سنة التدافع وعوامل النصر (10)
سنة التدافع وعوامل النصر (10)
عمر حيمري
النفسية التي لا يقدر ولا يقوى عليها العدو ولا يملكها ، لأنها ...(يتبع )(10 )خاصة بالمسلم في كل زمان ومكان . وفي مقابلها الظلم والفساد والذنوب والمعاصي التي لا تستطيع أبدا أن تهزم الطاعة والاستغفار وذكر الله كثيرا والامتثال لأمره والصبر على دينه في الشدة والرخاء ، وفي المكره والمنشط ، والصبر على الأذى المادي والنفسي وعلى المغريات التي تزين المعاصي وتحبب الرشوة والارتشاء المادي وتولي المناصب السياسية والإدارية التي تمنح مقابل خيانة الله والأمة ، ومقابل التآمر مع العدو للنيل من المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية للوطن، ولإلحاق الأذى النفسي والمادي والأخلاقي بالفرد والمجتمع ، ولنشر الفساد والفواحش، وكل الموبقات كالقمار والخمر والمخدرات ، وتوزيع الاتهامات والألقاب النابية والأوصاف المشينة التي لا تليق بالمسلم على العلماء التقاة للنيل من سمعتهم وأعرضهم بقصد تشويهم لدى المجتمع وتنفير المقربين منهم ، وهذه حرب نفسية واقعية ، حقيقية، متوقعة من الكفار والمشركين ، فالصبر عليها والثبات ومقاومتها يقوي عزيمة الدعوة والصمود في وجه العدو مهما كان البلاء والأذى واختلف عبر الزمان والمكان ، ومهما اختلفت وسائل الدعاية ونشر الإشاعة والأكاذيب ، فالقاعدة واحدة كشف الله عنها في قوله سبحانه وتعالى : [ لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ( سورة آل عمران آية 186 ) . إن الصبر على الأذى والابتلاء والفتنة والتقوى واليقين في وعد الله ، هم البشارة بالنصر والدليل على النهج المستقيم الذي وصفه الله لنا وأمر باتباعه لتحقيق الطمأنينة النفسية والقلبية ،التي يبطل معها كيد الكائدين ويصغر في أعين المجاهدين وفي أنفسهم مكر الماكرين ويتحقق وعد الله بالنصر ، إذا استوفى شرطي الصبر والتقوى . لقول الله تعالى : [ يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ] ( سورة آل عمران آية 200) . ولقوله [ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ] ( سورة آل عمران آية 142 ) وقوله : [ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ] ( الأنفال آية 45 )
إن الإسلام لا ينكر ولا يعارض الفطرة البشرية ، ولا يصادمها بل يقرها وينظمها ويربيها وفق المنهج الرباني، ولا يتركها هملا ، بل يشعرها بمكامن ضعفها وجهلها ونواحي تقصيرها لتداركه . [ كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ] ( سورة القرة آية 216 ) فالله سبحانه وتعالى يعلم أن النفس البشرية لا تميل إلى فريضة الجهاد لمشقة القتال ، ولشدة الجهد والعناء ، ومع ذلك فرضه عليها ، لما في الجهاد من خير للفرد وللجماعة في الأولى والآخرة ، ولما فيه من إحقاق للحق وإزهاق للباطل ، وفي سبيل هذا الخير الكثير المختبئ والمندس وراء الاقتتال المكروه للنفس ، والذي لا يراه الإنسان لقصر رؤياه ، ولأنه معزول عن الغيب . جاء القرآن الكريم ليعالج النفس البشرية ( المسلمة ) ويساعدها وذلك بإطلاعها على حقيقة الأمر ويهون عليها المشقة ويفسح لها المجال لتطلب هذا الخير ، وهي مطمئنة راضية بمسؤولية الجهاد التي كلفها الله سبحانه وتعالى بها ، مستريحة إلى طاعة ربها ، فتطلب الموت في سبيل الله مخيرة غير مجبرة ، مستسيغة مرارته ، بعد أن كانت تكرهه وتعافه وترى فيه مشقة وعناء وبلاء ، لجهلها بما وراء الغيب من خير حفه الله بالمكاره لحكمة يعلمها . يقول السيد قطب رحمه الله في هذا المعنى : ( إنه المنهج التربوي الذي يأخذ القرآن به النفس البشرية لتؤمن وتسلم وتستسلم في أمر الغيب المخبوء ، بعد أن تعمل ما تستطيع في محيط السعي المكشوف ) ( من ظلال القرآن ) . هكذا يربي الإسلام الفطرة حتى لا تستسلم للضعف وللشيطان والهوى وتثبت وتصبر على ما كلفها الله به . وعمر بن الخطاب رضي الله استوعب هذا المنهج التربوي الإلهي ، الذي يقود إلى الانتصار على النفس والنصر على العدو فشرحه وفسره في رسالة بعث بها إلى سعد بن أبي وقاص جاء فيها :( أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال ، فإن تقوى الله أفضل العدة وأقوى المكيدة في الحرب ، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم ، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم ، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم ، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ، لأن عددنا ليس كعددهم ، ولا عدتنا كعدتهم ، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة ، وإلا ننصر عليهم بفضلنا ، لم نغلبهم بقوتنا ، فاعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله ، يعلمون ما تفعلون ، فاستحيوا منهم ، ولا تعملوا بمعاصي الله ، وأنتم في سبيل الله ، ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا ، فرب قوم سلط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بساخط الله كفار المجوس فجاسوا خلال الديار ، وكان وعدا مفعولا . اسألوا الله العون على أنفسكم ، كما تسألونه على عدوكم ، أسأل الله لنا ذلك .)" ( رواية ابن عبد ربه في العقد الفريد ) .
طبقا لمنطق الحرب ونواميس الحياة ، فإن حرب غزة ما كان لها أن تستمر أكثر من يومين أو ثلاثة ، نظرا للعدة والعتاد والتكنولوجية الحربية التي حشدها العدو واستخدمها عشوائيا ضد شعب أعزل إلا من الإيمان ، فدمر كل شيء إلا الأنفس المؤمنة الأبية الواثقة بنصر الله . ولكنها الحرب على أهل غزت تجاوزت الخمسين يوما وأجبرت العدو الإسرائيلي وحلفائه على وقف إطلاق وعلى الاعتراف بأنهم أساؤوا تقدير قوة وإمكانيات حماس القتالية وقوتها على الصبر والصمود. يقول أحد المسؤولين الكبار في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ( إن إسرائيل أساءت تقدير قدرات صمود فصائل المقاومة في قطاع غزة ) مؤكدا على أنهم لم يتوقعوا أبدا أن يستمر القتال خمسين يوما.
وهم الذين هزموا الجيوش العربية الثلاثة ( جيش مصر وسوريا والأردن ) سنة 1967 في ظرف ستة أيام وما أضنها إلا ست ساعات احتلتخلالها إسرائيل كلا من سيناء ، وغزة ، والضفة الغربية، والجولان وتسببت في مقتل حوالي 25000 جندي عربي مقابل 8000 إسرائيلي ، وتدمير 80 في المائة من العدة والعتاد الحربي العربي بما فيها المطارات المصرية كلها حيث شلت بالكامل حركة سلاح الجو. في مقابل تدمير 2 في المائة من العتاد الإسرائيلي . وهذه الهزيمة التي لم يعرفها العرب حتى في حروبهم مع الرومان أيام عزها وقوتها ، ولكنهم عرفوها مع إسرائيل لما حاربوها بكل الشعارات القومية والعلمانية وبسنلقي بإسرائيل في البحر وجرموا من كان يرفع شعار الله أكبر فأذاقهم الله شر هزيمة عرفها التاريخ القديم والحديث . يقول الشيخ متولي الشعراوي رحمه الله في مقابلة له مع التلفيزيون الرسمي المصري { سجدت شكرا لله يوم هزيمة 1967لأنه كان يحكمها منهج منحرف عن الإسلام ويضيف انه كما سجد شكرا لله على هزيمة 67 سجد شكرا لله على في انتصار حرب أكتوبر لأن الانتصار جاء بسبب قربنا من الله عكس هزيمة 67 التي أصبتنا لبعدنا عن الله ويؤكد الشعراوي أنه في ثالث يوم للحرب كان العلمانيون يرفضون شعار الله أكبر وكتبوا ذلك في جريدة الأهرام ونسبوا الفضل للمصريين بعيدا عن الله فلما ابتعدنا عن شعار الله أكبر حدثت الثغرة والخلل ووالله لو كنا تمسكنا بشعار الله أكبر لكنا فتحنا تل أبيب في حرب أكتوبر } ، وأهل غزت فهموا رسالة عمر بن الخطاب واستوعبوها وعملوا بها فهللوا وكبروا وذكروا الله كثيرا ورموا عدوهم بصواريخ كثيرا ما قيل عنها أنها مجرد ألعاب نارية ولكن مفعولها في نفوس العدو وما خلدته من صدمات نفسية في ...... ( يتبع )