لعبة السيطرة والنفوذ
ومضات محرّضة:
لعبة السيطرة والنفوذ .. بين الداخل والخارج!
عبدالله القحطاني
* تختـلف السيطرة عن النفوذ :
ـ بأنها التحكّم بالقرار وأصحابه !
ـ وبأن النفوذ ، يعني القدرة على التأثير والتحريك والضغط ،عبر وكلاء وأصدقاء وحلفاء !
* الأصل في الحكومات أنها صاحبة سيطرة على دولها وشعوبها ، وأنها تملك الوسائل التي تمكّنها من هذه السيطرة ، سواء أملكت هذه الوسائل بطرق مشروعة ( ديموقراطية) أم غير مشروعة ( استبدادية) !
* كما أن كثيراً من الدول الكبيرة ، أوالقويّة ، لديها أنواع من السيطرة على بعض الدول الضعيفة ، من خلال السيطرة على حكّام هذه الدول الضعيفة ، وبوسائل شتّى من وسائل السيطرة ! منها : صناعة الحاكم في الدولة الضعيفة ، ابتداءً ، وتمكينه من استلام الحكم في بلاده ، ليحقّق مصالح الدولة المسيطرة عليه ! ومنها إحكام السيطرة على الحاكم ، بعد استلامه الحكم ، بوسائل شتّى ، كالدعم المالي والسياسي والأمني .. أو التهديد ، بوسائل شتّى وأساليب شتّى .. منها: التهديد بنزع الكرسي من الحاكم ، أو التشهير به ، أو قطع المساعدات عن دولته ، أوحجب الدعم عنه حتى يسقط .. وهكذا !
* يندر أن توجد دولة في العالم ، ليس لأحد نفوذ فيها عبر شريحة من شرائح شعبها .. كبيرة كانت الشريحة أم صغيرة ، فرداً ، أم حزباً ، أم قبيلة ، أم شركة ، أم مؤسّسة من نوع ما : ثقافية ، أو مالية ، أو اجتماعية ، أو نحو ذلك .. سواء أكانت الدولة صاحبة النفوذ ، كبيرة أم صغيرة ، وسواء أكانت الدولة التي فيها النفوذ صغيرة أم كبيرة ، وسواء أكان النفوذ قوياً أم ضعيفاً ، واسعاً أم ضيقاً !
* نماذج للسيطرة الخارجية :
(1) احتلال أمريكا لأفغانستان والعراق ، والتحكّم بقرارات صنّاع القرارات فيهما !
(2) سيطرة نظام الحكم السوري على لبنان ، إبّان وجود القوات السورية على أراضيه ، وقبل أن تنسحب منه جرّاء الضغط الدولي !
(3) سيطرة روسيا أيّام الاتّحاد السوفييتي ، على الدول المنضوية في إطار الاتّحاد ، وسيطرتها على الدول التي كانت منضوية تحت حلف وارسو !
* نماذج للنفوذ الخارجي :
ثمّة نموذج قويّ صارخ ، هو نفوذ إسرائيل في أمريكا ، عبر اليهود الامريكيين ، وما لَهم من هيمنة على كثير من قطاعات الحياة ، في الدولة والمجتمع ، السياسية منها والإعلامية والاقتصادية..! أمّا النموذج الأمريكي في النفوذ ، داخل دول كثيرة جداً من العالم ، فمعروف! وهو قد يصل ، في بعض الدول ، إلى حدّ السيطرة ؛ إذ هو نفوذ على صناّع القرارات في هذه الدول .. وهو قد يصل إلى حدّ السيطرة على صناع القرارات هؤلاء .. في دول معينة !
ونشير إلى أمثلة محدّدة للنفوذ ، لأمريكا وغيرها ، على سبيل التمثيل لاالحصر:
(1) نفوذ أمريكا داخل إيران ، عبر أصدقاء أمريكا المعارضين لنظام الحكم الإيراني !
(2) نفوذ إيران في سورية ، عبر علاقتها الحميمة بالسلطة الحاكمة ، وعبر ما تَحقّق لها ، من وجود سياسي وعسكري وأمني ومذهبي .. فيها !
(2) نفوذ سورية في لبنان ، عبر ما لَها من سيطرة على حلفائها وأصدقائها وعملائها ، من المواطنين اللبنانيين ، من كتل وأحزاب وشخصيات ..! وعبر ما لَها من نفوذ لدى بعض الأطراف الأخرى في لبنان ، التي لم تصل علاقتها بها إلى حدّ السيطرة عليها !
* استخلاص نتائج :
ـ العلاقات بين الدول والحكومات والشعوب ، اليوم ، لم تعد بالصورة القديمة ، التي كان فيها نوع من الاستقلالية لكل دولة . فقد تداخلت العلاقات اليوم ، إلى حدّ صار يصعب فيه الفصل بين الداخل والخارج ! وذلك من خلال ماتحقّق من تواصل بين البشر، ومن تداخل في شؤون الحياة الدولية ، الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية ..!
ـ اختلطت المصطلحات ، في كثير من الأحيان ، في التداولات الإعلامية خاصّة ، بين العمالة ، والتبعية ، والصداقة ، والتحالف .. وصار التمييز بينها يحتاج وعياً ، وجهداً ، وحرصاً على التمييز والتدقيق !
ـ أصحاب القوّة ، الأمنية والسياسية والإعلامية .. داخل الدولة الواحدة ، يصِفون خصومهم، بأنهم عملاء للأجنبي ، لمجرّد اتّصال سياسي عابر ، أو ثقافي ، أو شخصي أحياناً! بينما همْ ، أصحاب القوّة هؤلاء ، غارقون إلى الأذقان في التبعية للأجنبي .. وبقاؤهم في مراكز القوّة ، نفسُه ، رهن بإرادة الأجنبي !
ـ الحاكم الصالح في الدولة ، يبيع من حساب الوطن ، ويشتري لحساب الوطن .. دون أن يحرص على مكسب شخصي له من هذه الصفقات ! بينما الفاسد يقبض لحسابه هو.. يبيع قرارات بلاده ، ليقبض كرسياً ، أو مالاً ، أو دعماً سياسياً وأمنياً ..! وبعضهم يعقد صفقات خاسرة لحساب الوطن ، ليحقّق منها أرباحاً لنفسه !
ـ السذّج لايفرقون بين معاني المصطلحات ؛ فيؤخَذون بتأثير الأصوات المرتفعة ، فيتّهمون الوطني المخلص الشريف ، بالعمالة أوالخيانة ، لمجرّد اتصال بأجنبيّ صديق ، له أو لدولته! أو لمجرّد طلب معونة لدولته ، في إنقاذها من الاستبداد ، أو مساعدتها في التخلّص من فساده! بينما يغفل هؤلاء السذّج ، عمّا يرتكبه أصحاب الشعارات والأصوات المرتفعة ، في بلادهم ، من خيانات حقيقية واضحة كالشمس ! فيضع هؤلاء السذّج أنفسَهم في شبكة الحكّام الخونة ، عن غير وعي منهم ، في كثير من الأحيان ! وربّما زعم بعض هؤلاء السذّج ، أنهم غير راضين عن كثير من مواقف هؤلاء الحكّام ، وعن كثير من سياساتهم الفاسدة !
ـ المعركة الدائرة ، اليوم ، في سورية ، بين قوى المعارضة ـ وجماعة إعلان دمشق تحديداً ـ وبين أجهزة الحكم في الدولة ، هي من هذا القبيل ؛ من قبيل الخلط الديماغوجي للمصطلحات ، ونسبةِ الجيّد منها للسلطة الحاكمة وأجهزتها، وإلصاقِ السيّء منها بالمعارضة! فعلاقة السلطة بالأمريكان ، المتمثلة بشكل واضح ، بالتذلل لهم ، واستجداء العون والتثبيت منهم ، وتسليمهم أشخاصاً من دولتها أو من دول أخرى ، بحجّة مكافحة الإرهاب ، وتسليمهم ألوف الملفّات الأمنية عن مواطنين في دولتها .. هذه العلاقة تسمّيها السلطة وأعوانها ، انفتاحاً ومرونة وذكاء ..! من أجل خدمة الوطن العزيز! بينما رفْع المعارضة صوتَها ، مطالبةً بحريّتها في بلادها ، ومطالبةً القوى النافذة في العالم ، برفع غطاء الدعم عن الحكم المستبدّ .. رفْع صوت المعارضة هذا ، يعدّ خيانة وعمالة للأجنبي ، في نظر السلطة وعملائها وأبواقها المأجورة ! بل ، حتّى في نظر أبواقها( المتطوّعة !) لاتّهام المعارضة بالتّهم ذاتها ـ لأسباب شخصية ، أو لمطامح حزبية ـ ! مع أن بعض هذه الأبواق المتطوّعة ، قد تَعدّ نفسَها معارِضة للسلطة حتى النخاع !
وصدق مَن قال : عِشْ رجَباً ، ترَ عجَباً !