ويبقى الإسلام ثابتا وشامخا
م. محمد حسن فقيه
كم من يوم أطلت علينا فيه صرعة جديدة بثوب مزركش وضاء ، وبهرجة إعلامية طاغية ، ما لبثت فترة بسيطة من الزمن حتى بهتت زركشتها ، وفقدت بهرجتها ، وخفت بريقها ، وانطفأ ضوؤها ، وانقطع صيتها وشهرتها بين الناس ، فلكل جديد رهجة !
أو أن صرعة أخرى جديدة قد برزت إلى حيز الواقع وركب موجتها العوام والرعاع ، وانصرف إليها السذج من الناس والدهماء ممن كانوا يعدون خلف بهرجة الأولى ، ويحملون رايتها ، يلوحون بها ويهتفون لها ، ويكيلون لها المديح والتصفيق بلا حساب ، حتى تحمر الأكف وتكلّ الأشداق .
وتتوالى هذه السلسلة من التقليعات وصرعات الأفكارالمستوردة واحدة تلو الأخرى ، والإسلام كالطود منتصب شامخ شموخ الجبال الراسيات ، صامد صمود الأبطال الأشاوس ، يتحدى كل هذه هذه الصرعات من الأفكاروالتقليعات ، مهما سندت ودعمت من مراكز القوى وأوساط النفوذ وأعداء الإسلام بالمال والعتاد والرجال ، ومهما زينت وحفت بالنعيم العاجل والأهواء والشهوات ، لأنها صرعات مزيفة دخيلة تصادم الفطرة البشرية ، وإن كان الوصوليون والأعداء قد تسلقوها في مرحلة معينة لتسخير مصالح الشعوب والجماهير إلى مصالحم الشخصية ، وتنفيذ ما تطمح إليه نفوسهم المريضة ، وقلوبهم المنكوسة ، من حب السلطة والمال والشهوة العارمة ، لتنفيذ أجندة خارجية ، بحسب تعليمات الأسياد الحقيقيين أصحاب هذه الأفكار والصرعات ومصدريها إلى بلادنا وأوطاننا .
إن لكل جواد كبوة ، وإن المارد العملاق قد تمر عليه ظروف قاسية من الغبش الفكري والتعمية الإعلامية ، بسبب تآمر قوى الشر مجتمعة عليه ، والمكر به والكيد له ، وإغراء بعض أبناء جلدته وسفهائهم عليه ، حتى يستنسر عليه الذباب وتستأسد عليه الفئران والأرانب ، وتعلو مجلجلة أصوات الرويبضة من أراذل الأمة وسفهائها ، بسن القوانين وتوزيع الأوامر وفرض التعليمات .
لكن هذه التعمية لا تستمر طويلا ، وذاك الغبش لا يدوم كثيرا ، فإن الحقيقة ما تلبث أن تعلو ساطعة بلجاء رغم أنوف الحاقدين والظالمين ، فإن الفرج لا يأتي إلا من بعد الشدة ، وإن الفجرلا ينبثق إلا من حجب الظلام ، وإن الشمعة المشتعلة التي حجب نورها برقعة رخيصة من قماش أو صفحة من ورق ، لا تلبث أن تحرق الحجاب المحيط بها فتزداد نورا وتوهجا واشتعالا ، فكيف بمن يفكر أن يحجب نور الشمس ؟ ! .
إن هياكل الذهب الضخمة قد يجتمع ويتكالب عليها الذباب ويغطيها كاملا إذا طليت برطل رخيص من الحلوى ، إلا أن ذلك لا يغير من حقيقة ذلك المعدن النفيس وجوهره قيد أنملة .
ولا غرو ولا عجب في تهافت الناس على تلك الصرعات ، وتكالب البعض عليها والنفاق لأهلها ، فما كان الحق يوما مع الكثرة على مدار التاريخ ، وما أولئك إلا إمعات تصفق لكل ناعق شرط أن لا يمسها بسوء ، ويرخي لها حبلها على الغارب ، لتستمر في نهجها ومسيرتها من النهمة والجشع المادي ، والجري خلف حطام الدنيا ، واللهاث خلف شهوتي البطن والفرج ، ومتاع هذه الدنيا الزائف الزائل .
فما هذه النوعية من البشر إلا أرقاما تتحرك ، وإن كان لها لسانا وشفتين ، وقلبا ورجلين ، مهما بلغ عددهم وعدتهم ، وما هم إلا غثاء وزبد طاف وفقاعات جوفاء ، لا تظهر إلا عندما تتعكر المياه ويسودها الصخب والضجة من دوامات العواصف وشرورالقواصف ، فتختلط الأمور وتتبلبل الأوضاع ، وتسود الفوضى ويعم الفساد .
إلا أن العاصفة ما تلبث أن تهدأ ، وتروق المياه وتصفو ، فيختفي الزبد الأجوف ويمكث غثاء التبن والقش اليابس في جحور الفئران والأفاعي مختفيا مخزيا .
( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) ( الرعد – 17 )
ويبقى الإسلام صامدا راسخا ثابتا ثبوت الجبال ، شامخا برأسه عاليا ، عزيزا كريما عملاقا ، لم يتأثر أصله أو يتغير جوهره ، وإن هبت عليه عواصف الغبار وقواصف الريج ، فغطت المعدن النفيس بطبقة رقيقة من الغبار، فإن زخة من مطر تنفحها السماء كرما وفضلا من رب الرحمة والنعم ، كفيلة بأن تجلو وتزيل كل آثار الغبار والغبش ، ليظهر المعدن الأصيل على حقيقته يعري تلك الأفكار المزيفة ،ويتفسخ ذلك الغلاف الناعم الرقيق من الزركشة الوضاءة ، الذي يغطي تلك الأفكارالدخيلة والصرعات المستوردة ، فيتقشر ويتساقط كاشفا عن حقيقة اللباب الداخلية ، فتظهر مادته المزيفة ، وتتفشى رائحته النتنة ، لتنبأ كل رجل منصف ، أو حر يعي ويعقل ، عن أصل هذه الشجرة المزيف ، ومعدنها الرخيص ، وثمارها السامة ، وأصل منبتها الخبيث .
( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار * يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء *) (ابراهيم - 24- 27 )
إن الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة ، وهل من كلمة أطيب وأعز وأغلى وأثمن وأشرف من كلمة الإسلام ، ففي الإسلام السلام والمحبة ، وفيه الإستسلام والطاعة والخضوع لله تعالى وحده دون سواه ، وأول ركن من أركان الإسلام الشهادتان،( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ) فهل من كلمة أطيب وأكرم منها وهي أصل التوحيد وعنوانه ،كما أنها أثقل كلمة في الميزان .
وأما الكلمة الخبيثة أمثال تلك الشعارات المزيفة ، والأفكار المسمومة المستوردة من أعداء المسلمين ، لمضاهاة الإسلام وتشويه حقيقته وجوهره الناصع ، كشجرة خبيثة الأصل والمنبت ، فاسدة الطعم والرائحة ، مسمومة الثمار والنتاج ، وفوق هذا فهي تموج فوق رمال متحركة ، مهما حاول زارعوها تثبيتها وتزيينها وبهرجتها لتجميلها ، فإنها لا تصمد أمام أبسط الأعاصير، وأضعف السيول ، لأنه لا جذور لها في هذه الأرض تثبتها ، ولا أصل يتحمس لها ويدافع عنها ، فتقلبها الرياح وتجرفها السيول ، لترمي بها إلى المستنقعات ، وتدفنها في مزابل التاريخ .