اتجاهات الشباب العربي ومشكلاته
سورية أنموذجاً
زهير سالم*
[email protected]
(1)
تعتبر قضايا الشباب في العالم واحدة من الأولويات المهمة التي تتقدم على جداول
أعمال مراكز البحث والمفكرين والساسة، وتشكل اهتماما أوليا لمؤسسات المجتمع المدني
بأنشطتها المختلفة، في محاولات جادة، من هذه المراكز والمؤسسات، لاستيعاب (القدرة
المضافة) التي يتمتع بها الشباب وتوظيفها. هذه القدرة التي تجعل الشباب أكثر
عطاء وأكثر خطراً في الوقت نفسه.
وضع الحديث الشريف الشاب الناشئ في طاعة الله مع الإمام العادل في ظل عرش الرحمن.
واعتبرت العرب (الشباب شعبة من الجنون). وقرروا أن الشباب ( المرحلة العمرية ) إن
لم يُشغل بالنافع المفيد كان مدخلاً من مداخل الفساد.
إن الشباب والفراغ والجـدة
مفسـدة للمـرء أي مفسـدة..
أدبيات كثيرة يمكن أن تساق في أهمية هذه المرحلة العمرية، بوصفها مصدرا من مصادر
الطاقة الإنسانية الحيوية، وضرورة أن توظف في البناء النافع المفيد، والتحذير
من كبت هذه الطاقة أو حرفها أو تجاهلها وهدرها. يمكننا أن نعرف هذه المرحلة
بأنها: (إنسان + طاقة + طموح)، وأن نركز أكثر في الحديث عن الطاقة المضافة لدى
الشباب، كما يتحدثون عنها في عالم الاقتصاد.
طاقة مضافة وموقوتة، وجّه الرسول الكريم، صلى الله وسلم عليه، صاحبها إلى ضرورة
اغتنامها في حديث اغتنم خمسا قبل خمس فذكر: ( شبابَك قبل هرمك ). في سياق حديثنا
عن الشباب نرفع شعار الرجاء فيه والخوف منه وعليه.
على طريق احتواء الشباب، وامتصاص طاقاتهم المتنوعة، ابتدع مهندسو الحياة العامة
الكثير من الأنشطة الأممية. وأقاموا لها المحافل والمنتديات والنوادي والمسارح ودور
العرض لتمتص ما تستطيع من طاقات الشباب، في أطر مدروسة تستهلك الطاقات الجسدية،
والتطلعات الروحية والفكرية، وتوظف الطاقات التنافسية في مساقات منها المجدي ومنها
العبثي. يفعلون هذا بإيجاد عالم وهمي يتم الصراع أو التنافس فيه وعليه؛ لتسهيل
الانفراد بالعالم الحقيقي والسيطرة عليه. في عوالم الوهم هذه يجري تفريغ
الطاقات، أو إشباع الغرائز؛ وليس تهذيبها وتوجيهها وتوظيفها. وتحكُمُ
عقيدة إحكام السيطرة على (القطيع)، بمفهوم ما، عالما اعتَبَرَ البعدَ الأخلاقي
الشخصي خارجَ دائرة اهتمامه!! فأطلق العنان، وسهل التعبيرات الغرائزية بأنواعها،
ففتح آفاق العبثية، وجمّل القبيح، وحسّن الشر، وحول الإنسان إلى هدف استثماري تدور
على كتفيه رحى الإنتاج والاستهلاك، والرغبة والإشباع.
في نظرة موضوعية فاحصة لواقع شبابنا العربي بشكل عام، ونتخذ في هذه الدراسة الشباب
السوري أنموذجا له، يلفتنا وضع غير سوي يعيشه هذا الشباب؛ في حالة من اضطراب
الوجهة، وتناقض الموقف، وهروب شبه سائد من تحمل المسؤولية، أو الانخراط في دروب
الضياع، أو الإقدام حيث يجب الإحجام، أو الاستغراق في عقائد السلبية، أو التطرف أو
التعصب (للعقيدة أو للقوم أو الرأي) أو الاندفاع على طريق تأكيد الذات بركوب الصعب
والذلول.
تحاول هذه الدراسة تتبع اتجاهات الشباب العربي العامة، وتوجهات أبناء هذه الفئة
العمرية الفردية والجماعية، وتتعقب تطلعاتهم ومشكلاتهم وهمومهم ومخاوفهم، والعوائق
التي تحد من قدرتهم من التعبير الواقعي عن أنفسهم، وتنفيذ مشروعاتهم. ليس من هدف
هذه الدراسة رسم صورة قاتمة لواقع الشباب العربي. ولا النظر بمنظار متشائم
لمستقبله. بل لعل الرصد العملي لواقع يقر الجميع بحاجته إلى تغيير نحو الأفضل
يظهرها كذلك ، ودراسة مثل هذه لا يلغي وجود الكثير الطيب للسواد العام لشباب
هذه الأمة وهذا الوطن. كما لا تستطيع أي دراسة موضوعية أن تتجاوز قدرة هذا الشباب
على الاختراق الإيجابي البناء في الظروف الأصعب والأقسى
مدخل
مجتمعاتنا الفتية
بينما حولت العقائد السائدة في الغرب المجتمعات الغربية إلى مجتمعات متآكلة، تواجه
الشيخوخة والانقراض؛ تشكل مجتمعاتنا العربية والإسلامية مجتمعات فتية واعدة ببسط
ظلها المستقبلي على الحضارة والإنسان. وهذه حقيقة تعطي شريحة الشباب في عالمنا
العربي أهمية إضافية. وتجعل منهم تحديا استراتيجيا لأمتهم و للأنظمة السياسية في
أوطانهم، ولأعدائهم على السواء. يرى البعض في هذا البعد الديمغرافي تحديا سلبيا،
فينخرط على غير بصيرة في المطلب الأممي بضرورة وضع حد للنمو السكاني وتطويقه،
والالتفاف على بناء الأسرة بشتى الطرق والوسائل، ويرى فيه آخرون تحديا إيجابيا
وقوة داعمة للبناء الحضاري الذي لم يستغن يوما عن الإنسان.
حسب استطلاع أولي أجرته مؤسسة (غالوب) الأمريكية في نيسان (أبريل) 2009يشكل من
يقل عمرهم عن خمسة عشر عاما في العالم العربي ثلث السكان، وتشكل الشريحة العمرية
من15 – 29 عاما مائة مليون من أصل 330 مليون نسمة، وهو الرقم الإحصائي المقدر لسكان
العالم العربي، أي أن أطفال العالم العربي وشبابه يشكلون ثلثي سكان هذا العالم.
وهذا يفرض على القائمين على الأمر في أوطاننا أن يخططوا ليكونوا قادرين على تأمين
مليون فرصة عمل خلال العقدين القادمين على مستوى العالم العربي، حسب الاستطلاع
المذكور.
إن تقديم سياسات تحديد النسل على إطلاقها، وبجميع المدخلات والوسائل التي تطرحها
بها مؤتمرات السكان والمنظمات الإنمائية الأممية؛ كحل لمواجهة النمو السكاني هو
هروب من تحمل المسئولية، تمارسه الأنظمة العربية والقيادات المدنية التي تحطب في
حبالها مباشرة، أو في حبال المنظمات الأممية بأبعادها العسكرية والثقافية
والاقتصادية.
يمثل شباب الأمة، وشباب سورية جزء منهم، في نظرنا، عامل قوة، وشرطا أساسيا
لنجاح مشروع النهضة، ونرى في النكوص عن القيام بحق هذا الشباب نوعا من العجز يتهم
النظري والعملي من سياسات الأنظمة الحاكمة في أكثر الأقطار.
إن الرصد المباشر لاتجاهات الشباب السوري، والتي هي أنموذج للشباب العربي، سيضعنا
مباشرة أمام شرائح عديدة لهذا الشباب، شرائح كثيرة مثيرة للقلق. ونعتقد أن من
حقنا أن تكون لنا دواعي قلقنا الخاص، قلقنا على شبابنا أنفسهم، وقلقنا على الهوية
وعلى الحاضر والمستقبل. وأن عوامل القلق هذه قد لا تتفق بالضرورة مع دواعي القلق
الأمريكي والأممي. نعم يقلقنا التعصب والتطرف ويقلقنا بنفس القدر فقدان الهوية،
واضطراب البوصلة، وحياة العبث والخواء والفراغ والوصولية والشخصانية
والفساد والجهل والأمية العلمية والفكرية، في حلقات متعددة تحاول هذه الدراسة أن
تتتبع اتجاهات الشباب العربي من خلال اتخاذ الشباب السوري أنموذجا...
يتبع شباب الفراغ والجدة
(2)
أولاً- شباب الفراغ والجدة:
ومن المفيد أن نعيد التأكيد أن الإدانة ليست من هدف هذه الدراسة. تُكتب هذه الدراسة
بروح المسئولية الجمعية إزاء جميع شرائح الشباب واتجاهاتهم. روح الأبوة المرشدة
تجاه الشباب المتفلت والمتطرف هي التي يجب أن تقود وأن تسود.
شباب الفراغ والجدة شريحة أولى ينبغي أن تثير القلق
وأن تثير الاهتمام...
وهي للحقيقة ليست شريحة وطنية أو عربية فقط، فهناك
من رفع في العالم عن عمد سن الطفولة إلى الثامنة عشر، وسن الرشد إلى الحادية
والعشرين..
شباب عالمي
لاهث وحسب المفكر المستقبلي إدوارد كورنيش، فقد حلّ العنف والفوضى الأخلاقية وغياب
الهدف، التي تحاصر المجتمعات المعاصرة، محل أي تعبئة لرؤية ذات بعد مستقبلي عند
الشباب، وصار الركض وراء اللحظة الراهنة أو المتعة أو اللذة ، أو النزعة
الاستهلاكية، هي الغالبة على عقولهم وسلوكهم.
وينسب أحد المفكرين (بيل مويرن) ذلك إلى عجز الشباب عن التفكير الواقعي والتفكير
المبدع، وعن النظر الى المستقبل بتفاؤل وأمل، ومعاناة كثير من الشباب مما يمكن
تسميته برهاب المستقبل (Future
Phobia) مما يجعلهم يقصرون تفكيرهم على
اللحظة الراهنة أو أحوالهم الآنية، (ويدخلون) المستقبل دون استعداد له أو التفكير
فيه ويوقعهم في مشكلات جمة.. ( اقتباس عن الرأي الأردنية )
ونعود إلى شبابنا العربي والوطني لنرى شريحة من الشباب طالب متعة، ومتسكع شارع،
وجليس مقهى، ومتابع فيديو كليب، و مثقف أفلام (xxx)،
ومطارد جنس (ولن نقول مطارد فتيات)، لأن المطاردة أصبحت شبه متبادلة، ومدمن مخدرات،
لا يعجبه أحد، ولا يقنعه شيء؛ لا يعرف الجِد، ولا يبالي بأمر...تلك شريحة من شباب
أمتنا ووطننا سؤالها الأساسي: أين سنسهر الليلة؟ ومع مَن سنخرج؟ أو ماذا سنلبس؟
وكيف سنحتال أو سنختال في الثوب وقصة الشعر والسيارة التي تتبدل مع تبديل كل حذاء!!
شباب يتعمدون الرسوب في صفوفهم لأن حياة الجامعة ممتعة. يتتبعون صرعات دور الأزياء،
في الملبوسات والمأكولات والمشروبات والمشمومات والمسموعات والمنطوقات، في عوالم لم
يرتق من حولهم إلى السماع بمصطلحاتها بعد.. كُتبت تقارير كثيرة عن غزو أمريكي خفي
في قلب المدن السورية ( العربية )، بألبسة وأطعمة وأشربة وأمزجة وعناوين ولا فتات
تجد رواجها في شريحة من الشباب تتباهى بلثم طرف ردائها؛ غزو يقتحم علينا الحصن من
غير صراع، ويجنّد أبناءنا في تدمير بنائنا. وعهدنا بسورية لا تسمح باسم ولا عنوان
ولا لافتة لا تنتمي إلى لغة الضاد.
يرصد تقرير جديد للأستاذ وليد الزعبي في جريدة البعث 7/ 1 /2010 حال هذه الشريحة من
الشباب:
( شباب مسلوبو الإرادة يتبعون أنماطا استهلاكية، ويحملون ثقافات غريبة عن مجتمعنا
فتجدهم يعيشون داخل البلد بسلوكيات مجتمعات أخرى وكأنهم غرباء.)
ويرصدهم باحث آخر هو (جاي سولومون) في عدد وول ستريت جورنال 1/9 /2009/ (إن
السياسة الاستهلاكية في دمشق تسير بعكس أعراف حزب البعث الحاكم... إن المحال
الراقية قد ملأت منطقة المالكي الفارهة، وينطلق الشباب في المراكز التجارية يتكلمون
بالهواتف الخلوية ويقودون السيارات الفارهة). و يعلق آخر على ظاهرة لغوية
مشينة (وهم يتكلمون لغة ( كوكتيل )، فيها من كل لغات العالم، لغة تنتمي إلى
عالم لهم خاص تواضعوا على مفرداتها ومصطلحاتها.)
ويستنتج رابع ( إن إصرار الشباب على الوجبات الأمريكية السريعة تعني أن ثقافة
العم سام هي التي ستسود)
ويلحظ الأستاذ الزعبي في تحقيقه في جريدة البعث، الحرص على التقليد كمؤشر عام في
سلوكيات الشباب بشكل عام، . يقول في عدد البعث نفسه( عادة التقليد لدى جيل الشباب –
نحن نقول لدى هذه الشريحة من جيل الشباب – إذ تشاهد هذه أو تلك مثلا وهو يلبس
الجينز الضيق حتى لو كان لا يتلاءم وتضاريس جسده أو يظهر عدم تناسقها فيكون تشويها
للجسد لا أناقة ولا حضارة)
بل قد يفجعوك أن يتحول هؤلاء الذين لا تميز فيهم الفتيات من الفتيان إلى لوحات
إعلان بما يلبسون من ملابس عليها عبارات وصور لمشاهير عالم ليس فيه غير الخواء
والهوان. يقول الأستاذ الزعبي (... رسومات وكتابات تسوق لثقافات بعيدة عن مجتمعنا
ليمارس الشباب دور تلك اللوحة الإعلانية التي تروج للإثارة والانحراف..)
والأكثر إثارة للقلق في ممارسات شباب الفراغ والجدة هؤلاء هو محاكاة عالم السوبر
الستار وستار أكاديمي والمسلسلات العبثية حيث بدأت تدب إلى مجتمعنا، دون أن تثير
قلق أحد، أساليب ( النوم واللبس والأكل والحب والاحتكاك بين الجنسين وحتى غرس
قيم غريبة عن مجتمعنا لتبدو وكأنها عادية ومن متطلبات الحضارة مثل الإقامة مع
الصديق والحبيب والحمل خارج إطار الزواج ) وهذا الذي أورده الأستاذ الزعبي
في جريدة البعث السورية، ليس إلا أنموذجا، وأنموذجا عربيا محافظا إلى حد كبير...
أبناء هذه الشريحة من الشباب لا يعرفون هماً ولا غماً ولا هدفاً يخدم أمة أو وطنا،
وكثيراً ما تلتقطهم عيناك أو أذناك وهم أمام كاميرات الفضائيات، وسؤال ينزل عليهم
من السماء كالصاعقة، (حزورة) في سؤال عن تعداد شهور السنة، أو عن يوسف العظمة، أو
عن تاريخ الوحدة المعاصرة بين سورية ومصر، أو عن أبي الطيب المتنبي أو عن شكسبير،
أو: من بنى المسجد الأموي؟ فتسمع من الإجابات ما يثير فيك الحزن والفزع!!
شباب (الفراغ والجِدَة) هؤلاء، وإن كانوا يمثلون دائرة محدودة، من أبناء الذوات (
الجدد)؛ للسلطة والثروة، هم وجه من وجوه الخطر الذي يهدد الحياة العامة ليس فقط
بطريقتهم في تدمير ذواتهم، وفي الإساءة لمن حولهم ؛ بل بانعكاس أثرهم
المجتمعي على من حولهم من الشباب، الذين يجدون في هذه الفئة صورة الاستهتار
والاستئثار ليس بالشخصي الخاص فقط وإنما بالوطني العام أيضا..
أنموذج مثير للغضب، مولد للنقمة، باعث على الردة المجتمعية، مفرخ لما يطلقون عليه
التمرد والتعصب والتطرف. أراد أبناء هذه الشريحة ذلك أو لا .
ثم يخترق قادة الغزو الخفي من خلال شباب مثل هؤلاء بيوتات قمة الهرم السياسي
والأمني والاقتصادي، يتخطفون الأبناء والبنات، دون أن يسبب كل ذلك قلقاً لأحد!!!
فهذه الشريحة المجتمعية الشبابية خارج قوسي المتابعة بكل أبعادها، حتى بمعنى
الرعاية المرشدة. كل السوريين يعلمون أن الإدمان على المخدرات قد اخترق معظم بيوتات
قمة الهرم، ولاسيما في أشخاص آخر العنقود. وأبناء هذه الشريحة ليس لهم فيش عند
أجهزة الأمن، وهم خراجون ولاجون على ما يحلو لهم، ربما علينا أن نخاف من هؤلاء بنفس
القدر الذي نخاف به عليهم.
ولكي لا نخطئ في التوصيف فإن هذه الفئة من الشباب تمثل الفراغ والعبث ولا تمثل
(الحداثة)، لا بمفهومها الفكري ولا بانعكاسها الحضاري العملي. فالحداثة بهذين
البعدين، وبغض النظر عن التقويم الموضوعي لأطروحاتها، لا تكاد تجد ظلا واقعيا لها
في الحياة العامة العربية أو السورية. فالحداثة، كموقف فلسفي وعملي، ليست تحللا من
العقائد والقواعد فقط، وإنما لها موقفها الجاد والملتزم من الكون والحياة، وهي ليست
كما يسوّقها البعض في عالمنا ارتدادا لغريزة القطيع وطرائق تعبيراتها..
( أمن الدولة ) يُخترق في الكبر في دير الزور وفي دمشق، وعلى الساحل السوري في شخص
محمد سليمان، وفي دمشق في شخص الحاج رضوان، الماء الذي كان يسبح فيه كمال أمين ثابت
المهاجر السوري الذي استعاد وطنه أو استعاده هذا الوطن هو مثل هذا الماء، فهل في
هذا بلاغ.
(*) مدير مركز
الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية
للاتصال بمدير المركز
00447792232826