لماذا فاز حزب العدالة في تركيا..؟

رضوان سلمان حمدان

لماذا فاز حزب العدالة في تركيا..؟

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

     حقق حزب العدالة والتنمية فوزاً تاريخياً في الانتخابات التركية، ,استطاع بقيادة رجب طيب أردوغان أن يحقق فوزاً مريحا بحصوله على 342 مقعداً من أصل 550 مقعداً، وبذلك يستطيع أن يشكل الحكومة التركية منفرداً، بل وباستطاعته حسم الأمور التي تحتاج إلى عدد أكبر من الأصوات وليس النصف فقط، عن طريق استمالة المستقلين للتصويت معه

 إذن هو انتصار كبير يعبر عن نوع من الانقلاب الثقافي في التركيبة السياسية التركية، أو قل هو نوع من نهاية "الأتاتوركية" أو النهج العلماني المصمت. وحتى لو زعم أردوغان وحزبه احترام العلمانية والدستور وتراث أتاتورك فإن المسألة مجرد وقت حتى يتم الإعلان عن وفاة الأتاتوركية في تركيا. فالحزب حصل على 47% من الأصوات، وقد حضر الانتخابات 85% من الناخبين، إذن المحصلة أن الشعب التركي صوت ضد الكمالية الأتاتوركية، فالحزب الممثل للكمالية الأتاتوركية "حزب الشعب الجمهوري" حصل على 21% فقط من الأصوات رغم دعم الجيش له، ورغم دعم رئيس الجمهورية له

 وقد يفسر البعض أسباب فوز حزب العدالة والتنمية بأن ذلك يرجع إلى النجاح في تحقيق نوع من النهضة الاقتصادية ومحاربة الفساد وانضباط الإدارة، مما عاد على الشعب التركي بالراحة الاجتماعية والاقتصادية وهذا صحيح، ولكنه يؤكد الجانب الثقافي في المسألة، فمعنى أن المدرسة الإسلامية التركية تفرز قيادات جادة ومسؤولة وغير فاسدة، في حين أن مدرسة العلمانية تفرز قيادات فاسدة وفاشلة وغير قادرة، أن مسألة نهاية الكمالية في تركيا لها أسبابها الموضوعية

 وقد يدعي البعض أن الناخب أراد أن يوجه رسالة إلى العسكر بألا يتدخلوا في السياسة، فصوت بكثافة لصالح حزب العدالة.. أو أن أحزاب المعارضة قد فقدوا دورهم فجاء حزب العدالة ليحل محلهم.

لماذا يصوت المحافظون من الأتراك لحزب ذي جذور إسلامية ويتركون أحزابهم اليمينية التقليدية، المسالة فيها شق ثقافي وخيار حضاري لاشك فيه بالنسبة للأتراك. والعدد الكردي الذي صوت للحزب يعنى أن الأكراد يثقون في حزب العدالة والتنمية، فإن معنى ذلك أن الأطروحة الإسلامية هي القادرة على توحيد تركيا، ومنع تفككها وليس المنظومة القومية الطورانية. وكلها عوامل تؤكد الجانب الثقافي في أسباب فوز حزب العدالة والتنمية

وأخيراً.. فإنه من حق البعض أن يبالغ ويعلق على نتيجة الانتخابات التركية قائلاً "نهاية الكمالية"، أو انقلاب في السياسة التركية، أو فوز تاريخي لأردوغان أو غير ذلك من العناوين.. ومن حق البعض الآخر أن يصف حزب العدالة والتنمية بأنه حزب براجماتي باع الثوابت الدينية وتخلى عن القيم الإسلامية في مقابل إرضاء الدستور والمؤسسة العسكرية أو حتى الأمريكان، وأنه يتحالف مع الأمريكان، ويسعى إلى دخول البيت الأوروبي، وأنه تنازل من أجل ذلك عن الثوابت...الخ

 ولكن القدر المتيقن منه أن الجانب الثقافي موجود، وأن الجذور الإسلامية لحزب العدالة والتنمية كانت أحد أهم الأسباب لفوز الحزب دون إغفال العوامل الأخرى طبعاً

 ويكفي أن نقول أن التقاليد غير الرسمية في تركيا وغيرها تقتضي صعوبة أن يفوز حزب مرتين في انتخابات برلمانية، فما بالك بأنه فاز وزادت نسبة فوزه عن المرة السابقة.. إنه نوع من التفويض التاريخي في بلد مثل تركيا الذي لم يشهد هذه الظاهرة، ظاهرة فوز حزب واحد مرتين متتاليتين إلا في حالة عدنان مندريس، والمفارقة أن عدنان مندريس حاول وقتها أن يعيد الهوية الإسلامية لتركيا وأعاد الأذان في المساجد باللغة العربية، ومن ثم فإن تصويت الشعب التركي له مرتين كان مكافأة له على ذلك، أي أن له أسباباً ثقافية قوية، وهكذا فإن الشعب التركي في المرتين الوحيدتين اللتين صوت فيهما لنفس الحزب في انتخابين متتاليين كان السبب الثقافي هو العامل الأهم وهذا أمر له دلالاته

 وبمناسبة الأسباب الثقافية، فإن تركيا مثلا تسعى لدخول الاتحاد الأوروبي، وتمتلك اقتصادا أقوى من دول لها عضوية قديمة في الاتحاد مثل البرتغال مثلا، ناهيك عن دول أوروبا الشرقية وقبرص واليونان...الخ وكلها دخلت الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك يرفض عدد من زعماء أوروبا دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ويضعون الحواجز والعراقيل، وكلما تجاوزت تركيا شرطاً أو حاجزاً تم افتعال شرط جديد.. والسبب الحقيقي لذلك هو الجانب الثقافي في المسألة، فأوروبا لا تريد دولة ذات ثقافة أو تراث إسلامي في النادي الأوروبي المسيحي.