الأبارطيد ضدّ الشعب الفلسطيني

حمّودان عبد الواحد

حمّودان عبد الواحد

أستاذ وباحث يقطن بفرنسا 22.01.2010

[email protected]

تقرير امرأة القانون الاسبانيّة لوسيانا كوكوني وأستاذ القانون والعلوم السياسيّة

في جامعة برشلونة دافيد بونديا كارسيا

نشر في 17 يناير 2010

ترجمه إلى الفرنسيّة : شارلينك طاوو وجاك جدواب وكريستين جدواب

" إذا كنّا قد استطعنا أن نضع نهاية لحماقتنا ، يصبح من الممكن تحقيق هذا في كلّ مكان آخر على وجه الأرض. إذا كان السلام قد تحقق في جنوب أفريقيا ، فمِن الممكن بدون شكّ تحقيقه في الأرض المقدّسة " .

بهذا التصريح المشهور الذي يُنسَب إلى دسمون توتو أسقف جنوب إفريقيا الذي نال جائزة نوبل للسلام في سنة 1984 ، يستهلّ تقرير " الأبارطيد ضدّ الشعب الفلسطيني " دراسته الموضوعيّة ، من وجهة نظر قانونيّة ، حول موضوع الاحتلال الاسرائيلي وممارسته للقمع والتمييز العنصري الدائميْن في حقّ الفلسطنيّين.

وقد أصبح ممكناً لكلّ قارىء منذ 17 يناير 2010 أن يطّلع على هذا التقرير في نسخته الفرنسيّة الجاهزة على موقع BDC

http://www.bdsfrance.org/images/stories/Apartheid_contre_le_peuple_palestinien.pdf

وهذا ، في الحقيقة ، خبر سارّ يدخل شيئاً من الأمل على قلوب الفلسطنيّين وكلّ التوّاقين إلى العدالة والحرّيّة والمناضلين  من أجل سلام حقيقي ودائم في الشرق الأدنى والأوسط ، بل وفي العالم بأسره.

إنّ هدف هذا التقرير، كما يقول الدكتور دافيد بونديا كارسيا في المقدّمة ، هو " تحديد ما  إذا كان فعلا أم لا وجود جريمة الأبارطيد في حقّ الشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من أنّ الأسرة الدوليّة قد قرّرت أن تصنّف جريمة الأبارطيد في عداد تجارب وأحداث تخصّ جنوب أفريقيا ، فإنّ السبب الأصلي وراء هذا التصنيف أي وجود نظام سياسة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا أصبح الآن واقعاً تاريخيّاً يُقاسُ عليه. ولهذا فإنّ المتابعات ضدّ جرائم تشبه هذه الجريمة هي دائماً موضوع الساعة ، وذلك إمّا عن طرف " الإتفاقيّة ضدّ جريمة الأبارطيد " ، وقوانين المحكمة الجنائيّة الدوليّة أو القانون العرفي الدولي ".

ويقدّم دافيد بونديا كارسيا التعريف الذي تعطيه المادّة 7 من قوانين المحكمة الدوليّة الجنائيّة لجريمة الأبارطيد باعتبارها " تصرّفات لاإنسانيّة مُرتكبَة في إطار نظام مؤسّساتي قائم على قمع منظم مطلق وسيطرة تمارسهما جماعة عرقيّة على جماعة أو جماعات عرقيّة متعدّدة بنيّة تكريس هذا النظام ".

اعتماداً على هذا التعريف كمرجع يحتوي على كلّ أحكام القضاء والقانون العرفي الدولي حول هذا الموضوع ، يحاول هذا التقرير، وباتّباع كذلك لما تقول به " الاتفاقيّة حول جريمة الأبارطيد " ، تحديد ما إذا كان الشعب الفلسطيني يعاني من حالة ووضعيّة سياسيّة مماثلة.

ويجيب دافيد بونديا كارسيا على هذا قائلا : " انطلاقا من خرق إسرائيل للقانون الدولي الانساني في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة ، يركّز التقرير على القانون الدولي لحقوق الانسان.

من جهة ، نعتمد على تصريحات الخبراء في مختلف الميكانيزمات الموضوعة من طرف الاتفاقيّات المقنّنة لحقوق الانسان. والنقطة المركزيّة هنا هو أنّ إسرائيل صادقت على هذه الاتفاقيّات الدوليّة التي يجب عليها أن تطبّقها في كلّ الأراضي الخاضعة لتشريعها أي إسرائيل والأراضي الفلسطينيّة المحتلة . كما أنّ المعلومات التي أخضعناها للتحليل مصدرها الحكومة الاسرائليّة نفسها، بحيث ليس من الممكن القول بأنّ الادانات المتكرّرة الصادرة عن هؤلاء الخبراء هي أحاديّة الجانب أو منحرفة ، إذ أنّ إسرائيل نفسها اعترفت بسلطة  القانون.

من جهة أخرى ، وفيما يخصّ الميكانيزمات غير القائمة على الاتفاقيّات ، نعطي الكلمة لمختلف التقارير الخاصّة التي أظهرت بطريقة جليّة وقاطعة الطابع العنصريّ التمييزي للسياسة الاسرائليّة المبنيّة على خطة مدروسة في بعض المجالات من طرف بعض السلطات في الحكومة. ونضيف إلى هذا تقارير أخرى لهيئة الأمم المتحدة ، ومنها وجهة نظر مقرّر محكمة العدل الدوليّة حول النتائج القانونيّة لبناء السور في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة. بعد هذا التحليل للتشريع الدولي ، يركّز التقرير على التشريع المطبّق في إسرائيل والأراضي الفلسطينيّة المحتلة ويظهر بطريقة واضحة أنّ الفلسطنيّين لا يُعانون فقط من التمييز وإنّما أيضاً من سلب كرامتهم الإنسانيّة وعدم احترامهم كبشر. وهذا النوع من الممارسات يحمل في القانون اسم " جريمة الأبارطيد ".

ويختم دافيد بونديا كارسيا  حديثه في مقدّمة التقريربالإشارة إلى الاقتراحات التي يصوغها مع زميلته لوسيانا كوكوني للتحرك ضدّ الأبارطيد : " الآن ، وقد غاب حاجز الدخان الذي كان يمنع الأسرة الدوليّة من رؤية المماثلة بين جنوب أفريقيا والأراضي الفلسطينيّة المحتلة ، يمكن اقتراح خطط عمل وتحرّكات من شأنها أن تدفع بالحكومات والمنظمات الدوليّة والمجتمع المدني إلى التنديد بسياسة الأبارطيد في صوت موحّد ولغة واحدة ، وكذلك تحطيم الحواجز الماديّة والقانونيّة التي تمنع الشعب الفلسطيني من استرجاع كرامته المهذورة ، والسماح له بممارسة حرّيّته وحقوقه الإنسانيّة ". وسيجد القارىء كلّ هذه الإقتراحات العمليّة مفصّلة في التقرير.

هل يمكن لأمنيّة دسمون توتو حول السلام في الأرض المقدّسة أن تتحقق ؟ هذا ما تراهن عليه هذه الدراسة الموضوعيّة القانونيّة . إنّها صوت التشريع والعدالة الدولييْن ... لكنّها قبل هذا ، دلالة على صمود الانسان ضدّ الظلم والاستعباد ، وتعلقه الأبدي بالحق الذي يسكن قرارات نفسه.