التدرج

د. بسام داخل

[email protected]

تكملة لكلمة سابقة حول قانون نيوتن الثالث"1" ، نتساءل: كيف نرد على كلمة أو فعل سيء يصدر من الآخر؟

فهناك من يسمع كلمة أو يرى تصرفا، فيرفع حرارة الخطاب أو يحوله إلى فعل أو إيذاء. وقد يدع الغضب يسيطر عليه فلا يوقفه ولا يخففه، كسائق سيارة سريعة يتركها صاحبها تهوي دون فرامل، ألا يهلك نفسه ومن حوله؟ وقد يصل بسبب تافه وبسوء تصرف إلى نهايات تجعله يندم أنه لم يتعهد الفرامل؟

وبالعودة إلى نور ربنا حل وعلا:" ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" وقد سمعنا عن هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف قابل السيئة بالحسنى، جاهلا كان أو معاندا، فتحول العدو إلى صديق حميم.

ولعل بعضنا لا يستطيع أن يقابل بالحسنى بسبب ضغط العادة والواقع، وخوفا أن يتهم بالضعف والجبن. فما هو الحل؟

نقول: إن الأمر مهم جدا وعلينا أن نحاول ونحاول، ولا نيأس، مادام أمرا من الله تعالى، وسنة اتبعها رسوله صلى الله عليه وسلم، ومالا يمكن تحقيقه دفعة واحدة، نحققه بالتدريج، واضعين نصب أعيننا الوصول إلى القمة السامية التي كان عليها رسول الله وأصحابه.

يمكن مثلا التدرج في التطبيق من حيث الأولوية حسب المواقف والأشخاص،

فإذا أردنا أن نعاقب فنبدأ أولا بالمساواة فنجازي على قدر الإساءة ولا نزيد على ذلك،" فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"، ونعفو عن الناسي أو غير المتعمد، وعند الشك نغلب حسن النية ونسامح. ولننتبه ألا تكون العقوبة للتشفي والانتقام، فلا نعاقب في حال الغضب أو التأثر من الآخر، وإنما نحاول إنهاء الموقف بسلامة، ولنقل مثلا: لنبحث الموضوع في وقت لاحق، ويمكن الاتفاق على موعد، لإعطاء فرصة لتهدأ النفوس وتتوفر إمكانيات الحل والتفاهم. فمثلا سمعت عن زوج حصل له موقف مع زوجته التي أصرت عليه أن يطلقها،وهي بحالة غضب وراحت تتحداه، وهو يحاول تهدئتها حتى وعدها بأن يطلقها في الغد وفي ساعة محددة. وعندما جاء الموعد، كان قد برد غضبها وعادت إلى صوابها، وربما يكون هو قد سعى لذلك بشكل غير مباشر، فإذا بها تتوسل إليه ألا يطلقها، وانتهت المشكلة بسلام وتعقل الطرفين أو أحدهما على الأقل.

ومما لاشك فيه أن المساواة دواء يوصف لمن يتجاوز حدوده فيأخذ أكثر من حقه أو يعاقب أكثر من الخطأ، ولكن هل المساواة هي غاية بحد ذاتها أم مرحلة؟ يقول صلى الله عليه وسلم:"ليس الواصل كالمكافئ" فلنكمل طريق التدرج لمرحلة تكون فيها المجازاة أقل من الخطأ المرتكب، وهكذا حتى نصل إلى التسامح والعفو.

ويمكن أن يكون التدرج حسب الأشخاص، فنبدأ بالتسامح مع الأقارب أولا كالأبوين والزوجة والأولاد،ثم الأباعد, وقد طرحت هذه الفكرة على أحدهم فأفاد أنه يطبقها بشكل عكسي، فهو يحسن التصرف مع الأباعد ويتسامح معهم، أما زوجته وأولاده فلا. فقلت له: إن أولى الناس بالحسنى منك هم زوجتك وأطفالك، فحقوقهم عليك أكثر من الآخرين، فقال لي: لا أستطيع، فقلت له: عليك بالمجاهدة والمحاولة، وما دمت قد استطعت أن تتلطف مع البعيدين، فإن الأمر يمكن أن يكون أسهل عليك إن حاولت، وسوف تنجح بإذن الله تعالى إذا احتسبت الأجر عند الله، وإذا تذكرت معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجاته وبناته وخدمه.

وهناك حل آخر طرحه سلمان رضي الله عنه على زوجته، فقال: إذا غضبتُ فراضيني، وإذا ما غضبتِ أراضيك. فهذه القاعدة لو التزم بها أي زوجين فإنها تحل أكثر المشكلات. ذلك أنه إذا حصلت أي مشكلة وحاول الآخر إخمادها بمراضاة الأول فإنها تنتهي بكل حب ووداد. وليت أي صديقين يتفقان على هذا المبدأ العظيم. إن الأمر يحتاج إلى جهد ومحاولات وتذكر وتذكير من الطرفين. ولكن النتيجة مرضية بإذن الله.

-- ----------------------------------------------------------------------

"1" قانون نيوتن الثالث ينص على أن لكل فعل رد فعل مساو له في القوة  ومعاكس له في الاتجاه.