لن تغيب الثقافة العربية عن القدس

جميل السلحوت

[email protected]

ما يقوم به عدد من الكتاب والفنانين المسرحيين والتشكيليين في القدس الشريف بتشكيل لجان من بينهم لإعداد البرامج والخطط والفعاليات الثقافية في المدينة المقدسة  قضية تثلج الصدور ، وتؤكد من جديد أن الخير في هذه الأمة سيبقى قائماً الى يوم القيامة .

فالقدس التي باع العرب شرفها هي الأكرم منا جميعاً ، وهي الأعز من بين المدائن ، لا يتقدم عليها الا مكة والمدينة ، وهي ثالثتهما ، أعزها الله وأكرمها بالمسجد الأقصى ، وستبقى بإذنه تعالى عزيزة كريمة مهما طال سواد ليلها ، لأن نهارها بشمسه الساطعة قادم لا محالة .

ومن ايمان قوي بأنه " لن يحرث البلاد الا عجولها " فإن الغيورين على القدس من أبنائها ، والذين يحترقون كالشموع التي تضيء عتمة الليل حرقة على الثقافة العربية والاسلامية في القدس ، لا يتركون لحظة يستطيعون استراقها للحفاظ على ما تبقى من ثقافة عربية في القدس إلا واسنغلوها ، هذه الثقافة التي يُخطط لها أن تكون بالعبرية الفصحى ، ومن هنا فإنهم لا ينتظرون تشكيل اللجان الرسمية ، ولا ينتظرون الشيكات العربية ، ولم ينتظروا قرار وزراء الثقافة العرب القاضي باعتبار القدس عاصمة للثقافة العربية عام   2009بل سيقوه بسنوات بالرغم من اهمية هذا القرار لأنه في حالة تنفيذه فإنه على الأقل سيعيد قضية القدس الى صدارة وسائل الاعلام عن قصد أو عن دون قصد ، وبالتالي فإنه سيعيد هذه القضية الى ذاكرة الجماهير والشعوب العربية التي هي الأخرى يجري تغييبها عن القدس . ولهذا فهم لم يبخلوا على القدس بشيء يملكونه ، ومن ايمان راسخ بأن " ما حك جلدك مثل ظفرك " وأن الشدائد هي محك الرجال حقاً ، فإن الرجال الرجال في القدس الشريف انتبهوا الى اهمية الحفاظ على الثقافة العربية الأصيلة في المدينة المقدسة التي تعيش أكثر من ثقافة دينية ، وأكثر من ثقافة قومية وعرقية ، ومع أن التركيز المعادي ينصب على تغييب الثقافة العربية عن المدينة مصاحباً لتغييب الطابعين العربي والاسلامي عنها ايضا ، فإن مثقفي القدس وكتابها وفنانيها والذين يعيشون مرارة الواقع، انتبهوا مبكراً لهذا الخبث السياسي وللثقافات الدخيلة التي تحاول جاهدة تغييب كل ما هو عربي عن المدينة التي ينطق فيها كل حجر وكل شجرة  وكل ذرة تراب بأن بُناة المدينة هم العرب ، وأن مالكيها هم العرب ، وأن لغتها هي العربية . ولن تقبل بغير هذا . فجاءت فرق الرقص الشعبي لتحافظ على دبكاتنا ورقصاتنا الشعبية ، وأخذ الفنانون المسرحيون ورغم ضيق ذات اليد بتأليف وتمثيل وتقديم الاسكتشات والعروض المسرحية التي تحمل هموم المدينة الحزينة وهموم المقدسيين الذين يعضون على تراب مدينتهم بالنواجذ رغم كل محاولات التطهير العرقي التي يتعرضون لها . وانتشرت اللوحات الفنية التشكيلية التي تحمل رسومات عن معالم عظيمة وتاريخية في المدينة ، ولم تكن لوحة " جمل المحامل " التي تُمثل فلسطينياً يحمل القدس القديمة على ظهره لوحة البداية كما أنها لم تكن لوحة النهاية .

والانتاج الأدبي والثقافي والعلمي والبحث التراثي والتاريخي والتوثيقي هو الآخر لم يتوقف يوماً في القدس ، وان كان المبدعون لا يجدون دار نشر تنشر ابداعاتهم وتقوم بتسويقها ، فإنهم يقتطعون لقمة الخبز المرّ عن أفواه أبنائهم لنشر ما يستطيعون نشره . كما أن الندوات الثقافية مستمرة ومتواصلة هي الأخرى، وعلى سبيل المثال فإن ندوة اليوم السابع الاسبوعية والدورية والتي تٌقام مساء كل خميس في المسرح الوطني منذ العام 1991 والتي أصدرت أربع كتب توثيقية حتى الآن عن جلساتها وتنتظر اصدار كتابين آخرين ، هي الندوة الثقافية الوحيدة التي تمأسست وتواصلت وحافظت على وجودها في طول الوطن الذبيح وعرضه . ولم ينتظر القائمون على هذه الندوة حمداً ولا شكورا من أحد لان هدفهم هو ارضاء الله وارضاء ضمائرهم والحفاظ على الثقافة العربية في المدينة المقدسة، ويحلمون بأن لا يبقى أصحاب القرار الفلسطينيين في غربة عن الوضع الثقافي في القدس ، لأن القدس تستحق الكثير الكثير،وتستحق اكثر من تشكيل لجان ثقافية للإعداد للقدس عاصمة الثقافة العربية عام 2009والتي استثني منها فرسان الثقافة المقدسيين.