فن صناعة الحب
حواء & آدم
فن صناعة الحب
محمد الرمادي
فينا - النمسا
الفنُ موهبة وقدرات وللصناعة أدواتها، والحب غُرز في النفس البشرية لحظة التكوين والإنشاء ومنذ بدء الخليقة، لذلك فكل إنسان يملك تلك الموهبة وهذه القدرات، ولديه من أدوات ومستلزمات الصناعة ما يكفيه أن يكون بنفسه رائدا من رواد هذا الفن، بيّد أن الموهبة تحتاج لصقل والقدرات تحتاج لتنمية والإدوات تتطلب تحديث وابتكار والمستلزمات تتطلب صيانة وتنظيف، والنفس البشرية يعلوها الصدأ من الواجبات اليومية الرتيبة فيختفي تحت طبقة الصدأ الرقيقة المعدنُ النفيس لكل إنسان محب، ولخصوصية علاقة حواء & آدم نكتفي بجانب من جوانب العلاقة البشرية، وحاولنا أن نبحث في المراجع فوجدنا من استخدم لفظة الرومانسية ثم نسبها إلى الرسول محمد ، غير أننا تعمدنا إهمال لفظة رومانسية النبي محمد لأسباب عقدية، إذ يقول بول فاليري:" لابد أن يكون المرء غير متزن العقل إذا حاول تعريف الرومانسية "، وهي مذهب أدبي يهتم بالنفس الإنسانية وما تزخر به من عواطف ومشاعر وأخيلة أيا كانت طبيعة صاحبها مؤمنا كان أو ملحداً مع فصل الأدب عن الأخلاق وإستجابة النفس لأهوائها وهو مذهب متحرر من قيود العقل والواقعية وقد زخرت بتيارات لا دينية وغير أخلاقية، والرومانسية كلمة أصلها لاتيني „Romance“ ومعناها قصة أو رواية، وترجع الرومانسية الإنجليزية إلى عام 1711م، أما الفرنسية فتعود لعام 1776م، ويعد الناقد الألماني فريدريك شليجل„Friedrich von Schlegel“ أول من وضع الرومانسية كمصطلح نقيض للكلاسيكية، ثم تبلورت الرومانسية كمذهب أدبي وبدأ الناس يدركون معناها الحقيقي التجديدي وثورتها ضد الكلاسيكية، والثورة الفرنسية 1798م عامل مهم للفكر الرومانسي المتحرر والمتمرد على أوضاع كثيرة أهمها الكنيسة وسطوتها، وفي إيطاليا ارتبط الأدب بالسياسة عام 1815م وأصبح اصطلاح رومانسي في الأدب يعني ليبراليا (أي حراً أو حرية) في السياسة. فالرومانسية لها جذور فكرية عقائدية كالثورة ضد العقائد اليونانية المبنية على تعدد الآلهة، أما الرومانسية الجديدة فقد قال أصحابها: "لا خير في عاطفة وخيال لا يحكمهما العقل المفكر والذكاء الإنساني والحكمة الواعية والإرادة المدركة"، وكثير من الحداثيين اعتنق الرومانسية بل عدها بعضهم أحد اتجاهات الحداثة. والرومانسية في الإسلام تلزم كل تيار أدبي بالدين والأخلاق كجزء من العقيدة وإذا كانت ملازمة للحزن والتعبير عنه. فاللفظة دخيلة على عربيتنا ولا ينبغي لنا أن نترك النبع الصافي، وإن كنا لا نرى مشاحة في أستخدام المصطلحات وفق معايير دقيقة.
إن الناظر إلى المشاكل العائلية التي يقع فيها الأزواج حديثي العهد بالزواج أو الذين مرت عليهم فترة لا بأس بها ليستدعي منا أن نقف وقفة تأمل وتفكير خصوصاً عندما نرى أن بيوت النساء (التي ترعي الزوجات إثناء فترة الشجار) قد حلَّ بها ضيوف ليسوا من أهل هذا البيت، وأن محاضر البوليس قد امتلئت شكاوي، وحصل الزوج على قرار بمنعه من الإقتراب من بيته أو أولاده فهو قد ضرب زوجته أو شتمها أو سبها أو لعن الدين، وأن المحاكم قد اكتظت عن أخرها بقضايا الطلاق والسبب في غالب الأحيان يكون نتيجة عناد أو سوء حكمة وتدبير من كلا الطرفين، ولو رجعنا قليلا إلى الوراء وتأملنا جيداً السيرة النبويّة الشريفة لوجدنا أن الرسول قد عالج طريقة معاملة المرأة - الزوجة - بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى فقد كان يوليها عناية فائقة، ومحبة لائقة. ولنا معه قبسات نورانية وأمثلة رائعة من خلال حياته اليومية، فتجده أول من يواسيها ويكفكف دموعها، ويقدر مشاعرها، ولا يهزأ بكلماتها، فيسمع شكواها، ويخفف أحزانها، ولعل الكتب الأجنبية الحديثة التي تعنى في الحياة الزوجية تخلو من الأمثلة الحقيقية، ولا تعدو أن تكون شعارات على الورق!! وتعجز أكثر الكتب مبيعاً في هذا الشأن أن تبلغ ما بلغه نبي الرحمة فهاك شيئاً من هذه الدرارى، فتفضلوا لنضيّف أنفسنا على مائدة النبي حين كان يتناول طعامه ....
ففي صحيح مسلم تقول أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها: كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله - أي النبي - فيضع فاه ـ الشريف - على موضع فيّ، وكنت أتعرق العرق وأنا حائض ثم أناوله النبي فيضع فاه على موضع فيّ. (المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 300)
وفي رواية: " كنت أتعرق العَرْق وأنا حائض فأعطيه رسول الله فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه، وكنت أشرب من القدح فأناوله إياه فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب". (أبو داود).
[المراجع: الإمام مسلم في صحيحه وعند الإمام النسائي وفي سنن أبي داود وسنن أبي عوانه والدارمي ومسند أحمد، وفي منتخب الكنز]
والعَرْق: العظم عليه بقية من اللحم، وأتعرق أي آخذ عنه اللحم بأسناني نهشاً.
وفي رواية أخرى:" كان رسول الله يعطيني العرق فأتعرقه ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في، ويعطيني الاناء فأشرب ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في" (مسند أحمد 64/ج6 ) .
فمن فقه الحديث نعلم :
„مؤاكلة النبي لزوجاته حال الحيض“.
وهذا بخلاف حال اليهود ومن شابههم من بعض المسلمين الذين يتقذّرون المرأة إذا كانت حائضا أو نفساء، فعن أنس :" أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحابُ النبيِّ النبيَّ فأنزل الله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ ) إلى آخر الآية ، فقال رسول الله : "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" ، فبلغ ذلك اليهود ، فقالوا : "ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه". فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا : "يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا ، فلا نجامعهن ؟"، فتغيّر وجه رسول الله حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي ، فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما . (رواه مسلم) .
فيمكننا القول بأنه لم تعرف المرأة عشرة زوجية بالمعروف - كما تعنيه هذه العشرة من كمال لأحد من البشر- كما عرفته لرسول الله ، المبين للقرآن بحاله وقوله وأفعاله وسلوكه.
فإن كان النبي خير الناس لأهله، فإن معاشرته لهم لا بد أن تكون مثالية حقًا، في كل ما تعنيه الخيّرية من كمال خُلُقي في السًّلوك، والتَّعامل الأدبي، والتعاملي، من محبة وملاعبة، وعدل ورحمة، ووفاء، وغير ذلك مما تقتضيه الحياة الزوجية في جميع أحوالها وأيامها، كما أوضحت ذلك كتب السنَّة ومؤلفات شمائله ومراجع السيرة، وذلك هو ما دلت عليه السنّة المشرفة بأحاديثها الكثيرة من سلوكه معهن ومعاملته لهن...
ولهذا فإننا نتمنى أن يسود الاحترام بين الزوجين، لأن الاحترام سر دوام المحبة الزوجية واستمرار الاستقرار العائلي
كم هي جميلة الحياة الزوجية لو يتعامل الزوجان بهذه النفسية المحمدية؟! وكم هو جميل أن نستمع لصوت العقل والعاطفة لحظة إدارة الأزمات بدلا من فرقعة اللطمات والسب واللعن بأعلى الأصوات، ثم ما أحوجنا إلى فتح صفحات التاريخ النبوي والإسلامي لنكتشف أجمل النظريات في الفنون الزوجية.
ولعل هذه هي الصفحة الأولى من فن صناعة الحب.