سنة التدافع وعوامل النصر (11)
عمر حيمري
وأهل غزت فهموا رسالة عمر بن الخطاب واستوعبوها وعملوا بما فيها ، فهللوا وكبروا وذكروا الله كثيرا ورموا عدوهم بصواريخ كثيرا ما قيل عنها أنها مجرد ألعاب نارية ولكن مفعولها في نفوس العدو وما خلدته من صدمات نفسية في نفوس الصهاينة ، قد تصاحبهم مدى الحياة إن شاء الله ، ولا أمل للشفاء منها ، لم تخلده طائرات العدو ، ولا صواريخها المتطورة في نفوس أهل غزة .
إن أهل غزة انتصروا أخلاقيا في حربهم ضد إسرائيل ، لم يقصفوا مدنيا ولم يهدموا بيوتا على رؤوس أصحابها ولم يستهدفوا أطفالا ولا شيوخا عملا بوصية نبيهم ، وطاعة لربهم . ولكن صواريخهم التي وصفت بالألعاب النارية استطاعت أن تعزل إسرائيل عن العالم ، إذ أجبرت مواطني إسرائيل على العيش في المخابئ وتهجير السكان من مستوطنات الجنوب وزعزعت ثقتهم بالجيش الذي اعتقدوا أنه لا يقهر ، كما أغلقت الحدود البرية والمجال الجوي الإسرائيلي وعطلت السياحة بشكل كامل وأرغمت الصهاينة على الهجرة بوتيرة لم يسبق لها مثيل من إسرائيل ، إلى البلدان الأصلية للمواطنين الصهاينة . وعلى المستوى السياسي ، تسببت في تفكك وتصدع ثم انهيار الجبهة الداخلية الإسرائيلية المتطرفة ، التي لم تعد فقط تثق في نتنياهوا ، بل أصبحت عامل ضغط عليه للخروج من حرب غزة . كل هذا أوقعه الله سبحانه وتعالى بفضل تلك الألعاب النارية كما يقول عنها المرجفون والتي عجز الجيش الذي لا يقهر عن إسكاتها . وإذا استثنينا التدمير الهائل للمباني والبنية التحتية ، يمكن أن نؤكد أن إسرائيل لم تحقق أي هدف من أهدافها الحربية التي سطرتها ، لأنه غاب عنها هذه المرة أنها تقاتل مؤمنين صابرين تائبين يحفظون القرآن ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار ويذكرون الله كثيرا ويرفعون شعار الله أكبر، باعوا أنفسهم لله ، يحرصون على الشهادة أكثر مما يحرص عدوهم على الحياة .
واجهتهم إسرائيل بجيش من الجنديات اللاتي يقاتلن في النهار ويمارسن الدعارة في الليل ، هن مومسات يعرضن أجسادهن عاريات على موقع الفيس بوك وقد كتبن عليها " أنا أحب جيش الدفاع الإسرائيلي " لرفع معنوياته طبعا . لقد ذكر بعض الشهود من أهل غزة ما يثبت تمادي الجيش الإسرائيلي في معصية الله مثل : " بعد الانسحاب ترك الجنود مخلفات في منازل أهل غزة ، منها ملابس داخلية وأوقية ذكرية ومشروبات روحية وحبوب مهدئة وأسماء المجندات وبنات الليل والرفيقات اللاتي تم الزنا بهن . هذا ما وفره قادة الاحتلال الإسرائيلي من معاصي لله ، بقصد الترفيه على جنودهم ورفع معنوياتهم وضمان عدم فرارهم وتمردهم على الخدمة العسكرية في قطاع غزة ، فكانت هزيمتهم من حيث لم يحتسبوا ، وانتصرت المقاومة بفضل طاعتهم لله وبفضل معاصي اليهود لله ، ومع المعاصي لم تغن حشد العدو الإسرائيلي في حرب غزة كل إمكانياته وأجهزته الحربية من قوات برية وطيران واستخبارات وإعلام ودعاية ومناشير ورسائل عبر الهواتف وكل وسيلة متاحة له بغض النظر عن كونها مشروعة أو غير مشروعة وغير إنسانية وبحمد الله لم ينل من صلابة المقاومة ومن تماسك الجبهة الداخلية للغزاويين ومعنوياتهم ولا من دعمهم للمقاومين ، ولم يحصد إلا الهزيمة ، ورفض الخضوع لطائراته ومدفعيته . بل لقد استمر الدعم والاحتضان للمقاومة من طرف شعبها إلى آخر لحظة من الحرب على خلاف جبهة العدو العسكرية والداخلية التي تأثرت روحها القتالية ومعنوياتها كثيرا رغم القبة الحديدية وأطنان المتفجرات التي صبت طيلة واحد وخمسين يوما على رؤوس أهل غزة . لقد تبخرت مع حرب غزة القناعة الصهيونية وأحلامها بالأمن والاستقرار في البقاع المقدسة ، أو ما سموه بأرض الميعاد ، وعلى العقل الصهيوني أن يبدأ منذ الآن في التفكير في مراجع نظرية العودة والهجرة إلى أرض الميعاد، لأن الصهاينة لن ينعموا بعد حرب غزة بالأمن والاستقرار وجمع المال وأشياء أخرى في الأراضي المقدسة ، خصوصا وأن صواريخ المقاومة أصبحت تطال كل المستوطنات والمدن اليهودية بما في ذلك العاصمة تلابيب ومهندسو وتقنيو المقاومة يطورونها يوميا ، الشيء الذي زرع الخوف والهلع في نفوس اليهود وهم الذين جبلوا فطريا على الجبن والذل وصدق الله العظيم إذ قال : [ وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ] ( البقرة آية 61) ، كما زعزع الثقة في الجيش الذي لا يهزم وفي سياسة إسرائيل وديمقراطيتها ورفاهية سكانها . وفي المقابل قاتل أهل غزة انطلاقا من عقيدة راسخة قائمة على الإيمان بالله وعلى اليقين في وعده بالنصر ، ولم يخفهم ولا أردعهم تفوق العدو عسكريا وتكنولوجيا ومخابراتيا لأن تربيتهم على الإيمان وحب الشهادة حصنتهم ضد الحرب النفسية التي مارستها إسرائيل على الفلسطينيين منذ أن احتلت أرضهم .
عوامل مادية :
إن من قاتل العدو بغير إعداد استراتيجية حربية ، يكون قد خالف أوامر الله وطلب النصر من غير سننه ، ومن غير قوانين الحياة ونواميس الكون.لأن الإسلام دين واقعي عملي ، يفرض الاستعداد للحرب وإعداد العدة وتكوين العدد عسكريا وتربيته نفسيا وأخلاقيا ليكون قوة قادرة على المواجهة وتحقيق النصر ، ولهذا السبب ، لم يسمح الله سبحانه وتعالى لرسوله ولأصحابه إشعال الحرب رغم تعرضهم لأصناف من الأذى ، قبل أن يتوفر لهم العدد الكافي من المجاهدين النخبة ومن العدة المادية والنفسية ، و تهيئ الأرضية الصلبة والإعداد الكامل لمواجهة العدو والأخذ بأسباب ومقومات النصر وقبل إقامة الحجة على القرشيين وبيان حقيقة العقيدة الجديدة لهم ، ليسلم من يسلم عن بينة ، ويشرك من يشرك عن بينة ، لهذه الأسباب ولغيرها من الأسباب التي علمها عند ربي أمر الحق سبحانه وتعالى بالإعراض عن مشركي قريش وعن مقاتلتهم إذ قال : [ فاصدع بما تومر وأعرض عن المشركين ] ( سورة الحجر آية 94 ) ثم إن للحرب ولمقومات النصر شروط من الضروري أن يتربى عليها المجاهد قبل الدخول في أي مواجهة مع العدو ، هذه الشروط منها ، ما هو خاص بالجندي ومنها ما يتعلق بالقائد ومنها ما يرتبط باستراتيجية الحرب والاستعداد لها .
الشرط الأول :
على الجندي المجاهد السمع والطاعة في غير المعصية لله سبحانه وتعالى مع الاعتقاد بأن ...
يتبع