخر
الأول هو الدور الإجتماعي الذي يلعبه الأديب والمثقف بطريقة غير مباشره ، فاحتكاكه المستمر بالأوساط المجتمعية التي تحيط به والأثر الذي يتكون في أفراد ذالك المجتمع جراء تلك المعايشة له دوره الفعال و الذي لا يقل أهمية عن التراث الأدبي و الفكري الذي يخلفة ، فوجود المثقف والأديب في المجتمع يعد لوحده دافعا لكثير من أفراد ذاك المجتمع للورود إلى تلك المناهل الأدبيه بطريقة أو بأخرى .
فحاجة المجتمع إلى المثقف ليست متوقفة على إنتاجه الفكري والثقافي بل المعايشة بين المجتمع والمثقف هي هي التي تغذي المجتمع بالحس الثقافي الفعال . و إلا فإن المجتمع يعيش شيخوختةً ثقافيةً
لن يجدى خضابها بمئات الكتب والمقالات ما دامت تلبس بردة غير بردتها
ولن تذهب بعواقبها ألف تحية كتحية شاعرنا .