يهود دمشق

شمس الدين العجلاني

اليهود والبرلمان السوري

1919 – 1928

شمس الدين العجلاني*

[email protected]

(3)

مقدمة :

سورية هي سورية التي اخترعت أول أبجدية في العالم, هي مهد الحضارات, بها تفاعلت وتمازجت، ومنها انطلقت إلى كل بقاع الأرض وشواطئها.
هي سوريه مهد الديانات كان منها الأباطرة السوريين.. من كاراكلا وإيلاغابال إلى فيليب العربي، كان منها باباوات روما من"القديس أنيست Anicet من حمص، ويوحنا الخامس، والقديس جورجيوس الأول وغريغوريوس الثالث وتيودور الأول، إلى أسقف إنطاكية أغناطيوس الانطاكي وغيرهم كثيرون من الرهبان السوريين الذين ملؤوا أكثر من معبد ودير في تلة آفانتيان Aventin طوال العصور الوسطى".

سورية هي سورية التي أعطت القارات أسماءها, فقارة أسيا اسم أخذ من السريانية القديمة ابنة الآرامية, وأوروبة هي شقيقة الملك الكنعاني قدموس. وإفريقيا اسمها من اسم فاتح سوري عظيم هو افريقش بن صيفي.

من سورية انطلقت الدعوة المسيحية إلى أوروبة عن طريق القديس بولس, ومن دمشق انطلقت الفتوحات العربية الإسلامية إلى بلاد الأسبان غرباً وسور الصين شرقاً وبلاد الروس والصقالبة البلغار شمالاً ومجاهل إفريقيا جنوباً.

في ارض سورية تم الانتقال من حضارة الحجر إلى حضارة المعدن, في ارض سورية (ايبلا)أقدم المكتبات في التاريخ, وفي سورية (رأس شمرا بمدينة أوغاريت) تم استنباط أول أبجدية في التاريخ....

أنجبت دمشق عباقرة وفلاسفة ومشاهير تركوا بصماتهم الحضارية على مر الأيام ففي الإمبراطورية الرومانية المعماري ابو لودور الدمشقي الذي بنى أول جسر على نهر الدانوب وأقام عمود تراجان الشهير في روما كما كان في روما رجل القانون الدمشقي بابينانو...

سورية هي التي فتحت ذراعيها للمهاجرين اليهود من الأندلس وعاملتهم على أنهم من رعاياها فكان منهم الطبيب والتاجر والاقتصادي والنائب في البرلمان .. إلى أن جاءت حرب عام 1948 فكان ما كان واختلفت الظروف واختلفت المفاهيم ..

ولكن القاصي والداني يعلم أن سورية أعطت  اليهود بقدر ما تستطيع وأنعمت عليهم بالحب والخير ، وعاشوا بيننا بكل محبة ودرسنا معا و أكلنا معا وتزوجنا معا .. ولم يفرق أهل سورية منذ الأزل بين طائفة وأخرى ، فهذه سورية وهؤلاء أهلها .

لمحة تاريخية :

 تعتبر التجربة النيابية (البرلمانية) في بلاد الشام من أولى التجارب في المنطقة العربية حيث تم انتخاب أول مجلس نيابي (برلمان) في بلاد الشام ( سورية بحدودها الحالية و لبنان و فلسطين و الأردن )عام 1919 تحت اسم المؤتمر السوري و أفتتح في النادي العربي بدمشق بتاريخ 7حزيران 1919 و تعاقب على رئاسته ثلاث رؤساء :

فوزي العظم (من دمشق )

هاشم الأتاسي ( من حمص )

رشيد رضا ( من مدينة طرابلس )

وتتالت بعد ذلك المجالس النيابية في سورية تحت تسميات مختلفة ( المجلس التأسيسي – الجمعية التأسيسية – مجلس النواب – المجلس النيابي ....) وكانت هذه المجالس تعدّل أو تعطّل أو تلغى تبعاً لمصلحة الانتداب أو للظروف  السياسية السائدة آنذاك ..

أما في عهد الوحدة مع مصر فقد قام مجلس أمة واحد ضم في عضويته ( 200) عضو عن الإقليم الشمالي ( سورية ) و ( 400) عضو عن الإقليم الجنوبي ( مصر )....كما انشأ في عهد الانفصال المجلس التأسيسي والنيابي 0

 و انتقلت سورية بعد الثامن من آذار نقلة جذرية و تغيرت فيها الحياة السياسية و الاجتماعية و التشريعية تغيراً نوعياً و تأسس خلال هذه الفترة المجلس الوطني للثورة عام 1965 من 95 عضواً و أيضاً أعيد تشكيل هذا المجلس عام 1966 ليصبح عدد الأعضاء 134, و أنيط بالمجلس الوطني للثورة العديد من المهام منها مهمة وضع دستور دائم للبلاد و سلطة التشريع و مراقبة الحكومة , و لكن لأسباب متعددة لم يتمكن هذا المجلس من أداء مهامه كمجلس تشريعي .

 و بقيت الحياة النيابية السورية شبه معطلة حتى السادس عشر من تشرين الثاني 1970 حين قامت الحركة التصحيحية ،فكان مجلس الشعب عام 1971 تعينا ومن ثم تتالت الأدوار التشريعية انتخابا دون انقطاع أو تعطيل إلى الدور التشريعي الحالي وهو التاسع 0

المؤتمر السوري الأول عام 1919:

يعتبر المؤتمر السوري أول صيغة برلمانية في المنطقة العربية ،و أعضاء هذا المؤتمر كانوا يمثلون كافة مناطق بلاد الشام من طرطوس شمالا حتى خليج العقبة جنوبا, و من البحر الأبيض المتوسط غربا حتى نهاية حدود البادية شرقا.
 
وبرغم قصر عمره من 7 حزيران 1919 ولغاية 19 تموز 1920 ، فقد كان عنوانا للعهد الذهبي والأماني القومية وبرغم عدم اتخاذ هذا المؤتمر في بداياته للطابع البرلماني المعروف من حيث التفاصيل الدقيقة في سير النظام والجلسات لان مهمته الأساسية كانت تقرير مصير البلاد أمام اللجنة الأمريكية ( كنغ 0 كراين ) إلا أن هذا المؤتمر ما لبث أن اتخذ لنفسه الصفة التشريعية ( البرلمانية )

فشكل لجنة لوضع دستور دائم للبلاد ، وأبدى ملاحظاته الكثيرة على مجمل الأمور السياسية والتشريعية التي كانت قائمة آنذاك  في البلاد، وقرر في جلسة تاريخية استقلال البلاد السورية في 8 آذار 1920 وتنصيب الأمير فيصل ملكا دستوريا على سورية الطبيعية ، واستمع لأول بيان وزاري ، واستمع إلى خطاب العرش بعد تسميته للأمير فيصل ملكا على سورية ورفض إنذار غورو0

تعطل البرلمان العربي الأول ( المؤتمر السوري ) بدخول المستعمر الفرنسي إلى البلاد في 24 نيسان 1920 ونكبت الأماني القومية وانتهت التجربة البرلمانية الأولى في المنطقة والتي دامت عاما ونيف 0

تألف المؤتمر من 123 عضوا منهم 88 عضوا منتخبا و عين 35 مندوبا عن القبائل ورؤساء الأديان ، وفي الجلسة الافتتاحية التي عقدها المؤتمر تم انتخاب محمد فوزي العظم رئيسا له..

وانتخب في هذا المؤتمر اليهودي يوسف لينادو نائبا عن دمشق فكان أول برلماني يهودي سوري في البرلمان عام 1919 بعكس ما ورد في بعض الكتب المتداولة في الأسواق بأن اليهود كانوا في البرلمان في الأربعينيات .! ولم نستطع أن نتبين أي نشاطات للنائب لينادو في هذا المؤتمر لعدم توثيق فعاليات المؤتمر ونشاطاته بشكل دقيق .. ولكننا نستطيع أن نتبين دور اليهود في مبايعه الأمير فيصل ملكا على سورية فحين أعلن المؤتمر الأمير فيصل ملكا على سورية يوم 8 آذار عام 1920 و في حفل المبايعة التي أقيمت بهذه المناسبة قدم رئيس الحاخامين التبريكات للملك فيصل باسم يهود سورية ، كما كان حاخام الإسرائيليين يعقوب دانون أول من وقع على صك البيعة للملك فيصل

المجلس التمثيلي النيابي لدولة دمشق عام 1923 :

لم تمثل في هذا المجلس الطائفة اليهودية ، لان أعضاء هذا المجلس لا يتجاوز عددهم30 عضوا ، و لان هذا المجلس يمثل دولة دمشق  فقط الشاملة مدينتي حمص وحماه ومنطقة حوران ، وكان هنالك في نفس الوقت مجالس تمثيلية نيابية  في كل من دولة حلب و دولة العلويين وجبل الدروز ، حيث قام المستعمر الفرنسي آنذاك بتقسيم سورية إلى عدة دويلات ولكل دولة مجلسها النيابي .

الجمعية التأسيسية عام 1928 :

تحت ضربات رجال الثورة السورية الكبرى التي انطلقت عام 1925 جعلت المسيو هنري بونسو المفوض  السامي يستجيب لمطالب الوطنين بإنشاء جمعية تأسيسية,و يصدر القرار رقم 1889 بتاريخ 20 آذار 1928 المتعلق بانتخابات المجلس النيابي في دولة سورية و
تشكلت حكومة برئاسة الشيخ تاج الدين الحسني,التي جعلت من أولى مهامها القيام بإجراء انتخابات مجلس تأسيسي يقوم بإعداد وإصدار الدستور الذي يجب على أساسه أن تحكم البلاد، واصدر الشيخ تاج الدين الحسني القرار رقم 29 تاريخ 1-4-1928 و القرار رقم 35 تاريخ 4-4-1928 حدد بموجبهما نواب المناطق الانتخابية والطوائف التي ينتمون إليها ، وكان نواب دمشق و ضواحيها على الشكل التالي :

10 سنيون ، 1 روم أرثوذكس ، 1 روم كاثوليك ، 1 إسرائيلي

وذلك من أصل عدد النواب البالغ 70 نائبا .

 وبالفعل جرت انتخابات في يومي 10 و 24 نيسان 1928, فاز بها مرشحو الكتلة الوطنية ومرشحو الفئات الوطنية الأخرى في أكثر المناطق و البلدان.وعن الكتلة الوطنية فاز اليهودي يوسف لينادو عن المقعد الإسرائيلي .
افتتح هذا البرلمان أعماله بتاريخ 9 حزيران عام 1928 فترأس هذه الجلسة أكبر الأعضاء سنا وهو الحاج محمد أفندي أضه لي, وعضوية أصغر عضوين سنا و هما نقولا خانجي و سعيد الغزي, وقد جرى في هذه الجلسة انتخاب مكتب المجلس، وكان لينادو أثناء هذه الجلسة عضوا في لجنه تدقيق الاقتراع ، وفاز برئاسة المجلس السيد هاشم الاتاسي .

كما رشح النائب لينادو نفسة لمنصب رقيب الهيئة التي تتولى الأعمال الإدارية في البرلمان وعددهم ثلاثه ونال 4 أصوات فقط ونجح حينها لهذا المنصب كل من سعد الله الجابري و نقولا جانجي و فخري البارودي .

و بتاريخ 12 حزيران عام 1928 انتخب النائب لينادو عضوا في لجنة الدستور وهذه اللجنة مؤلفه من 27 عضوا برئاسة رئيس المجلس هاشم الاتاسي  وهي من أهم لجان البرلمان .

ولم نستطع أن نتبين نشاطا ملحوظا تحت قبة البرلمان أو من خلال اجتماعات اللجان النيابية للنائب لينادو سوى مناقشته التي جرت في الجلسة التي عقدتها الجمعية يوم 23 حزيران 1929 حول النظام الداخلي لها .

عطلت الجمعية التأسيسية بموجب قرار المفوض السامي بتاريخ 3-3-1929 إلى اجل غير مسمى .

ويعتبر اليهودي يوسف لينادو ، وهو من العائلات اليهودية المعروفة بدمشق ، أشهر برلماني يهودي في سورية ، وكان من الشخصيات المعروفة بدمشق ليس على مستوى طائفته فقط بل على مستوى المدينة ككل ،وكان يخوض الانتخابات النيابيه ضمن قائمه الكتلة الوطنية ، وكان يحمل لقب ( أفندي ) ، وقد تعرض النائب لينادو لحملة سخرية قادتها ضده مجلة المضحك المبكي ، ولم نعرف سبب هذه الحملة فقد وجهت المضحك المبكي في عددها رقم 49 تاريخ 25 تشرين الأول عام 1930 رسالة في صفحتها الأولى تحت عنوان برسم لينادو أفندي، وتبعتها برسالة أخرى في العدد رقم 50 تاريخ 8 تشرين الثاني عام 1930 ، تضمنت الرسالتان سخرية لاذعة .

وكان لينادو يتقاضى راتبا شهريا من المجلس النيابي قدرة  135 ليره سورية ذهبية .

              

* صحفي وكاتب