الذوق

الذوق ...

لبنى شرف / الأردن

[email protected]

الإسلام دين يرتقي بالذوق ، ولو التزم المسلم بآداب دينه لوصفه الناس بأنه ذو ذوق رفيع ، ذلك أن الناس لا يحبون مخالطة بليد الذوق ، غليظ الفهم ، فهو ثقيل على نفوسهم .

وآداب الإسلام آداب جليلة ، وهي كثيرة ، ولكني سأذكر بعضها فقط ، ليعلم الذين يبتغون ويبحثون عن الذوق أو " الإتكيت " كما يقول البعض ، أن " الإتكيت " الحقيقي والراقي هو في هذا الدين ، لو أن المسلمين يفقهون !!! .

فمن آداب الأكل مثلا ، وما فيها من ذوقيات رفيعة ، أن يغسل المسلم يديه قبل الأكل وبعده ، وأن يبتعد عن الشره ، وأن لا يخرج صوتا من فمه عند الأكل ، وأن لا يمد يده إلى ما أمام غيره ، بل يأكل مما يليه ، وأن لا ينفخ في الطعام ، وأن لا يشرب من الإناء ، وأن لا يتنفس فيه ، وأن لا ينظر إلى غيره وهو يأكل ، وقد ذكر الإمام الغزالي آدابا أخرى ، فقال : ومن ذلك أن لا يفعل ما يستقذره من غيره ، فلا ينفض يده في القصعة ، ولا يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فيه ، وإذا أخرج شيئا من فيه ليرمي به ، صرف وجهه عن الطعام وأخذه بيساره ، ولا يغمس بقية اللقمة التي أكل منها في المرقة ، ولا يغمس اللقمة الدسمة في الخل ، ولا الخل في الدسمة ، فقد يكرهه غيره ، ولا ينبغي لأحد إذا علم أن قوما يأكلون أن يدخل عليهم ، فإن صادفهم من غير قصد فسألوه الأكل ، نظر ، فإن علم أنهم إنما سألوه حياء ، فلا يأكل .

ومن آداب وذوقيات الزيارة والضيافة ، أن يطرق الباب – أو يرن الجرس – بهدوء دون أن يزعج أهل البيت ، وأن لا يجعل بصره مقابل فتحة الباب ، حفاظا على عورات البيت ، فإنما جعل الاستئذان من أجل البصر ، وأن لا يجلس إلا في المكان الذي أجلسه فيه صاحب البيت ، فهو أدرى بعورة بيته ، قال عليه السلام :" من دخل دار قوم فليجلس حيث أمروه ، فإن القوم أعلم بعورة دارهم " . وأن لا يكثر النظر يمينا وشمالا ، وأن لا يفتح الجوارير والأبواب المغلقة ، وأن يتواضع في مجلسه ولا يتصدر ، ولا يأمر غيره في منزل غيره ، وأن لا يقترح طعاما بعينه ، كما وعليه أن يختار الأوقات المناسبة للزيارة ، وعليه بخفة الظل ، فلا يطيلها حتى يمل المزور ، ولا يكثر الترداد في الزيارة .

عليك بإغباب الزيارة إنها      إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكا

فإني رأيت الغيث يسأم دائبا       ويسأل   بالأيدي  إذا هو أمسكا

ومن آداب وذوقيات عيادة المريض ، أن تظهر الرقة لحاله ، وتدعو له بالعافية ، وأن تخفف الجلوس عنده . مرض بكر بن عبد الله المزني ، فعاده أصحابه ، فأطالوا الجلوس عنده ، فقال : المريض يعاد ، والصحيح يزار .

يعدن مريضا هن هيجن داءه      ألا إنما بعض العوائد دائيا

ومن آداب المجالس ، أن يجلس بتواضع وحيث انتهى به المجلس ، ولا يتصدر ، فقد كان – عليه السلام – يجلس حيث انتهى به المجلس ، مختلطا بأصحابه كأنه أحدهم ، وأن لا يدخل أصبعه في أنفه أمام الحضور ، ولا يبصق ، ولا يتثاءب دون وضع يده على فمه ، وأن لا يقيم أحدا من مجلسه ليجلس فيه ، فقد قال عليه السلام :" لا يقيمن أحدكم رجلا من مجلسه ثم يجلس فيه ، ولكن توسعوا وتفسحوا " ، وقال :" لا يقوم الرجل للرجل من مجلسه ، ولكن افسحوا يفسح الله لكم " ، وألا يجلس إلى اثنين يتناجيان إلا بإذنهما ، يقول عليه السلام :" إذا تناجى اثنان فلا تجلس إليهما حتى تستأذنهما " ، وإذا كان ثلاثة يجلسون جميعا فليس من الذوق أن يتناجى اثنان دون الثالث ، قال عليه السلام :" إذا كان ثلاثة جميعا فلا يتناج اثنان دون الثالث " ، وفي رواية :" إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث ، فإن ذلك يحزنه " ، وأن لا يجلس في الطرقات ، فإن كان ولابد من الجلوس فلابد من غض البصر ، وعدم إيذاء المارة ، وإعطاء الطريق حقه .

يقول الإمام الغزالي في أدب التعامل مع الجار : .. ولا يطلع إلى داره ، ولا يضايقه في وضع الخشب على جداره ، ولا في صب الماء في ميزابه ، ولا في طرح التراب في فنائه ، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره ، ويستر ما ينكشف من عوراته ، ولا يتسمع عليه كلامه ، ويغض طرفه عن حرمه ، ويلاحظ حوائج أهله إن غاب .

ومن آداب وذوقيات الحديث والكلام ، كف اللسان عن السباب والشتائم ، والكذب والغيبة والنميمة ، والسخرية والاستهزاء ، فهذا كله منهي عنه في الكتاب والسنة ، قال عليه السلام :" ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيئ " . والفحش والبذاء هو التعبير عن الأمور المتقبحة بالعبارات الصريحة ، وهذا ليس من الأدب ولا من الذوق ، فقد كني عن الجماع في القرآن بلفظ " لامستم النساء " ، وفي الحديث " إذا أتى أحدكم أهله " ، وهذا أدب رفيع ، وارتقاء بالذوق . وأن لا تذكر عورات الناس ...

لسانك لا تذكر به عورة امرئ      فكلك عورات وللناس ألسن

وأن تحسن الكلام ، وأن لا تكون ثرثارا ...

لا تغفلن سبب الكلام ووقته        والكيف والكم والمكان جميعا

كما وأن تحسن الاستماع والإصغاء ، حتى وإن كنت تعرف هذا الحديث ...

وتراه يصغي للحديث بسمعه        وبقلبه ولعله أدرى به

ومن آداب المعاملة والمعاشرة ، أن تعاشر بالمعروف ، يقول علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – موصيا أولاده : يا بني ، عاشروا الناس ، إن غبتم حنوا إليكم ، وإن فقدتم بكوا عليكم ...

وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى      وفارق ولكن بالتي هي أحسن

وأن لا تزعج الناس بالزامور العالي ، فهناك النائم والمريض ، وأن لا تتدخل فيما لا يعنيك ، فقد قال عليه السلام :" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ، وأن تنصح أخاك في السر حتى لا تفضحه أو تجرحه ، فالنصح بين الملإ تقريع ، ولتكن نصيحتك له تلميحا لا توضيحا ، وتصحيحا لا تجريحا . قال الإمام الشافعي : من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه . فبالمعاشرة الحسنة تستخرج أحسن ما عند الآخرين ، ولكن بالمعاملة السيئة قد تضطرهم إلى أسوء الأخلاق .

إنك إن كلفتني ما لم أطق       ساءك ما سرك مني من خلق

ومن الأدب في الدعاء وتلاوة القرآن ، ألا يرفع المرء صوته ويؤذي أو يشوش على الآخرين ، يقول تعالى في سورة الأعراف ( 55) :" ادعوا ربكم تضرعا و خفية إنه لا يحب المعتدين " ، يقول سيد قطب – يرحمه الله - : الذي يستشعر جلاله فعلا يستحي من الصياح في دعائه ، والذي يستشعر قرب الله حقا لا يجد ما يدعو إلى هذا الصياح . وأما في الصلاة ، فقد قال عليه السلام :" إن أحدكم إن كان في الصلاة فإنما يناجي ربه ، فلا ترفعوا أصواتكم بالقرآن فتؤذوا المؤمنين " .

وأما عن الذوق في اللباس ، فأن يكون أولا ساترا للعورة ، وأن يكون مرتبا ونظيفا ، فلا تخرج للناس مبعثر الهيئة ، منفوش الشعر .