عن الحاكميَّة.. وتكفير المجتمع

عن الحاكميَّة.. وتكفير المجتمع

د. حمزة رستناوي

[email protected]

في البداية أدعو القارئ لتأمّل هذه العبارات الثلاثة المجتزئة من سياقها القرآني:

- وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (المائدة 44)

- وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (المائدة 45).

- وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ( المائدة 47 )

 فالعباراتْ الثلاثة السابقة , بُنِيَتْ على أساسها أحزاب وجماعات هيمنت على العالم الاسلامي  ( تيار الاسلام السياسي) , تيارات  تقوم على عقيدة الحاكميِّة و تكفير المسلمين للمسلمين , و تسويق العنف داخل المجتمع..و هذا ما دعانا للوقوف عندها.

و الأمر بغاية البساطة لا يحتاج من القارئ الكريم سوى أن يكون على اطلاع  باللغة العربية هو متوفر لعموم الناس في مجتمعاتنا , و يحتاج لأن نثق بأنفسنا و عقولنا اللتي وهبنا لنا الله (سبحانه و تعالى .)

و السؤال الذي سوف أتركُ إجابتهُ للقارئْ الكريم هو :

مَنِ المقصودْ و المُخاطبْ بهذه العباراتْ ,  جماعة المسلمين  أم  جماعة اليهود ؟  استنادا للسياق و ترتيب الآيات القرآنية نفسها لا غير ؟!

*

الآية رقم 43 : كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ.

الآية رقم 44 : إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ.

الآية رقم 45 : وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.

الآية رقم 46 : وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ.

الآية رقم 47 : وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.

*

أربعة تساؤلات اضافية:

أوّلاً : هل يحقُّ لنا تعميم الخطاب المخصوص من دون أدلّة , و قرائن صريحة من داخل النص نفسهُ ؟!

ثانيا : الكافرون و الظالمون و الفاسقون هي توصيفات وردت على لسان " الله سبحانه و تعالى " الله الذي خلق الناس جميعا بمن فيهم الكافرين و الظالمين و الفاسقين , و لم يرد في سياق العبارات السابقة أي اشارة لعقوبات او تبعات دنيوية لهذه الافعال , سوى ضرورة الاحتكام للقانون الخاص لكل فئوية دينية , و ركّز فيها على جماعة أهل التوراة و أهل الانجيل. و لم تشر الآيات القرآنية السابقة لتوكيل إلهي مخصوص لفرد أو جماعة بشرية معينة بشيء.

ثالثاً : تعبير " ما أنزل الله " هو مفهوم اشكالي قابل لفهوم متعدّدة خاصة تبعا للفئوية العقائدية و تبعا لمحتوى الرسالة نفسها خاصة أن القرآن الكريم كتاب عقائد في العموم يحتوي على مقاصد و اشارات و عبر و تأملات أكثر منه ككتاب عقوبات جزائية و قوانين بالخاصّة , فتحديد الآيات التي تحتوي على أحكام و عددها موضوع خلاف فمنهم من يجعلها 500 كالإمام الغزالي و منهم من قال 200 آية كالصنعاني و منهم من قال 150 آية كابن القيم  بما يتضمن أحكام الامم السابقة..الخ

رابعاً : هل يمكن الفصل بين دلالة العبارات السابقة و امكانية استخدامها و تسخيرها في الصراعات السياسية بين المسلمين أنفسهم , قبل غيرهم ؟! و هل علينا البحث في الدلالة المجرّدة للنص القرآني , أم في إمكانات استخدام هذا النص ,و توظيفه في السياقات الاجتماعية و السياسية و تقدير مدى حيويّة هذا الاستخدام..ربطا بالمقاصد العامة.