الجهاد عندنا والحروب عندهم

رضوان سلمان حمدان

الجهاد عندنا والحروب عندهم

مقارنة سريعة

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

انطلاقا من قوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} المائدة 8 .

جاءت أحكام الجهاد فى سبيل الله وغاياته ترجمة لقيم العدل والرحمة والتسامح فى تزاوج فريد بديع رغم أن الحروب عنوانها الغلظة والقسوة وقلما تخلو من البغى و العدوان .

ومن قول النبى صلى الله عليه وسلم:

( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل ). أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد

فمن عدل الإسلام ورحمته ان يجعل الجهاد فى مقابلة كيد المعتدين , قال تعالى :

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}البقرة 190.

ومن عدل الإسلام ورحمته أن يجعل الجهاد نصرة للمستضعفين والمظلومين , قال تعالى :

{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} النساء 75 .

ومن عدل الإسلام ورحمته أن يكون الجهاد فيه لقطع الفتنة ... قال تعالى :

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} البقرة 193 .

وكم كان الإسلام عادلا حين اشترط إبلاغ دعوة الإسلام الى الخصوم قبل أن تبدأ المنازلة . وكم كان الإسلام رحيما عندما منع قصد النساء والأطفال بالقتال , وعندما حرم على أتباعه قتل أصحاب الصوامع و الحرث و الشيوخ والزمنى ونهى عن المُثلة وأن يقتل الرجل أباه .

ومن سماحة الإسلام أن لا يكره أحدا من خصومه على اعتناقه بل يتركهم أحرارا وما يعتقدون وما يدينون . ومن سماحته العفو عند المقدرة والصفح عند الغلبة , وهذا العدل وتلك الرحمة وهذا التسامح هو الذى دفع أحد المستشرقين الى القول : "إن المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وروح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى , وأنهم مع امتشاقهم الحسام نشرا لدينهم تركوا من لم يرغبوا فيه أحرارا فى التمسك بتعاليم دينهم" . أ . هـ

واذا كنا فى هذا المقام لا نسعى لاستقصاء تلك الأحكام التفصيلية التى ترجمت قيم العدل والرحمة والتسامح الى حقيقة واقعية فإننا نكتفي بذكر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يقول لهم :

( انطلقوا باسم الله وعلى ملة رسول الله , ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا , وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا ان

الله يحب المحسنين ) سنن أبي داود.

ــ أمثلة من مدرسة الجهاد الرحيم :

ولنقف مع موقفين عظيمين لقائدين مسلمين تربوا فى مدرسة الجهاد الرحيم , وساروا على هدى معلمهم العظيم ورسولهم الكريم فلنقف:

ــ أولا مع صلاح الدين الأيوبى وقد نصره الله على الصليبين ودان له بيت المقدس وصار تحت سيطرته بكل من يعج بهم من الصليبيين ... فماذا فعل ؟

لم يفكر صلاح الدين فى الانتقام ولو فعل ما لامه أحد ولم يفكر فى الإذلال ولو فعل ما فوجئ أحد . لكن المفاجأة كانت فيما صنع مع أكثر من مائة ألف صليبي .... فقد أعطى لهم السلطان الأمان على أنفسهم وأموالهم وسمح لهم بالخروج مقابل مبلغ يسير يدفعه المفتدون .

وأعطاهم أربعين يوما مهلة للخروج من بيت المقدس فخرج منه أربع وثمانون ألفا ولحقوا ببنى جلدتهم فى مدينة صور وعكا وصيدا وأرسل معهم السلطان من يحميهم .

أطلق السلطان كثيرا من فقراء الإفرنـج ومن غير فدية وأدى شقيـقه الملك العادل الفدية عن ألفى رجل منهم ومن عجيب الأقدار أن قصد بعض هؤلاء الفقراء الصليبين الى إنطاكية فأبى أميرها الصليـبى قبولهم فهاموا على وجوههم حتى آواهم المسلمون , أما من ذهب منهم إلى طرابلس التى يسيطر عليها الصليبيون اللاتين فقد أبو قبولهم , ولم يكتفوا بذلك بل سرقوا أمتعتهم التى منحها لهم المسلمون .

ــ ثم كانت وقفة السلطان صلاح الدين الرحيمة بنساء الصليبيين حين اجتمعن معه وتوسلن إليه قائلات : ( نحن إما زوجات او أمهات او بنات من أسر و من قتل من الفرسان والجنود و لا عائل لنا و لا مأوى ..... ) .. وبكيـن وتأثـر السلطان فأمر بإطلاق الأسرى من رجالهنّ , أما اللواتي مات أولياؤهن فقد منحن مالا كثيرا وسمح لهؤلاء جميعا والذين مَنّ عليهم بالانصراف فانصرفوا وهم يلهجون بالثناء عليه أينما ساروا . فهل هناك رحمة أعظم من هذه ؟!

ــ ولنقف وقفة أخرى مع السلطان العثماني محمد الفاتح , وقد فتح الله عليه مدينة القسطنطينية فى عام 1453 م وقد دخل كنيسة أيا صوفيا التى لجأ إليها رجال الكنيسة و اعتصموا بها فقابلهم مؤكدا حمايته لهم وطلب من النصارى من أهل المدينة ـ الذين فزعوا منها ـ العودة إلى منازلهم آمنين , ثم أمر بجمع كل آثار القديسين التى نهبت يوم الفتح وسلمها إلى الكنائس والأديرة وترك لهم الحرية فى اتباع كنائسهم وقوانينهم المالية وتقاليدهم المتعلقة بأحوالهم الشخصية وكل ما يتعلق بحرياتهم الدينية.

ــ ثم جمع السلطان رؤساء الكنائس لينتخبوا جورج سكولاريوس , وثبت السلطان هذا الانتخاب واحتفل بتثبيته بنفس الأبهة التى كانت تتم فى أيام ملوك الروم , ومنحه السلطان حق الحكم فى القضايا المدنية والجنائية بكافة أنواعها المختصة بطائفته ، وعين معه فى ذلك مجلسا مشكلا من أكبر موظفي الكنيسة وأعطى هذا الحق للمطارنة والقساوسة فى مختلف ولايات الدولة .

ولا عجب من تلكم الرحمة ولا غرابة من منطق السلطان صلاح الدين أو السلطان محمد الفاتح، فكلاهما قد تشرب ضميره بصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى قالها لأهل مكة بعد ما فتحها وصاروا فى قبضته وهم الذين آذوه وطردوه من بلده وحاربوه , وهاهم يسألونه : ما انت فاعل بنا ؟ فقال قولته الخالدة : ( اذهبوا فانتم الطلقاء ) .

نعم لقد تشرب هؤلاء من هدي النبى الكريم الذى كان ينهى عن قصد قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان والحراث والزمنى ويأمر بالوفاء بالعهد والحفاظ على الذمة وأهلها فكيف بعد ذلك لا يكون جهادهم جهاد رحمة

- أمثلة من مدارس الحرب القاسية الغاشمة :

وإذا بدأنا باليهود لهالنا حجم القسوة والغلظة التى تملأ قلوبهم تجاه غيرهم , فهم فى ظنهم شعب الله المختار وتعاليمهم تقول : لن نترك حيا أي شيء يتنفس ( سفر التثنية ) , الآن اقتل كل الصغار ( سفر الأعداء ) .

وطالما الأمر كذلك فلا غرو أن تأتى إجابات الحاخامات على سائليهم على هذا النحو الذى نجده فى إجابة الحاخام الإسرائيلى شمعون وايزر عندما سأله جندى إسرائيلى : هل من الجائز قتل العرب العزل من السلاح والنساء والأطفال ؟ وهل نعامل العرب مثل العماليق , أى نقتلهم حتى نستأصل ذكراهم فى الأرض استنادا الى ما جاء فى سفر التثنية ( ولتمح ذكرى العماليق من تحت السماء ) .

ورد الحاخام على الجندى برسالة جاء فيها : سأنقل لك بعض أقوال الحكماء وأفسرها وذلك أن الحرب لدى غير اليهود ذات قوانين خاصة مثل قوانين لعب كرة القدم أو السلة لكن الحرب عندنا كما يقول حكماؤنا : لا تعني بالنسبة لنا لعبة بل ضرورة حيوية واستنادا إلى هذه المقاييس فقط ينبغى التفكير حول كيفية القيام بها ولذلك أقول لك : أفضل غير اليهودى اقتلوه وأفضل الأفاعى هشموا رأسها , وتلك هى قاعدة طهارة السلاح . وعندما قرأ الجندي رد الحاخام أرسل إليه مرة أخرى يقول له : لقد تلقيت رسالتك وفهمتها على النحو التالى : لا يسمح لي في زمن الحرب بقتل كل عربي أو امرأة أصادفها وحسب , بل من واجبي القيام بذلك , وعن نفسي فإن من واجبي قتلهم حتى إذا نجمت عن ذلك مشكلات مع القانون العسكري أعتقد أن فكرة طهارة السلاح يجب تعميمها على المعاهد التعليمية وأرجو ان تنشط أيها الحاخام فى شرح هذه الفكرة كى يعرف جنودنا موقف أسلافهم بوضوح كامل ...أ . هـ

ــ ولربما كانت قاعدة طهارة السلاح تلك وراء قيام الجيش الاسرائيلى بدفن آلاف الأسرى المصريين وهم أحياء فى صحراء سيناء إبان حرب 1967 ولعلها كانت فى قلب وضمير كل من شارك من الصهاينة فى المذابح وما أكثرها للفلسطينيين بدءاً من دير ياسين 1948 ومرورا بمذبحة صبرا وشاتيلا 1982 وانتهاء بالمذابح اليومية للفلسطينيين التى تجرى على قدم وساق لأبطال الانتفاضة الفلسطينية الباسلة رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا, وهذا المنهج هو ذاته الذى يصوره الشاعر الصهيونى شيرنجوفسكى فى قصيدته التى يقول فيها أعطنى سيفي لأنتصر على أعدائى سوف أقطع كحاصد وأجتز جذورهم وسوف أشهر يدي اليمنى القوية وأذبح أعدائى وأجعل سيفى يشرب فخورا من دمهم وستحسم خطواتي فى دماء الصرعى وتدوس قدماي على شعر رؤوسهم وسأقطع من يمين وأحصد من شمال.

ــ وإذا انتقلنا إلى مدرسة أخرى من مدارس الحرب الغاشمة فسوف نجد فيها أهوالا قلما نجد لها نظيرا , فالحروب الصليبية تمثل نموذجا يكشف حقيقة هذه المدرسة ونقلب صفحاتها لنعرف كم كانت هذه الحروب غاشمة وكم كانت قلوبهم قاسية .

ففى القرون الوسطى عندما زحف الصليبيون إلى بيت المقدس وقفوا أمام بلدة معرة النعمان بسوريا وحاصروها حتى ارتكبوا من الفظائع ما تشيب له الولدان , وقدر بعض المؤرخين الإفرنج الذين كانوا فى هذه الحملة عدد الذين قتلوا بين رجال ونساء وأطفال بمائة ألف .

ثم تابعوا سيرهم الى بيت المقدس وشددوا الحصار عليها فرأى أهلها أنهم مغلوبون لا محالة فطلبوا من قائد الحملة الصليبية الأمان على أنفسهم و أموالهم فأعطاهم راية يرفعونها على المسجد الأقصى ويلجؤون إليه آمنين على كل شيء , ولكن ما أن دخلوا المدينة المقدسة حتى شنوا حملة القتل والذبح والإبادة على الرجال والنساء والأطفال وعلى كل من دخل المسجد المقدس من الشيوخ والأئمة والعباد والزهاد فسالت الدماء حتى ارتفعت إلى ركبة الفارس وكانت الشوارع تعج بالجماجم المحطمة والأذرع والأرجل والأجسام الآدمية المشوهة , ويذكر المؤرخون أن عدد الذين ذبحوا فى داخل المسجد الاقصى فقط وصل إلى سبعين ألفاً ولا ينكر مؤرخو الفرنجة هذه الفظائع وكثير منهم يتحدثون عنها فخورين

ــ وإذا ما انتقلنا إلى إشبيلية بالأندلس فى عام 1502 م فسنجد إعلانا كنسيا بطرد المسلمين أعداء الله من إشبيلية وما حولها إذا لم يقبلوا المعمودية وبشرط ألا يذهبوا إلى طريق يؤدى إلى بلاد إسلامية , ومن يخالف ذلك فجزاؤه القتل .

ــ ولا ينسى المسلمون فى روسيا ما فعله القيصر إيفان الرهيب و حرب الإبادة الشاملة التى شنها ضدهم فقد فرض عليهم أن يتنصروا أو يتركوا أوطانهم .

ــ وإذا ما انتقلنا إلى روسيا الشيوعية فحدث و لا حرج عن أبشع الممارسات وأخس الوسائل منذ عهد ستالين ومرورا بالتدخل السوفيتي فى أفغانستان 1979 وانتهاء بما يحدث اليوم فى الشيشان .

ـ وإذا ما انتقلنا الى إقليم كوسوفو ذى الأغلبية المسلمة الألبانية والذى تعرض لحملة صربية لتغيير طابعه الاسلامى لوجدنا أهوالا يشيب لها الولدان , ولنتعرف على جانب منها من خلال بعض الشهادات الآتيه :

أ ـ قال ممثل منظمة الأمن والتعاون ( ساندى بليت ) إنهم جمعوا 1400 شهادة حول انتهاكات حقوق الإنسان ابتداء من قتل المدنيين وعمليات التعذيب واغتصاب النساء وطرد السكان ونهب الأموال وتدمير الممتلكات والسرقات.

ب ـ وكشف خافير سولانا الأمين العام لحلف الناتو عن وجود أدلة مثيرة عن قيام هؤلاء الصرب بجريمة التطهير العرقى بما يعنى أنهم كانوا يقتلون السكان الألبان المسلمين على قدم وساق.

ج ـ قال وزير الخارجية البريطانى روبين كوك: إن القوات الصربية كانت تستخدم الألبان المسلمين كدروع بشرية عندما هاجمتهم طائرات خلف الناتو.

د ـ قال وزير الدفاع الأمريكى وليم كوهين إن حوالي 100 ألف رجل فى سن القتال من ألبان مسلمي كوسوفا فقدوا فى هذا الإقليم وربما قتلتهم القوات اليوغسلافية .

هـ ـ قال المتحدث باسم حلف الناتو : إن هناك 741 طفلا يبحثون عن عائلاتهم وفى مقابل ذلك هناك 6382 من الأزواج الذين يبحثون عن أولادهم .

ــ وماذا عن أمريكا اليوم :

يحلو للساسة الأمريكيين الحديث عن الحرب العادلة والحرب النظيفة والمهمة المقدسة فى نشر الحرية والديمقراطية عبر استخدام كافة الوسائل بما فيها الأسلحة الذكية .

وصدّق البعض هذه المقولات البرّاقة إلى أن أيقظهم دويّ أم القنابل والصواريخ الذكية توماهوك و كروز وهى تصب على رؤوس المدنيين صبا فى أفغانستان والعراق والبقية تأتى.

لكن المتتبع للتيارات الفكرية فى أمريكا اليوم واتجاهات المجموعة الحاكمة بواشنطون لن يجد كبير عناء فى اكتشاف حقيقة تلك الشعارات , واكتشاف أننا أمام الحرب القذرة الظالمة , ولسنا أمام أسلحة ذكية , بل أمام أسلحة غبية مدمرة ولسنا أمام التبشير بالحرية بل أمام التخطيط للهيمنة الأمريكية على العالم بما يحقق المصالح الأمريكية لأجل غير مسمى .

ــ فالحرب الأمريكية اليوم وقائية، وهي أيضا للحفاظ على المصالح الأمريكية ولو كان ذلك خارج الحدود وهي أيضا لفرض نموذج القيم الأمريكية على كل العالم ... ولنستمع للرئيس الامريكى فى خطاب حالة الاتحاد وهو يقول : ( إن أمريكا ستكون القائد فى هذه الحرب بالدفاع عن الحرية والعـدالة , لأنهما الحق والصواب الثابتان لكل الناس فى كل مكان ).

بل إن من هؤلاء الساسة والمثقفين من يروجون لمفاهـيم الحرب العادلة كأمر تلتزم به الولايات المتحدة الأمريكية فى حروبها . فقد جاء الآتى فى خطاب موجه إلى الأمة الأمريكية والمجتمع الدولى من ستين أكاديميا أمريكيا بارزا على رأسهم فوكوياما مؤلف كتاب ( نهاية التاريخ ) وصموئيل هينتنجتون صاحب كتاب ( صدام الحضارات ) بعنوان من أجل ماذا نحارب ... خطاب إلى أمريكا : الحرب العادلة يجب ان تتصف بأمرين :

1 ـ ان تشنها سلطة شرعية .

2 ـ ان لا تستهدف غير المحاربين إلا فى ظروف قد يعد امتدادها لإيذاء بعض المدنيين بغير قصد مسبق مبررا أخلاقيا.

واذا ما طبقنا هذه الضوابط على ما حدث فى العراق فلنا ان نتساءل أين الشرعية فى هذه الحرب كى تصير حربا عادلة ؟ أين هى ونحن نرى الرفض الشعبى العالمى والرفض الدولى ممثلا فى مجلس الأمن والأمم المتحدة ؟ وأين الالتزام بعدم إيذاء المدنيين والطائرات B52تلقى بين الفينة والفينة قنبلة وزنها عدة أطنان على أحياء بغداد السكنية .

وهذا الصنيع غير مستغرب من دولة غاصت أقدامها فى حرب فيتنام ومن قبل قصفت مدينتي هيروشيما ونجازاكى بالقنابل النووية أبان الحرب العالمية الثانية , تلك الحرب التى وضعت أوزارها عام 1945 م مخلفة وراءها 55 مليون نسمة من الضحايا كان بينهم 3 ملايين من المدنيين وهو رقم فاق عدد ضحايا الحرب العالمية الأولى الذى بلغ 37 مليونا من الجرحى والقتلى والمفقودين .

وكل هذا دفع الكاتب الامريكى ناعوم تشوفسكى إلى أن يقول : ( إذا رصدنا أفعال أمريكا فى العالم منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم لتبين لنا أنها أكبر دولة إرهابية فى العالم . ) أ . هـ

تلك سطور من صفحات الحرب القاسية المخزية استعرضناها لعلها تكشف عن الفارق الشاسع بين مفهوم الجهاد فى الإسلام وعند غيره من الأمم عندما يوضع كل منهما على محك الممارسة فكما يقال :

فالضدد يظهر حسنه الضد          وبضدها تتميز الأشياء

ــ عود على بدء :

وهكذا تتبلور من خلال الاستعراض السابق كحقيقة مركبة من أبعاد متعددة متكاملة لا يصح اختزالها فى أحد أبعادها ، فالحقيقة الغائبة للجهاد تقدم لنا جهادا شاملا على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدعوية وبالطبع العسكرية .

وهى تعني أيضا أن الجهاد ما هو إلا وسيلة من الوسائل العديدة التى أبانها المنهج الإسلامـى لبلوغ غايته النبيلة .

وهى تبين كذلك ارتباط الجهاد وجودا وعدما بالمصالح المأمولة والقدرات المملوكة فى ظل الالتزام بالأحكام الشرعية المنظمة له والمقاصد الإسلامية الكلية الموجهه له .

تقدم لنا الحقيقة الغائبة للجهاد مفهوما للجهاد يمزج بين العدل والرحمة والسماحة ليلتزم به كل من انتصر على النفس قبل دحر الخصم واختار طريق التضحية والفداء لمنازلة الأعداء .... تلك هى حقيقة الجهاد الغائبة نتمنى أن تصير

جلية واضحة .