المبادرة
د. بسام داخل
ترد فكرة في قانون الفعل ورد الفعل أن أخذ زمام المبادرة أفضل من أن تكون أعمالنا ردود أفعال للآخرين أو ننتظر الآخرين أن يبادروا!! فكيف تكون هذه المبادرة؟؟ وبأي اتجاه؟
يقول بعضهم: إنني أبادر بالسوء إذا توقعت شرا. على مبدأ نتغداه قبل أن يتعشانا، أو مبدأ الهجوم هو أحسن طريقة للدفاع، أو اتق شر من أحسنت إليه، ونظهر للزوجة العين الحمراء من أول يوم حتى لا تتجاوز حدودها، ونقطع رأس القط من ليلة العرس. إلى غير ذلك من التراث الشعبي. فهل المبادرة السلبية توجسا من الآخر هي الحل؟
وقد يبدو لبعضهم أن استخدام العنف والإكراه حل لكثير من المشكلات، أو استعمال القسوة لإحلال الاحترام. إن العنف قد ينهي بعض مظاهر المرض، ولكنه يزداد احتقانا بشكل خفي ويخلق مشاكل أكبر. وكان أولى به أن يعامل الأقربين بالحسنى قبل البعيدين. فالتعامل مثلا مع الزوجة والأطفال بالقوة والإجبار، يبدو ممكنا لفترة محدودة، ولكن عندما تزول القوة القسرية أو كبر الأطفال نجد أن التصرفات تنقلب رأسا على عقب وخاصة في هذه الأيام وفي عصر العولمة والانفتاح، وقد يدخل عليهم غيرك فيكلمهم أو يعاملهم بالحسنى وإظهار الحب ويقنعهم بأفكار أو أفعال أو علاقات لا ترتضيها ويؤدي إلى نتائج مدمرة، فتنهار العلاقات وتتحول إلى عداوات، بل تصبح القيم الخيرة مكروهة بسبب اقترانها بطريقة التعامل، ونسمع قصصا كثيرة عن أناس أصبحوا يعادون الدين بسبب التربية القاسية التي تلقوها في صغرهم.
ولو اضطر الوالد إلى استخدام عقوبة فهناك شروط كثيرة، منها أن تكون لأمر مهم، وفي حالات قليلة جدا، وخفيفة غير مؤذية جسديا أو معنويا ومتدرجة، ومقرونة بالحب، وإشعار الطفل بأهمية الأمر الذي من أجله كانت العقوبة، وأن يكون الطفل على علم مسبق بالأمر وبالعقوبة، وأن يكون الغرض منها التعليم وليس بدافع الغضب أو الانتقام، وإعطاء الطفل الفرصة للحوار، والاستماع إلى وجهة نظره باحترام، وإتاحة المجال له للاعتذار والعفو عنه.
ولو عدنا إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، نجده إلى الخير مبادرا، يقابل الآخرين بالبشر والابتسامة، وينتهز أي فرصة للمبادرة بالحسنة. وقد قد قرأنا عن معاملته صلى الله عليه وسلم لأزواجه رضي الله عنهن وكذلك معاملته لخادمه أنس بن مالك، وكذا معاملته لجاره اليهودي الذي كان يتحمل إساءته ثم عيادته صلى الله عليه وسلم له عند مرضه.
والآية الكريمة تحض على الخير مطلقا، "ادفع بالتي هي أحسن"، سواء أكان ردا على مبادرة من الآخر أو مبادرة منك، فهي عامة وتشمل كل الحالات، فهذا إعجاز قرآني، يدعو إلى المعروف مطلقا
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
فلنقتد برسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم، فنرفع شعار المبادرة الايجابية، والرد الايجابي، وحب الآخرين وإسداء المعروف لهم مهما كان موقفهم، فهذا أولا يريح الإنسان ويبعده عن القلق، ومن كثير من أمراض العصر الناتجة عنه. إضافة إلى أنه يشجع الآخرين على ردة الفعل الحسنة، ويصفي كثيرا من العداوات والمشاحنات وهذه أخلاق سبق بها الإسلام وطبقها المسلمون قرونا متطاولة، والآن وصل إليها الغرب نتيجة الدراسات والتجارب، والكاتب ستيفان كوفي مثلا يجعل المبادرة أولى عادات الناجحين، ويدعونا ألا ننتظر الآخرين أن يسدوا إلينا معروفا لنكافئهم بل نبادر بالحسنى، وإن كان تطبيق كثير من الغربيين لها على أنه مصلحة شخصية، بينما الهدف في الإسلام هو مرضاة الله تعالى بالإحسان إلى عباده. إنها أخلاق دعا إليها صلى الله عليه وسلم وطبقها في مجتمع شديد الحساسية ، يعج بالعصبيات والأخذ بالثأر، وعدم السكوت على الضيم. بل إن حروبا متطاولة جرت بسبب هذه القيم والعادات. فإذا بالتسامح والإحسان يصبحان شعار الجميع وسيد الموقف.
فلنقتد بهدي رسولنا الأعظم في المبادرات الخيرة، ولنبق على ملاحظة دائمة لتصرفاتنا وردود أفعالنا، لنحاول تعديلها دفعة واحدة أو بالتدريج. ولنذكر من حولنا من الأولاد والزوجة والأصدقاء بهذه القيم، والرسول الأعظم يريدنا أن نكون دوما في حالة ترقٍ، فيقول ص :" من تساوى يوماه فهو مغبون".