حبيب والشورى
حبيب والشورى
د. علي بطيخ
سمعتُ من الدكتور محمد حبيب- نائب المرشد العام للإخوان- قولاً في الشورى أحب أن أذكره لكلِّ الناس ولصفوف الإخوان خاصةً، رغم علمي بأن د. حبيب يمكن أن يكتب ذلك في مقالٍ، لكن طرافة السؤال والجواب دفعتني لكتابة هذه المقالة؛ لأنها رسالة أظن أن الكثيرين توَّاقون لمعرفتها.
سُئِل د. حبيب: هل توجد شورى في المستويات الإدارية العليا من الإخوان؟، في مكتب الإرشاد مثلاً؟ وما الذي يحدث إذا اختلف مكتب الإرشاد مع فضيلة المرشد؟ هل يكون القرار للمرشد أم للمكتب؟.
كانت إجابة د. حبيب من الذكريات في جزئها الأول، وحديثًا عن القواعد في الجزء الثاني.
أما عن ذكرياته فقد ذكر أنه كان عضوًا بمكتب الإرشاد مع فضيلة المرشد الراحل الأستاذ عمر التلمساني.. قال: كان يعرض المسألةَ لأخذ الرأي بتجرُّدٍ وحيادٍ، ثم يستمع إلى آراء أعضاء المكتب، فإذا نظرت إلى ملامح وجهه يستحيل أن يبدوَ عليه استحسانٌ أو استهجانٌ لحديثِ المتحدث، فإذا انتهى الجميع من عرضِ آرائهم أخذ برأي الأغلبية، فإذا سُئل عن رأيه هو يقول: رأيي هو ما تراه الأغلبية.. بمعنى أنه لا يذكر رأيه الخاص خشيةَ أن يتحرَّج البعض من مخالفةِ رأيه، ويجعل رأيه هو محصلة ما يراه إخوانه.
وذكر عن فضيلة المرشد المرحوم الحاج مصطفى مشهور أنه كان أكثر مَن عرفهم من المرشدين صبرًا على سماع وجهات النظر؛ حيث يقول د. حبيب: حتى تكاد تمل من طول الصبر، ولا يقاطع أحدًا أثناء الكلام، ويترك المسألةَ لتستوفيَ حقَّها من المناقشة مهما طالت، ثم يكون القرار بالأغلبية.
وأصدقكم القول: إنني فوجئتُ بهذه المعلومة عن عمنا الحاج مصطفى- رحمه الله-؛ لأن الرجل كان يُقال عنه في الصحافة أنه (تربية) النظام الخاص الحديدي الذي تربَّى على السمع والطاعة، وأنه نموذج (للصقور) داخل الإخوان، حتى كدنا نرسم له شخصيةً غير شخصيته الحقيقية الهادئة التي تحترم الشورى والرأي الآخر إلى هذه الدرجة.
تحدَّث د. حبيب عن فضيلة الراحل المستشار مأمون الهضيبي، وذكر أنه عايشه قبل وبعد تولي مسئولية الإرشاد، فوجد أنه بعد أن أصبح المسئول الأول صار أكثر حرصًا وتمسُّكًا بكل قواعد الشورى، فلا يتخذ قرارًا إلا بموافقة مكتب الإرشاد.
وتحدَّث عن المكتب الحالي مع فضيلة الأستاذ عاكف، وأكَّد- بشدة- أن قراراتِ المكتب تخرج بالإجماع أو الأغلبية، وأحيانًا بفارق صوتٍ واحد، حتى لو خالف رأي الأستاذ.
أما الجزء الثاني من حديث د. حبيب ردًّا على السؤال فكان ببساطة: إن هذا هو الإسلام، وهذه هي مبادئه، ومَن يقول بغير الشورى يتحدث عن نظامٍ غير نظام الإسلام.
قلتُ له- وقد حضرتُ الحوار-: طبعًا، وبالتأكيد، وهل يوجد أحد أعظم من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يمكن مراجعته؟ وقد راجع الصحابةُ رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم- في بدر وأحد، ونزل على مشورتهم، كما هو معلوم للكافة، فأكَّد د. حبيب أن هذا أمر بديهي وشرعي.
أذكر ذلك الحوار لعدة أسباب:
السبب الأول: أنني أجد كثيرًا من شباب الإخوان يتساءلون عن ذلك، ويريدون أن يطمئنوا عليه اطمئنانًا لا يحتمل الريب، ولماذا الريب؟!.. لأن الشباب يقرءون اتهاماتٍ للإخوان في الإعلام المغرض عن غياب الشورى في الجماعة.
والسبب الثاني: أن بعض الكُتَّاب الإسلاميين يذكرون أن الشورى تكون ملزمةً أو معلمةً (غير ملزمة).
وأنا أتعجب: كيف تكون الشورى معلمةً أو غير ملزمةٍ؟!.. إن الشورى غير الملزمة هي الاستبداد بعينه، وهذه الآراء الموجودة في بعض كتب الفقه- للأسف- هي التي زيَّنَت للحكام في التاريخ والحاضر الإسلامي طريق الاستبداد والديكتاتورية، فأدَّى ذلك إلى ظهور حكم الفرد والانفراد بالرأي والنظام الفرعوني.. ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر: من الآية 29)، وهو في الواقع يأخذهم إلى طريق الهلاك.
كيف يُقال ذلك في فقهٍ يُسمَّى بالإسلامي وقد جاء في الكتاب الحكيم: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ (آل عمران: من الآية 159)، وهذا أمر مباشر للرسول- صلى الله عليه وسلم- وللقادة من أمته من بعده، وقد قال علماء الأصول: إن الأمر في القرآن يفيد الوجوب ما لم يصرفه صارفٌ إلى الندب.
كيف يُقال ذلك، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر: "لو اتفقتما على أمرٍ ما خالفتكما فيه".. ذكَّرَنا بهذا الحديث د. حبيب.
السبب الثالث: الذي حملني على الكتابة رسالةٌ أوجهها لكل قيادة في الجماعة تهمل الشورى وتجنح إلى الفردية في القرارات والتصرفات.. أقول لهذه القيادات: تعلموا حقائق الإسلام، ومبادئ الإخوان، وتصرفات القادة.
ورسالة إلى كل المجالس الشورية في الجماعة في كل المستويات: تمسَّكوا بحقكم في الشورى، وفي إلزامية الشورى عند اتخاذ القرارات؛ فإن هذا هو أفضل وأروع ما تحافظون به على قوة الجماعة وصحة مسارها، وصواب مواقفها وقراراتها.