العروبة: تجدد كما هو طائر الفينيق
وليد رباح /الولايات المتحدة الأمريكية
لا يغرنك اصوات تعلو واخرى تنخفض .. احداهما تنعي واخرى تتشفى ..ثالثها يأتي بالمجرفة ورابعها يستعد لاهالة التراب .. كتابا وصحافيون استمرأوا الخنوع فاصدروا شهادة وفاة العرب لاننا نعيش عصر الانحسار .. وزعماء أحسن الله اليهم بان وضعهم في مركز الصدارة لكنهم اذناب تهش الذباب فقط .. لكن الذي يقرأ الاحداث والتاريخ يصعب عليه ان يدفن العرب وهم احياء عند ربهم يرزقون ..
قد يهزأ البعض من الكلمات التي تتدفق عبر عصور الموت والظلام والخديعه .. وقد يستهتر البعض الاخر فينعي علينا اننا ما زلنا نتمسك بالماضي .. وقد يقول بعضهم الاخر اننا نعيش حلما لا نلبث ان نصحو منه فنرى الحقيقه مظلمة وفارعة الطول تضرب اطنابها في الجسد العربي المنهك ..لكننا ايها السادة .. نفهم ما يفهمه بعض من الاخرين عكسيا .. نحن ما زلنا نتنفس .. وطالما اننا كذلك فان الحياة مفتوحة لنا على مصاريعها .. تطلب الينا ا ن نعترف ان الكبوة لا بد ان يعقبها نهوض يسطع مع الشمس الى آفاق النور وتلافيف الانبهار ..
وقد تذهب منا بعض الارض في زمن اصبحنا فيه كالغثاء .. وقد يضربنا العدو ضربات موجعة ربما افقدتنا بعض التوازن .. وقد تتسرب الى نفوسنا بعض وارفات اليأس فنرجو ونتوسل .. ولكن اولئك الذين يتوسلون ويقبلون الارجل بحثا عن الامان هم منا نفوسهم علاها الصدأ وهي بحاجة الى بعض التلميع كي تبدو شفافة وبراقة على حقيقتها .. فليس هناك من لا يحب الوطن حتى وان كان ميالا لتغيير جلده .. فالوطن يسكن فينا ولا نسكن فيه .. حبه اختلط بعظامنا ولحومنا وشراييننا وعروقنا فلا نستطيع منه فكاكا..
قد تغزونا حضارة الطعام في مطابخنا .. وقد تهرع الينا الثقافة مغلفة باسباب القبول .. وقد تتربع الاهازيج والاغاني الغريبة في دمائنا لبعض حين .. وقد تقلب التكنولوجيا موازين عقولنا لبعض الوقت .. لكن امما كثيرة قد غزتها ثقافة الاخرين فاثرتها وصنعت منها عجيبة لينة طيعة تخدم مصلحة الوطن في النهايه ..
كان العرب مسلمين ومسيحيين اول من نقل الثقافة من مصادرها الهجينة .. لكن تلك الثقافة خدمت الوطن .. وكانوا اول من صهر العلوم التي اتت في معظمها من اماكن تبعد عنا الاف الاميال في عصر الجمال والدواب .. لكننا طورنا تلك العلوم بشكل جعلت كل العالم يعترف في حينه اننا متنا ثم احيانا الله بعد أن وثقنا بنصره .. فاخرجت الينا عقول التائهين في صحاري الوطن وتوهج شعاعها على اركان الارض الاربعه فكان الانبهار .. وكانت الحضارة .. وكان الشعاع الذي انار جوانب العالم فانبهرت به العقول وسارت على دروبه الاجساد .. ولا يأثم من يقول اننا نعود للماضي كلما ضربنا العدو على رؤوسنا .. لكننا نقول لهم .. ان من ليس له ماض فليس له مستقبل .. وان نسيان العمالقة في تاريخنا يعني اننا ندفن كل جهودهم في باطن الارض ونصدر لهم شهادات عزاء وحكايات ملفقة .. صحيح ان ذلك التاريخ بحاجة الى تنقيه .. ولكن تلك الشوائب التي علقت فيه لم تأت من العرب .. بل من المهجنين الذين استغلوا حب العرب لهم فادانوهم قبل ان يدينهم القضاء .. فاذا بهم ينعمون بالخيرات حتى اذا ما كبا العرب حينا سحبوا كل سكاكينهم لذبحنا وشرب دمنا على وقع موسيقاهم الصاخبة .. متخذين من حكايات التخلف التي يخترعونها قصصا نهاياتها مأساوية ..
ولا نريد ان نتحدث عن الادب .. حتى اولئك الذين يعادون اللغة العربية يكتبون بها ويتحدثون .. وهذا دليل على حيويتها وجمالها وانغراسها في تلافيف الذاكرة ومسامات الجلود وعروق العقول .. أما مناحي الحياة الاخرى فانها حاضرة في شرايين قلوبنا .. واقرأ حتى من عادوا الجلد العربي لكي تعرف ان الناس الذين بادوا بعض طول حياة كانوا لا يلقون بالا لكل الاقاويل التي تجعلهم يتوقفون عن التقدم .. وساروا على دروب الذين سبقوهم حتى تحققت لهم الانفة والغلبة والصولجان ..
صحيح اننا تعثرنا .. وصحيح ان الله ابتلانا بحكام هم على شاكلة حكام هذا الزمان .. وصحيح اننا نرتكب الاخطاء .. وصحيح ان فينا من هم مارقون .. وصحيح انه خرج الينا منظمات تدعي الاسلام ولكنها منظمات يصل فعلها الى الجريمه .. ومن الشجاعة ان نعترف ان الكثير منا في زماننا الرمادي هذا يقبضون لقاء تخليهم عن القيم والاخلاق .. ولكن اولئك ليسوا القاعده .. انهم شواذ لا يعتد بهم .. ولسوف يلحقون بنا عندما نتخلص من عبودية الانبهار بالثقافة الهجينة فيأتون الينا طائعين ..
الذين راهنوا على موت الفارس الكنعاني ينهض الان في فلسطين .. والذين دفنوا الفارس البابلي والسومري يعلمون علم اليقين انه يحمل شفرات الموت للغزاه .. والذين راهنوا على موته في لبنان ينهض الان مع بزوغ فجر المقاومة .. والذين يرتمون في احضان الحلم ومنهم من يأتون الى نيويورك يرافقون الكاس والطاس .. سيعلمون بعد حين انهم خدعوا .. وانهم سيلملمون جراحهم ليأتون وفي عيونهم شغف الندم والتلهف للانضمام الى الركب من جديد ..انها سنة الحياة .. وانه الفارس العربي الذي يقوم من رقدته بعد طول سبات .. ليعلن للعالم انه حي يرزق .. وانه سيقود المسيرة .. وانه سيعلي امجاد الوطن مرة اخرى ..
قد يظن البعض اننا نحلم .. ولكننا ايها السادة ندرك ان كل العظمة ابتدأت بالحلم .. ثم انتهت بتحقيق ذلك الحلم .. فدعونا نيسر لانفسنا ما هو صعب علينا .. كل ما نطلبه ان يمنح اهلنا الثقة لاهلهم .. وعندها فقط .. سوف يدركون ان المارد العربي .. ينهض من جديد .. ويبهر هذا العالم بكفاءته وقدرته على مواجهة المحن مهما وكيفما كانت .. ومن ينظر الى شباب العرب وتفوقهم في كل مجالات الحياة يدرك هذا الامر ... ويعلم ان لكل جواد كبوه .. ولكل طريق مصاعبها .. ولكل أمر خوالفه ..
رحم الله اولئك الذين اناروا لنا الطريق ثم ذوو كالمصابيح التي نضب زيتها .. لكنهم تركوا لنا ارثا وحضارة تحدثت عنها الاجيال .. وفي نهاية الامر سوف نطل من قبورنا بعد طول حياة لكي نقول لهم .. انتم تنهضون من جديد .. وترسمون على قلوب الوطن آيات وسورا من الرفعة والمنعة والشفافية .. فليحفظكم الله ..