من أساليب التربية النبوية 15

من أساليب التربية النبوية

التلميح دون التصريح (15)

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

قد يتصرف أحد المسلمين ـ وهو يبغي الخير لنفسه ـ تصرفاً لا يرضى عنه النبي        صلى الله عليه وسلم ـ ، والرسول معلم مربٍ يأخذ بأيدي أصحابه إلى الطريق الصحيح والسبيل القويم ، فهل ينبهه مباشرة ؟ ..

قد يفعل ذلك بعيداً عن أعين الناس إن كان الأمر خاصاً ، أو دفعاً للإحراج ، فالنصيحة في السر أبلغ . وقد ينبه إلى الأمر بطريق غير مباشر :

1ـ إذا كان الأمر مُهِمّاً ينبغي أن يعلمه الجميع .

2ـ ويُستحسَنُ أن يُترَك مَنْ فعل الخطأ بعيداً عن عيون الآخرين ، فيظل الاحترام سائداً بين جميع المسلمين .

- فقد جاء ثلاثة ـ من الصحابة ـ إلى بيوت أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسألون عن عبادته ، فلما أخبروا ، كأنهم تقالّوها(1) ، وقالوا : أين نحن من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر !.

قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبداً .

وقال الآخر : وأنا أصوم فلا أفطر .

وقال الآخر : وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً .

فجاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ .

أما والله إني لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني(2) .

هنا نجده ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجمعهم . . . وينبههم إلى وجوب اتباع سنته مباشرة . ولكنه يرى ما فعلوه أمراً مهماً يجب أن يبلغَ الناسَ ، فيعلموا أن الدين يسرٌ وليس بعسر ، فيذكر الحادثة دون أسماء أصحابها ، فيقول :

ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟ . . ( ويذكر ما قالوه ) ، ثم يقول : ولكني أصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني(3) .

فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حفظ ماء وجوه أصحابه الثلاثة ، ونبه الآخرين إلى وجوب اتباع سنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

- وأرسل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحد اصحابه يجمع الزكاة من بعض القبائل ، فعاد الرجل بالزكاة فوضعها أمام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وترك أشياء معه ، وقال : إنها أهديت إليه . فأخذها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ منه ، وجمع أصحابه ونبههم إلى ضرورة البعد عن الرشا واستغلال المنصب للوصول إلى منافع  ماكان يصل إليها لولا عمله هذا .

فعن أبي حميد الساعدي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :

(( ما بال العامل نبعثه فيقول : هذا لك ، وهذا لي ؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه ، فينظرَ أيهدى له أم لا ؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ، إن كان بعيراً له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر ، ، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه ، ألا هل بلغت ؟ ثلاثاً (4) .

فأنت ترى استخدام تعبير ( ما بال العامل ) ، وفي الحديث السابق ( ما بال أقوام ) . . .

فليست العبرة بمعرفة الأشخاص ، إنما بمعرفة الحادثة ، والتنبه لها ، والحذر من الوقوع فيها .

ورحم الله الإمام الشافعي العالم الإمامَ والتربويّ الفذ ينبه إلى النصيحة بطريقة لبقة لا تجرح المشار إليه فيقول :

تغـَمّدني النـّصيحة بانفراد         وجنّبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس ضربٌ       من التوبيخ لا أرضى استماعه

              

(1)    تقالّوها : عدوها قليلة .

(2)    في رياض الصالحين ، الحديث / 643 / .

(3)    متفق عليه ، والرجال الثلاثة هم : علي بن أبي طالب ، عثمان بن مظغون ، وعبد الله بن عمرو بن العاص .

(4)    رواه الشيخان .