الحوار لغة التسامح

الحوار لغة التسامح

ضوابط ومحاذير

ماجد الدرويش

أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الجنان

طرابلس - لبنان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد :

فإن من الأمور التي كثر الكلام حولها في أيامنا " الحوار " . وما أظن أن أحداً طرقت مسمعه هذه الكلمة إلا وحركت مخيلته في اتجاهات كثيرة . مع العلم أن الحوار ، من حيث هو ، لازم من لوازم قول الله تعالى :   } يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا .. { الآية 13 من سورة الحجرات .

إلا أن أمراً استفزني للكتابة على المنحى الذي سوف يجده القارئ الكريم ، وهو ما يوجه إلى الإسلام من اتهامات باطلة بأنه دين " لا يقبل الحوار " ، وأنه شريعة  "لا تسع الآخر " ، إلى ما هنالك من افتراءاتٍ لا تهدف إلا إلى تشويش عقل الإنسان الغربي بخاصة حتى لا يتأثر بهذا الدين ، ثم تشكيك الإنسان العربي والمسلم بتاريخه وحضارته ، بل وبدينه ومسلماته على القاعدة التي أخبر الله بها عن المشركين ﴿وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ﴾ / الآية 26 من سورة فصلت / . فقوله تعالى حكاية ً عن الكافرين

( والْغَوْا فيه) أي : شوِّشوا عليه وعارضوه بكلام غير مفهوم [1] . والدافع إليه التأثير على عقول العامة حتى لا يفكروا بحرية تامة . وهذا مما يعانيه الإسلام والمسلمين اليوم ، بل وحتى العالم بأسره الواقع تحت تأثير الإعلام المضلل الذي يتهم الإسلام بأنه دين " لا يقبل الحوار " . ومع أن كل آية في كتاب الله تعالى ، وبخاصة المكي منها ، تُكذِّب هذا الإدعاء ، وتبين كيف أن هذه العقيدة السليمة ، الصافية ، الحقة التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بوحي من الله تعالى ، قد حاورت كل الإنتماءات السابقة ، من أهل كتاب أو وثنيين ، وناقشتهم في عقائدهم وحججهم ، مع كل هذه الآيات الناطقة باحترام الإسلام عقيدةً وشريعةً  لغير المسلمين انطلاقاً من بشريتهم وإنسانيتهم ، إلا أن البعض يحلو له أن يقتطع من منظومة التشريع الإسلامي أحكاماً لها مناسبات معينة ، ثم يعطيها صبغة القواعد الثابتة ، أو التعميم ، بأسلوب أقل ما يقال فيه : إنه " تلبيسٌ " و " تدليسٌ " على عقول الناس، فيه من سوء الطوية ما فيه . ومن كان هذا حاله فالله حسيبه .

ومما ساعد على هذا التشويش والتشويه صور من التطبيق الخاطئ ،والفهم المغلوط لبعض من الأحكام الشرعية لدى العامة من المسلمين ، أو حتى لدى البعض ممن لم يتأهلوا علمياً كما يجب ، ولكنهم يحملون في جنبات صدورهم من الحب والحمية لدينهم ما يجعلهم يتصرفون في بعض الأحيان بردات فعل غير مدروسة النتائج ، يتخذها المُتَصَيِّدون ذريعة " للطنطنة " و"الشَّنشنة " ، كما فعلت قريش عندما قَتَلَتْ سريَّةُ عبدِ الله بن جحش رضي الله عنه ابنَ الحضرمي خطأ ً في أول شهر رجب المحرم ظناً منهم أنهم في جمادى ، فقال أهل مكة :" إن محمداً يزعم أنه يتبع طاعة الله وهو أول من استحل الشهر الحرام ، وقتل صاحبنا في رجب " ، فقال المسلمون : " إنما قتلناه في جمادى " ، وقُتل في أول ليلة من رجب وآخر ليلة من جمادى ، وأغمد المسلمون سيوفهم حين دخل شهر رجب ، وأنزل الله تعالى يُعيِّر أهل مكة : ﴿يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبير﴾[2] لا يحل ، وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم بالله وصددتم عن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وإخراج أهل المسجد الحرام منه، حين أخرجوا محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، أكبر من القتل عند الله " [3] .

فالفعل حصل خطأ ولم يكن في نية أحد من أصحاب السرية أن ينتهك الشهر الحرام . فأين هذا من تـَعَـمُّد بعض قبائل العرب انتهاك حرمة هذه الشهور ! .

قال الله تعالى : ﴿ إنما النسيئ زيادة في الكفر يُضَلُّ به الذين كفروا يحِلونه عاما ويُحَرِّمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرّم الله فيحلوا ما حرم الله ﴾[4] فهذا " مما ذم الله تعالى به المشركين من تصرفهم في شرع الله بآرائهم الفاسدة ، وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الباردة ، وتحليلهم ما   حرم الله وتحريمهم ما أحل الله ، فإنهم كانوا فيهم من القوة الغضبية والشهامية ما استطالوا به مدّة الأشهر الثلاثة [5] في التحريم المانع لهم من قضاء أوطارهم من قتال أعدائهم ، فكانوا قد أحدثوا قبل الإسلام بمدةٍ تحليل المحرم فأخروه إلى صفر ، فيحلون الشهر الحرام ويحرمون الشهر الحلال ليواطئوا عدة ما حرّم الله :  الأشهرَ الأربعة َ .  كما قال شاعرهم ، وهو عمير بن قيس ، المعروف بجدل الطِعان :

لقد علِمَتْ معدٌ بأنّ قومي             كرامُ الناس ، إنْ لهم كراما

ألسنا الناسئين على معـد ٍ              شهورَ الحِلِّ نجعلها حراما ؟ !

فأي الناس لم ندرك بوَترٍ              وأي الناس لم نُعلِك لجاما ؟ . "[6]

فأيهم ينتهك الأشهر الحرم ويتلاعب بالأحكام المحترمة المقدّرة عند الناس : الذي يخطئ في الحساب ؟ أم الذي يتعمد القتل فيها مفسراً لها بحسب مصلحته ؟ فيفرض على الناس مفاهيم تستند إلى منطق القوة لا منطق الحق والعدل ؟ !!!!

هذا حالنا اليوم مع المحاربين للإسلام – القدامى المتجددين - . ويذكرني هذا الوضع بقصة ذلك الشيخ لإحدى قبائل العرب قبل الإسلام . كانت قبيلته تتمتع بقوة وبأس شديدين رأى هذا الشيخ من خلالهما أن لهم الحق في فرض مفاهيم جديدة لأمور كانت تعتبر من المسلمات ، فقد سئل يوما : ما العدل عندكم ؟ فقال : أن أسطوَ عل غنم جاري فآخذها . فقيل له إذا كان هذا العدل ! فما الظلم عندكم ؟ ، فقال : أن يأتي جاري ويطالب بغنمه[7].  والموقف غني عن التعليق .

وقد انبرى للرد على الإتهامات الموجهة للإسلام الكثيرون من الغيارى والمحبين له ، ولكن منهم من غلبت عليه العاطفة ، ومنهم من  غالى في استخدام العقل ، ومنهم من ظن أنه يتكلم بعلم ، وقليل منهم من كان يدرك طبيعة المعركة ويعرف كيف يجمع بين العاطفة والعقل والعلم .

وقد كثرت الأخطاء عند الغيارى وبخاصة عندما كانوا يتكلمون عن أحكام شرعية لا يعرفون موجبها ، أو عند الكلام في العقائد ، فنراهم في بعض الأحايين ينزلقون إلى ساحة الخصم مستَدرَجين بخُبثٍ ومكرٍ كبيرين .

ونراهم ينغمسون في مناقشة الأحكام الشرعية وتفريعاتها مع أناس لا يؤمنون ابتداءً بالله تعالى بأنه الخالق المشرع ، وهذا خطأ منهجي كبير ونحن لو راجعنا القرآن الكريم لوجدنا أنه لا  يقرر الأحكام العملية الفرعية إلا بعد تقرير وحدانيته سبحانه واستحقاقه وحده أن يفرد بالطاعة والعبادة [8]. هذا مع العلم بأن الله تعالى وتمجد يقول لنبيه الكريم المعصوم صلى الله عليه وسلم : ﴿ واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ﴾ [9]  فحري بنا ، ونحن غير معصومين ، أن نكون أكثر حذراً في محاورة المخالفين ، وأكثر انتباهاً إلى المزالق التي يمكن أن نستدرج إليها ونحن لا نعلم . وأكثر ما يعيننا في ذلك أمران : تقوى الله سبحانه وتعالى ، والعلم النافع المنضبط الممنهج .

وحرصا مني على واجب النصيحة كتبت هذه الكلمات في ضوابط الحوار ومحاذيره ، سواءٌ كان بين المسلمين أنفسهم ، أو بينهم وبين غيرهم .  واللهََ أسألُ أن يرشدنا جميعاً إلى ما فيه خيرنا في الدنيا والآخرة  آ مين   

مفهوم الحوار

الحوار هو مراجعة الأقوال بين طرفين . ويطلق أيضا على رد الجواب .

وأصله من الرجوع . فقد جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس[10] : الحاء والواو والراء ثلاثة أصول . أحدها : الرجوع . وهو الذي يعنينا في هذا المقام . وجاء في المعاجم[11] : المحاورة : المجاوبة ، ومراجعة المنطق والكلام في المخاطبة . والتحاور التجاوب . ويقال : كلمته فما أحار إليّ جوابا، وما رجع إليّ حَويراً ، ولا حويرةً ، ولا محورة ، ولا حِوارا ، أي : ما رد جوابا .  وهم يتحاورون : أي يتراجعون الكلام . واستحار الدار : استنطقها ، من الحوار الذي هو الرجوع . ولما كانت المحاورة تنبئ عن عقل المحاور ، سَمُّوا العقل : الأَحْوَر . وقالوا : ما يعيش فلان بأَحور ، أي بعقل يُرجع إليه .

ولما كان الهدف من المحاورة هو الإنتصارَ للقول ، والدفاعَ عنه ، قالوا لكل من يبالغ في نصرة آخر : حَواريّ . وخصه بعضهم بأنصار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .

وسموا الناصح أيضا حواريا . وأصله من الشيئ الخالص . فلما كان الهدف من النصيحة إخلاصَ القول ،قيل للناصح : حواريٌ .

مضمون الحوار

إذن من هذه المعاني والتصريفات اللغوية نستطيع أن نتبين أن أي حوار يجب أن يتضمن العناصر الآتية  :

وحهات نظر مختلفة يدافع عنها كل طرف ، أو ينتصر لقول تبناه ، فيرد كل طرف على الآخر قوله ، وينقُضُ له حججه ليبني على أنقاضها قوله ومذهبه . على أن يكون إرادة الحق والنصح بتجرد هو الحاكم لهذا الحوار ، فإذا لاح وجه الحق لطرف وأنه على خلاف ما كان يعتقد فعليه بالرجوع إلى الحق مهما كان . يعني أن أي حوار يجب أن تحكمه الأخلاق السامية ، والعدل في القول . قال الله تعالى : ) وإذا قلتم فاعدلوا ( الآية 152 من سورة الأنعام . وفي القرآن الكريم صور سامية للكثير من المحاورات بين الأنبياء عليهم السلام وأقوامهم نجد فيها الأدب الجم في خطاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم مُحَلّى بالعدل في القول ، بالرغم من الغلظة التي يواجَهون بها . والذي يجب أن يكون عليه المسلم المحاور هو خلق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لأنه صاحب قضية لا يصلح لنجاحها وحسن عرضها إلا هذا الخلق . قال الله تعالى لنبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : 

﴿ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين﴾[12] .

أطراف الحوار

أما الأطراف المتحاورة : فإما أن تكون متفقة في الأصل مختلفة في الفرع ، كالمسلمين في اتفاقهم على أصل الإيمان واختلافهم في الفروع . وإما أن تكون مختلفة في الأصل ابتداءً ، كالمسلمين وغيرهم . وفي كل طرف تفريعات لن أخوض فيها ، ولكن سأكتفي بالكلام على هذين القسمين الأساسين .

الحوار بين المسلمين

فالمسلمون نتيجة لطبيعة نصوصهم الشرعية في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، والتي هي ظنية في دلالاتها غالبا، تنوعت مشاربهم ومذاهبهم . وحتى ينضبط الأمر وضع العلماء لذلك قواعد وضوابط ، وحددوا ما هو أصل لا يجوز الاختلاف فيه مما هو فرع ساغ فيه الاختلاف ، وقسموه إلى خلاف مقبول ، واختلاف غير مقبول . كما قال صاحب الجوهرة :

وليس كل خلاف معتبر               إلا ما كان له حظ من نظر

فما كان له حظ من الإعتبار فيجب أن يحكم بأخلاقيات تتحكم في مسار الحوار بين المتخالفين المتراجعين بالأقوال . كما وضعوا لذلك شرطين أساسين[13] :

الشرط الأول : في موضوع الخلاف ، وهو ما يعبرون عنه في علم أصول الفقه بقولهم :« المجتهد فيه ، ما هو ؟ » أي : الموضوع الذي يجوز فيه الإجتهاد ، وإذا وجد الإجتهاد وجد الاختلاف غالبا . ثم عرفوا الموضوع المجتهد فيه بأنه " كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي " .

فالدليل إما أن يكون قطعي الثبوت والدلالة ، أو ظني الثبوت والدلالة ، أم قطعي الثبوت ظني الدلالة ، أو ظني الثبوت قطعي الدلالة . أما الأول فلا مجال للاجتهاد فيه البتة ، وأما الثلاثة الأخيرة فهي محل نظر واجتهاد بين العلماء ، وبالتالي فإن ثلاثة أرباع الشريعة ممكن أن تكون محل حوار بين العلماء من المسلمين . والمراجعة فيها تدور بين الخطإ والصواب لا الكفر والإيمان . وفي مثل هذا يقول الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى في جوابه لأهل البحرين[14] :    " كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله : ﴿ فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأميلا﴾[15] وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة ، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية – أي : العقدية – والعملية – أي : الفقهية - ، مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين . نعم من خالف الكتاب المستبين ، والسنة المستفيضة ، أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافا لا يُعذر فيه : فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع " .                                                                               

وبعد أن ذكر صوراً من اختلافات الصحابة رضوان الله عليهم ، قال : " وأما الإختلاف في الأحكام : فأكثر من أن ينضبط ، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيئ تهاجرا : لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة " .

فهذا الذي ذكره شيخ الإسلام يعتبر قواعد في أي حوار أو خلاف بين المسلمين ، وهذه القواعد هي :

-      أن غالب الأحكام الفقهية يسوغ فيها الخلاف .

-      أن الخلاف فيها يجب أن تحكمه الألفة والمودة والمناصحة .

-  أن هناك أحكاما لا تقبل الخلاف ، منها  : المحكم من القرآن الكريم . المشهور والمستفيض من السنة النبوية بله المتواتر . ما اجتمعت عليه كلمة العلماء المعتبرين . وأن الذي يخالفها يعد مبتدعا ويعامل معاملتهم .

وقد جاءت الأخبار عن الأئمة مستفيضة تترجم هذه القواعد عمليا وتبينها ، وتضبط الحوار والخلاف ، وسوف أكتفي بذكر مثالين على ذلك :

الأول : ما أورده الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمة الإمام الشافعي من السير[16] نقلا عن الإمام الحافظ أبي موسى يونس بن عبد الأعلى الصدفي أحد أصحاب الإمام الشافعي ، أنه قال : " ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته في مسألة ، ثم افترقنا ، ولقيني ، فأخذ بيدي ، ثم قال : يا أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة ؟! " فعلّق الحافظ الذهبي قائلا : هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام ، وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون .

والثاني : ما أورده أيضا الحافظ الذهبي[17] في ترجمة الإمام الكبير ، شيخ الشافعية في العراق في زمانه ، أبي القاسم عبد العزيز الدارَكي ، المتوفى سنة 375 هـ ، عن ابن خلكان أنه قال فيه " إنه ربما كان يختار في الفتوى[18] فيقال له في ذلك ، فيقول : ويحكم ، حدث فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا ، والأخذ بالحديث أولى من الأخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة ". فتعقبه الحافظ الذهبي بالقول : " هذا جيد ، لكن بشرط أن يكون قد قال بذلك الحديث إمام من نظراء هذين الإمامين مثل مالك ، أو سفيان ، أو الأوزاعي ، وبأن يكون الحديث ثابتا سالما من علة ، وبأن لا يكون حجة أبي حنيفة والشافعي حديثا صحيحا معارضا للآخر . أما من أخذ بحديث صحيح وقد تنكبه سائر أئمة الإجتهاد ، فلا " .

فلينظر إلى هذا الكلام الدقيق من الحافظ الذهبي ، والذي يشكل ميزانا لما يجوز فيه الخلاف ، مع العلم بأن الناظر في كلام الداركي وهو غفل عن هذه القواعد سيجد للوهلة الأولى أن كلامه سليم . وهذا هو الفرق بين العالم وغيره .

الشرط الثاني : أما الشرط الثاني الذي اشترطه العلماء فيتعلق بنفس المخالف ، أو المحاور ، ويسمى شرط الأهلية . يعني : أن يكون المحاور أهلا للكلام في المسائل العلمية ، مستجمعا شروط الفهم ، عالما بالقواعد والضوابط . وقد مر معنا منذ قليل كيف استدرك الذهبي على الداركي ، فالقضية لا تتعلق بحفظ كليمات ، وإنما معرفة مناهج ، وهو التأهل من حيث   العلم ، ثم يضاف إليه التأهل ديانة وصلاحاً .

أما التأهل العلمي : فلا بد لمن أراد التكلم في مسائل العلم من اطلاعه العام الإجمالي على أحكام الكتاب العزيز ، وكثير من السنة المطهرة ، ومسائل للإجماع ، ودراسة موسّعة لمصادر التشريع الأخرى : القياس ، والاستحسان ، وغيرها من المصادر التبعية . ومعرفةٍ ودُربةٍ على علوم الحديث عامة ، والجرح والتعديل خاصة . إلى تمكن إجماليٍّ من علوم العربية : اللغة ، والنحو ، والصرف ، وعلوم البلاغة الثلاثة : البيان ، والبديع ، والمعاني .

يضاف إلى ذلك أن يشهد له أهل المعرفة والعلم في زمانه بأنه أهل لذلك . فإذا شُهِد له جاز له التقدم والتحاور والكلام .

روى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في الحلية[19] عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال : " ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك " . وفي لفظ الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى : " ما أجبتُ في الفتوى حتى سألتُ من هو أعلم مني : هل تراني موضعا لذلك ؟ سألت ربيعة - بن أبي عبد الرحمن - ، وسألت يحيى بن سعيد - الأنصاري - فأمراني بذلك . فقيل له : يا أبا عبد الله

لو نَهَـوكَ ؟     قال : كنت أنتهي ، لا ينبغي لرجل أن  يرى نفسه  أهلا  لشيئ حتى  يسأل  من هم أعلم " [20].  

ونقل الخطيب أيضا عن الإمام مالك أنه قال : " أخبرني رجل دخل على ربيعة بن أبي عبد الرحمن فوجده يبكي ، فقال ما يبكيك ؟ وارتاع لبكائه ، فقال له : أنَزَلَت عليك مصيبة ؟ فقال : لا ، ولكن استُفتي من لا علم له ، وظهرفي الإسلام أمر عظيم " [21]. وفي " جامع بيان العلم     وفضله [22]" للحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى أن ربيعة قال : " ولبعضُ من يُفتي ها هنا أحق بالسجن من السُرّاق" . فقال الإمام ابن الصلاح معلقا على هذه الكلمة : " رحم الله ربيعة ! كيف لو أدرك زماننا ! وما شاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل " . وابن الصلاح من علماء القرن السابع الهجري ، وربيعة من علماء القرن الثاني الهجري . فرحمة الله على الإمام ابن الصلاح فكيف لو أدرك زماننا ؟ !!! .

إذن يجب أن يكون المتحاورون على مستوى مقبول من العلم بما يتكلمون به ، وهذا المستوى لا يكفي أن يراه الإنسان في نفسه ، أو يظن أنه بمجرد تحصيله لشهادة ما فقد تأهل لذلك ! لا ، ولكن يجب أن يشهد له بذلك علماء زمنه وبلده وأساتذته الذين درّسوه .

وأما التأهل ديانة وصلاحاً فعنوانه ما رواه الطبراني في معجمه الأوسط[23] وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد[24] والسيوطي في مفتاح الجنة[25] عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال : قلت : يا رسول الله إن نَزَل بنا أمر ليس فيه بيانٌ : أمرٌ ولا نهيٌ فما تأمرنا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( تشاورون الفقهاء والعابدين، ولا تمضوا فيه رأي خاصة ) .

وفي سنن الدارمي[26] أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عم الأمر يحدث ليس فيه كتاب ولا سنة ؟ فقال : ( ينظر فيه العابدون من المؤمنين ) .     

وثبت عن التابعي الجليل محمد بن يبرين رحمه الله تعالى قوله : " إن هذا الأمر دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم " [27]. 

وجاء في آخر الفتاوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقد قال بعض الناس : أكثر ما يفسد الدنيا : نصف متكلِّم ، ونصف متفقه ، ونصف متطبب ، ونصف نحوي .

هذا يفسد الأديان ، وهذا يفسد البلدان ، وهذا يفسد الأبدان ، وهذا يفسد اللسان " .

وقيل للإمام أحمد في مرضه الذي مات فيه : من نسأل بعدك ؟ فقال : عبدَ الوهاب الوراق . فقيل له : ليس له اتساع في العلم ؟! فقال أبو عبد الله : إنه رجل صالح ، مثله يوفق لإصابة الحق [28]. 

وقد اشتهر قول ابن مسعود رضي الله عنه : " ليس العلم بكثرة الرواية ، إنما العلم الخشية " .

فهذه أهم الشروط التي يجب أن يتحلى بها المتحاورون من المسلمين على المسائل الخلافية ، وهي ضوابط تحفظ على المسلمين دينهم وأخوتهم . وما أحوجنا إليها اليوم وبخاصة ونحن نتعرض لهجمة ثقافية لعلها الأخطر في تاريخ الصراع بين الإسلام وأعدائه .

ولأهمية التآلف في حياة المسلمين جاء التشريع بترك مدارسة القرآن إذا اختلف فيه المسلمون اختلافا يخرجهم عن الألفة والمودة ، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اِقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ، فإذا اختلفتم فقوموا عنه ) [29] . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قوله ( ائتلفت ) أي : اجتمعت . وقوله ( فإذا اختلفتم ) أي في فهم معانيه ( فقوموا عنه ) أي تفرقوا لئلا يتمادى بكم الإختلاف إلى الشر "[30]. ثم نقل عن القاضي عياض رحمه الله قوله في معنى الحديث : اقرؤوا والزموا الائتلاف على ما دلّ عليه وقاد إليه ، فإذا وقع الاختلاف أو عرض عارض شبهة يقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق فاتلاكوا القراءة ، وتمسكوا بالمحكم الموجب للألفة ، وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة [31].

الحوار مع غير المسلمين

أما إذا كان الحوار بين المسلمين وغيرهم ، فإن مواضيعه تختلف . فهو إما أن يكون في أصل الإيمان أو يكون لأمور أخرى : من مثل مواثيق لعمل عام يعود نفعه على المجموع .

أما الثاني فالأمر فيه سهل لأنه محكوم بتحقيق العدل وأداء الأمانات إلى أصحابها ،وهذه العناوين الأساسية للسياسة الشرعية ، وغالبا لا تكون هناك مشكلة في هذا النوع من الحوار . أما الحوار في العقائد والقناعات الذاتية فهذا غالبا تدخله العصبية والإنتصار للرأي كيفما كان لأنه قناعة عند صاحبه بل ودين يدين به ، فهذا النوع من الحوار يحتاج إلى عناية خاصة من أجل التوصل إلى نتيجة مع عدم تقطع أواصر العلاقات الإنسانية ، ولأجل هذه المعاني جاءت الآيات لتحض على أخلاقيات معينة لا بد من مراعاتها أثناء الحوار انطلاقا من مسلمة عندنا غير قابلة للجدل وهي أننا نمتلك الحجة القاطعة أما غيرنا فنقول لهم ﴿ هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين﴾[32] ولذلك ، وثقة بما عندنا من الحق ، أمرنا بأن نلتزم بأخلاقيات وسلوكيات عالية أثناء التحاور لا بد من اتقيد بها ، من ذلك :

1- قول الله تعالى : ﴿ وقولوا للناس حُسنا ﴾[33] ، وقد فسره الحسن البصري رحمه الله بأنه " لين القول ، من الأدب الحسن الجميل ، والخلق الكريم ، وهو مما ارتضاه الله وأحبه " ، وقال أبو العالية : قولوا لهم الطيب من القول ، وجازوهم بأحسن ما تحبون أن تجازوا به . قال الإمام الطبري رحمه الله : وهذا كله حض على مكارم الأخلاق؛ فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا ووجهه منبسطا طَلقا مع البر والفاجر ، والسني والمبتدع ، من غير مداهنة ، ومن غير أن يتكلم معه بكلام سظن أنه يُرضي مذهبه ؛ لأن الله نعالى قال لموسى وهارون :﴿فقولا له قولا لينا﴾[طه:44 ]. فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون ؛ والفاجر ليس بأخبث من فرعون ، وقد أمرهم الله تعالى باللين معه . وقال طلحة بن عمر : قلت لعطاء : إنك رجل يجتوع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة ، وأنا رجل فيَّ حدّة فأقول لهم بعض القول الغليظ ؛ فقال : لا تفعل ! يقول الله تعالى ﴿وقولوا للناس حسنا﴾. قال الطبري : فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنفي ![34]

2- ومنها قول الله عز وجل : ﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم﴾[35] قال الإمام الطبري رحمه الله : قوله تعالى ﴿إلا بالتي هي أحسن﴾ يقول : إلا بالجميل من القول ، وهو الدعاء إلى الله بآياته ، والتنبيه على حججه وآياته رجاء إجابتهم إلى الإيمان ، لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة  . ﴿إلا الذين ظلموا منهم﴾الذين امتنعوا من أداء الجزية ، ونصبوا دونها الحرب ، وظلموكم ، ونصبوا لكم الحرب فجدالهم بالسيف حتى يؤمنوا .[36] وقال الطبري رحمه الله : ولا تجادلوا أيها المؤمنون بالله ورسوله اليهود والنصارى ، وهم أهل كتاب﴿ إلا بالتي هي أحسن ﴾ يقول : إلا بالجميل من القول وهو الدعاء إلى الله بآياته ، والتنبيه على حججه . [37]

3- ومنها قوله تعالى : ﴿أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾[38] ، قال الإمام الطبري في قوله تعالى ﴿وجادلهم بالتي هي أحسن﴾ يقول : وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها ؛ أن تصفح عما نالوا به عِرضك من الأذى ، ولا تعصه في القيام يالواجب عليك من تبليغهم رسالة ربك . وقال مجاهد : أعرض عن أذاهم إياك[39].

4- ومنها قوله تعالى : ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربك مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون﴾[40] قال الإمام الطبري رحمه الله : يقول ، تعالى ذكره ، لنبيه محمد ،صلى الله عليه وسلم ، وللمؤمنين به : ولا تسبوا الذين يدعو المشركون من دون الله من الآلهة والأنداد ، فيسب المشركون الله جهلا منهم بربّهم ، واعتداءً بغير علم[41] . وقال الإمام القرطبي رحمه الله : نهى الله سبحانه المؤمنين أن يسبوا أوثانهم ، لأنه علم إذا سبوها نفر الكفار وازدادوا كفرا.. . قال العلماء : حكمها باق في هذه الأمة على كل حال ، فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسُب الإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم أو الله عز وجل فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ، ولا دينهم ، ولا كنائسهم ، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك ؛ لأنه بمنزلة البعث على المعصية[42] .

 ويخرّج عليه في أيامنا حرق أعلام الدول المحاربة للمسلمين ووطؤها بالأقدام، أو التعرض لما يعتبرونه من مفاخرهم أو خصوصياتهم بالتسفبه والتحقير ، وإن كان في ميزاننا لا يساوي شيئا . وكذلك التعرض لرعاياهم غير المحاربين في بلادنا ، وبخاصة إذا كانت للكافرين قوة ومنعة ، فإنهم لن يتوانوا أبدا عن أذية المؤمنين ، إذ ليس عندهم من القيم الأخلاقية ما يردعهم عن الإنتقام ، بعكس المسلمين الذين أمروا بالعدل مع الجميع حتى لو كانوا محاربين .

قال الله تعالى : ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ﴾[43] وقد نزلت هذه الآية بعد الحديبية تمنع المؤمنين من الإعتداء على المشركين لأنهم صدوهم يوم الحديبية عن المسجد الحرام . قال الطبري رحمه الله : فمعناه : لا يحملنكم بغض قوم أيها الناس من أجل أن صدوكم يوم الحديبية عن المسجد الحرام أن تعتدوا .. لأن الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من قريش يوم فتح مكة قد حاولوا صدّهم عن المسجد الحرام ، فتقدم الله إلى المؤمنين بالنهي عن الإعتداء عليهم إن هم صدوهم عن المسجد الحرام قبل أن يكون ذلك من الصادين .. قال : فتأويل الآية إذن : ولا يحملنكم بغض قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام أيها المؤمنون أن تعتدوا حكم الله فيهم ، فتُجاوزوه إلى ما نهاكم عنه ، ولكن الزموا طاعة الله فيما أحببتم وكرهتم [44] . وعند القرطبي في سبب نزول هذه الآية أنه " لما صُدَّ المسلمون عن البيت عام الحديبية مرّ بهم ناس من المشركين يريدون العمرة ؛ فقال المسلمون : نصدهم كما صدّنا أصحابهم ، فنزلت هذه الآية . أي : لاتعتدوا على هؤلاء ولا تصدوهم[45].     فهذه الأخلاقيات قـَلَّ أن يتصف بها غير المسلمين ، بينما هي عندنا دين ندين الله به . لذلك لا بد من مراعاة الكثير من الأمور قبل الإقدام على عمل نحمل تبعته بعد ذلك للأمة ونكون فيه آثمين.

من أدب الحوار

ومن أدب الحوار مع غير المسلمين أيضا التلطف في الردِّعليهم ، وإنصافهم في الحجاج حتى لو كنا نعلم يقينا كذبهم . قال الله تعالى : ﴿قل من يرزقكم من السموات والأرض ، قل الله . وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين﴾[46] . نقل الإمام الطبري عن بعض نحويي الكوفة قوله : " والمعنى في « إنا أو إياكم» إنا لضالون أو مهتدون ، وإنكم أيضا لضالون أو مهتدون . وهو يعلم أن رسوله المهتدي ، وأن غيره الضال ... وهو في القرآن وكلام العرب كثير أن يوجّه الكلام إلى أحسن مذاهبه إذا عرف ، كقول القائل : والله لقد قدم فلان . وهو كاذب ، فيقول : قل إن شاء الله . أو قل : فيما أظن . فيكذبه بأحسن من تصريح الكذب "[47].  ثم قال الطبري رحمه الله : "  والصواب من القول في ذلك عندي ، أن ذلك أمر من الله نبيّهُ بتكذيب من أمره بخطابه بهذا القول ، بأحسن التكذيب ، كما يقول الرجل لصاحب له يخاطبه ، وهو يريد تكذيبه في خبر له : أحدنا كاذب . وقائل ذلك يعني صاحبه لا نفسه"[48] .

وقال الإمام القرطبي رحمه الله : " هذا على وجه الإنصاف في الحجة .. والمعنى : ما نحن وأنتم على أمر واحد ، بل على أمرين متضادين ، وأحد الفريقين مهتدٍ ، وهو نحن ، والآخر ضال وهو أنتم . فكذبهم بأحسن من تصريح الكذب "[49] .

من محاذير الحوار

وكما أن للحوار مع غير المسلمين ضوابط وآداب ؛ كذلك له محاذير على المحاور أن يراعيها ، من ذلك :

1- أن لا يقعد في مجلس يكون الحوار فيه لا يهدف إلى مراجعة الأقوال ، ولكن يكون التوجه فيه نحو الإستهزاء بالقيم الدينية وبخاصة القيم الإسلامية . يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿ وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ﴾[50] .

فالآية لم تنه عن الجلوس مع غير المسلمين بالإطلاق ، وإنما وصفت حالة يكون الكلام فيها يتناول الكلام في دين الله تعالى على سبيل الإستهزاء ، وإنما نسب الإستهزاء إلى غير المسلمين لأن المسلمين منهيون عن الإستهزاء بعقائد غيرهم كما مر معنا سابقا . لذلك اعتبر هذا المجلس الذي لا تحترم فيه عقائد المخالفين " مجلس معصية " توجب على المؤمن بالله تعالى مفارقته إذا لم يقدر على تغيير هذه المعصية ، ولم يقدر علو القيلم بواجب لإنكار المنكر . " فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية "[51] والمُنَزَّل في الكتاب هو قوله تعالى : ﴿ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره﴾[52] . فدل بهذا على أن الرجل إذا علم من الآخر منكرا وعلم أنه لا يقبل منه فعليه أن يُعرض عنه إعراض مُنكِرٍ ولا يُقبل عليه [53]

2- أيضا مما يجب الحذر منه الإنجرار في الكلام إلى ما لا يوافق الشرع ، أو التراجع عن أصول ثابتة في الدين . وفي ذلك جاء التحذير الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :

﴿ واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك﴾[54]  . وكان من سبب نزول هذه الآية أن جماعة من أحبار يهود قال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه . فأتوه فقالوا : يا محمد ، إنك عرفت قد عرفت أنَّا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم ، وإنا إن اتبعناك اتّبعَنا يهود ولم يخالفونا ، وإنّبيننا وبين قومنا خُصومة ،فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ونؤمن لك ونصدقك . فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيهم : ﴿ وأنِاحكم بينهم بما لأنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك﴾[55]

قال اللإمام الطبري رحمه الله : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واحذر يا محمد هؤلاء اليهود الذين جاؤك محتكمين إليك ، أن يفتنوك فيصدوك عن بعض ما أنزل الله إليك من حكم كتابه ، فيحملوك على ترك العمل به واتباع أهوائهم[56] . ومثل هذه الآية قول الله تعالى : ﴿وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لأتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا﴾[57].  

فذكر القرطبي عن سعيد بن جبير رحمه الله أنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود في طوافه ،فمنعته قريش وقالوا : لا ندعك تستلم حتى تُلِمَّ بآلهتنا ، فحدّث نفسه وقال :" ما عليّ أن أُلمّ بها بعد أن يدعوني أستلم الحجر واللهُ يعلم أني لها كاره ".  فأبى الله تعالى ذلك وأنزل عليه هذه الآية . . وقال ابن عباس في رواية عطاء : نزلت في وفد ثقيف ، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه شططا وقالوا : متِّعنا بآلهتنا سنةً حتى نأخذ ما يُهدى لها ، فإذا أخذناه كسرناها وأسلمنا ، وحرِّم وادينا كما حرَّمت مكة ، حتى نعرف العرب فضلنا عليهم ؛ فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ذلك فنزلت هذه الآية .

وقيل : هو قول أكابر قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : اُطرد عنا هؤلاء السقلط والموالي حتى نجلس معك ونسمع منك ؛ فهَمَّ بذلك حتى نُهِيَ عنه .

وقال قتادة : ذكر لنا أن قريشا خلَوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ويقاربونه ؛ فقالوا : إنك تأتي بشيئ لا يأتي به أحد من الناس ، وأنت سيدنا يا سيدنا ؛ وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون ، ثم عصمه الله من ذلك وأنزل الله هذه الآية [58].   وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوماً ، ولكن هذا تعريف للأمة لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شيئ من أحكام الله تعالى وشرائعه [59].

فيلاحظ في أسباب نزول هذه الآيات الأساليب الملتوية التي كان الكائدون للإسلام يتبعونها لإزالة النبي صلى الله عليه وسلم عن أحكام الشرع ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما فإن المسلمين لا يعصمهم من ذلك إلا الثبات على الحق والتنبه والتيقظ التام والحذر ورضي الله عن ابن الخطاب القائل : لست بالخبّ ولا الخب يخدعني .

  ومما يجب الحذر منه في الحوار بين المسلمين وغيرهم إطلاق جملة ( الأديان السماوية ) ، ويقصدون بهذه التسمية الأديان الثلاثة : الإسلام ، والمسيحية ، واليهودية .

وهذا خطأ في التصور العقدي عند المسلمين ، ذلك أن الله تعالى لم يبعث أنبياءه ، ولم يرسل رسله إلا بدين واحد هو الإسلام . قال الله تعالى : ﴿ إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب﴾[60] . قال الإمام الطبري رحمه الله : والإسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وهو دين الله الذي شرع لنفسه ، وبعث به رسله ، ودل عليه أولياءه ، لا يقبل الله غيره ، ولا يجزي إلا به [61].فالله تعالى لم يتعبد الناس بغير الإسلام " وهو الإنقياد بالتذلل والخشوع ... والإنقياد بالخضوع وترك الممانعة"[62] . وهو دين الأنبياء جميعا ، إذ موسى عليه السلام أتى بالإسلام ، وكذلك عيسى عليه وسلام ، بل وكل نبي أو رسول إنما جاءوا أقوامهم بدين الإسلام ، وإنما اختلفت شرائعهم وهي التي وقع فيها التبديل والنسخ في أحكامها حتى استقر التشريع الكامل على يدي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم . وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة ) ، قالوا : كيف ؟ يا رسول الله ! قال : ( الأنبياء إخوة من عَلات . أمهاتهم شتى . ودينهم واحد . فليس بيننا نبي ) [63] .

قال جمهور العلماء : معنى الحديث : أصل إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفة . فإنهم متفقون في أصول التوحيد ، وأما فروع الشرائع فوقع فيها الإختلاف[64] . وعليه فعندما نقول بتعدد الأديان السماوية فمؤدى القول نسبة الإفتراء إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما أمروا بتبليغه ، وتخوين لهم ، وحاشاهم ذلك ، وهم المتصفون وجوبا : بالصدق والأمانة ، والتبليغ والفطانة . فالقول بتعدد الأديان السماوية طعن بأمانة الأنبياء . وإن استجاز البعض أن ينسب ذلك إليهم ، فإن المسلم لا يستجيز ذلك ، بل ينزههم عليهم الصلاة والسلام من كل ما يقدح بأشخاصهم الكريمة ، وبخاصة سيدنا موسى وسيدنا عيسى عليهما الصلاة والسلام .

ومما يجب الحذر منه أيضا أثناء الحوار التساهل بالقاعدة التي يجب أن ينطلق منها الحوار . فالله تعالى حدّ لنا حداً يجب أن ننطلق منه وهو قوله تعالى : ﴿ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾[65] . يقول الإمام الطبري رحمه الله : " يعني إلى كلمة عدل بيننا وبينكم . والكلمة العدل هي أن نوحد الله تعالى فلا نعبد غيره ، ونبرأ من كل معبود سواه ، فلا نسرك به شيئا .. ولا يدين بعضنا لبعض بالطاعة فيما أمر به من معاصي الله ، ويعظه بالسجود له كما يسجد لربه " [66]. فهذا معنى ( الكلمة السواء ) وهي الدين الذي جاء به كل الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ، ولا يمكن أن يقبل المسلم أقل منه . فهو القاعدة التي ينطلق منها الحوار الديني مع أية جهة من أهل الكتاب ، لا أن يتنازل المسلم عن شيئ من ثوابته الإيمانية ليلتقي في منطقة سواء مع غيره من الملل والعقائد المختلفة ! لذلك قال الإمام الطبري رحمه الله : " فالواجب أن يكون كل كنابي معنيا به ، لأن إفراد العبادة لله وحده ، وإخلاص التوحيد له واجبٌ على كل مأمورٍ مَنهِيىٍ من خلق الله ، واسم أهل الكتاب يلزم أهل التوراة والإنجيل ، فكان معلوما بذلك أنه عًني به الفريقان جميعا "[67].

أما إذا كان الحوار في غير الدين والعقيدة فمجاله رحب فسيح رحابة العلاقات الإنسانية القائمة أصلا على التعارف والتعاون على البر والتقوى ، والتوجه إلى الناس بالبر والقسط . قال الله عز وجل : ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبلئل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾[68]. فهو سبحانه خلقهم ليحل بينهم التعارف المفضي إلى التآلف والتقارب ، وهو الأساس الذي يجب أن تقوم عليه العلاقات البشرية ، وأما التناحر والإقتتال فهو أمر طارئ أوجبته ظروف غير طبيعية .

ويقول الله عز وجل : ﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين﴾[69] . وقد جاء في تأويلها أقوال : أنها في المؤمنين الذين لم يهاجروا من مكة[70] ، وقيل : إنها في المؤمنين من غير أهل من مكة ممن لم يهاجر[71]، وقيل بل هي في أهل مكة من المشركين ممن لم يقاتل المؤمنين ثم نسخ الله ذلك بعدُ بالأمر بقتالهم [72]. قال الإمام الطبري رحمه الله : " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بذلك : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل والأديان ، أن تبروهم وتَصلوهم وتُقسطوا إليهم . إن الله عز وجل عمَّ بقوله : ﴿ الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم﴾ جميع من كان ذلك صفته ، فلم يخصص به بعضا دون بعض . ولا معنى لقول من قال : ذلك منسوخ . لأن بِرَّ المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابةُ نسب ، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب ، غير محرم ولا منهي عنه ، إذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب عورة لأهل الإسلام ، أو تقوية لهم بكِراع أو سلاح . وقد بيَّن صحة ما قلنا في ذلك الخبر الذي ذكرناه عن ابن الزبير في قصة أسماء وأمها[73] . وقوله : ﴿ إن الله يحب المقسطين﴾ يقول : إن الله يحب المنصفين الذين يُبصفون الناس ، ويعطوهم الحق والعدل من أنفسهم ، فيَبَرّون من برَّهم ، ويحسنون إلى من أحسن إليهم [74].

وقد عبّر الإمام محمد عبد الله درّاز في كتابه " دستور الأخلاق في القرآن " [75] عن مضمون هذه الآية بقوله : حسن الجوار – العدالة – البَرّ " ، وهي عناوين تفتح أما العلاقات الإنسانية آفاقا رحبة للحوار ، والعيش الآمن ، وإعطاء العلاقات البشرية بعدها الإنساني .

ولعل وثيقة المدينة المنورة الدستورية التي نظم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أوضاع المدينة المنورة بنوره الشريف : سياسياً واجتماعياً ، تعطينا أفضلَ المَثَلِ وأبيَنَه عن طبيعة قبول الإسلام لغير المسلمين في المجتمع المسلم ، وعدله بينهم ، وهم من حيث النظام العام متساوون مع المسلمين ، أما من حيث المعتقد فلهم مطلق الحرية في البقاء على ما هم عليه طالما أنهم ملتزمون بالنظام العام . وهذا أشبه ما يكون بالحكم الذاتي في شئونهم الدينية الخاصة ، وقد عبرت عن ذلك الوثيقة بأنهم " أُمّة من دون المسلمين " . فالمجتمع فيه الأمة المسلمة ، والأمة غير المسلمة ، أمتان في مجتمع واحد ، أين يوجد هذا في ديقراطيات القرن العشرين الزائفة التي تريد أن تلغي خصوصيات الجميع لصالح ثقافة واحدة هي ثقافة العولمة ؟ .

هذه باختصار بعض المفاهيم العادلة التي رأيت من الواجب علي أن أبينها للمتحاورين مع غير المسلمين ، أُقَدِّمها من على هذا المنبر الكريم ، الهدف منها إثراء مادة الحوار حتى تكون ناجعة ومفيدة ، ومؤدية للهدف المنشود من الحوار . والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل . 

               

[1] - الأساس في التفسير للشيخ سعيد حوى رحمه الله .

[2] - الآية 217 من سورة البقرة .

[3] - تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله / 1/ 253

[4] - الآية 37 من سورة التوبة .

[5] - الأشهر الحرم الثلاثة هي : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، وهذه متوالية ، وهي المقصودة هنا ، ويضاف إليها شهر رجب ، فتصبح أربعة .

[6] - تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله : 2/356

[7] - سمعت هذه الحكاية من شيخنا العلامة المحدث الدكتور إسماعيل عبد الخالق الدفتار حفظه الله تعالى .

[8] - وقد سمعت شيخنا العلامة القاضي الشيخ مالك الشعار حفظه الله يقول : وهذا مما يُخَرَّجُ عليه مسأ لة ( أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة ) وعليه كيف أناقشهم بهذه الفروع وهم لا يؤمنون بالأصل الذي بنيت عليه وهو أنها من عند الله المستحق للعبادة ؟ !!

[9] - جزء من الآية 49 من سورة المائدة .

[10] - ج2/ص115

[11] - يراجع : الصحاح للجوهري ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة ( حور ) .

[12] - الآية 108 من سورة يوسف عليه السلام .

[13] - ينظر للتفصيل في هذا الأمر كتاب شيخنا العلامة الإمام المفضال محمد عوامة : أدب الاختلاف في مسائل العلم والدين .

[14] - مجموع الفتاوى : ج24 / ص 172 – 173 .

[15] - من الآية 59 من سورة النساء .

[16] - سير أعلام النبلاء : ج10 / ص 16 .

[17] - السير : ج16 / ص405 .

[18] - جاء في وفيات الأعيان /3 /189 / : وكان إذا جاءته مسألة تفكر طويلا ثم يفتي فيها ، وربما أفتى على خلاف مذهب الإمامين الشافعي وأبي حنيفة ، رضي الله عنهما ، فيقال له في ذلك ، فيقول : ويحكم ، حدث فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا ، والأخذ بالحديث أولى من الأخذ بقول الإمامين . انتهى

[19] - ج6 / ص316 .

[20] - الفقيه والمتفقه : ج2 / ص154

[21] - الفقيه والمتفقه : ج2 / ص153

[22] - ج2 / ص201

[23] - ج2 / ص368 - ح1641

[24] - ج1 /ص178

[25] - ص40

[26] - ج1 / ص49 . وهو حديث مرسل ورجاله ثقات .

[27] - مقدمة صحيح الإمام مسلم / باب : بيان أن الإسناد من الدين ... ص 14

[28] - كتاب الورع للإمام أحمد رحمه الله : ج1 / ص5 .

[29]   - البخاري ، الصحيح ، كتاب فضائل القرآن ، باب : اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم . ح 5061

[30] - فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج8 / ص 720 .

[31] - فتح الباري 8 / 720

[32] -  جزء من الآية 111 من سورة البقرة

[33] -  جزء من الآية 83 من سورة البقرة

[34] - تفسير الإمام الطبري : ج2 / ص13

[35] - جزء من الآية 46 من سورة العنكبوت .

[36] - من تفسير القرطبي ج13/ ص232 . بتصرف وجمع بين الأقوال .

[37] - تفسير الطبري ج18 / ص 417 .

[38] - الآية 125 من سورة النحل

[39] - تفسير الطبري : ج14 / ص400

[40] -الآية 108 من سورة الأنعام .

[41] - تفسير الطبري ج9 / ص480

[42] - تفسير القرطبي ج7 / ص41 .

[43] - من الآية 2 من سورة المائدة .

[44] - تفسير الطبري ج8/ ص50 - 51

[45] - تفسير القرطبي ج6 / ص46

[46] -  الآية 24 من سورة سبأ

[47] - تفسير الطبري ج 19 / ص 285 – 286 .

[48] - المرجع السابق نفسه .

[49] - تفسير القرطبي ج 14 / ص 298 .

[50] - الآية 140 من سورة النساء .

[51] - تفسير القرطبي ج5 / ص 418 .

[52] - الآية 68 من سورة الأنعام .

[53] - تفسير القرطبي ج7/ ص12 .

[54] - من الآية 49 من سورة المائدة .

[55] - تفسير الطبري ج8/ص502

[56] - المرجع السابق ج8/ص501 .

[57] - الآيتان 73و74 من سورة الإسراء .

[58] - تفسير القرطبي ج10 / ص299و300 .

[59] - المرجع السابق ج 10 / ص 300 .

[60] - الآية 19 من سورة آل عمران .

[61] - تفسير الطبري :ج 5 /ص 282 .

[62] - المرجع السابق : ج5 / ص281 .

[63] - مسلم / الصحيح / كتاب الفضائل / باب فضائل عيسى عليه السلام .

[64] - حاشية صحيح مسلم لللأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله : ج4 / ص 1837 . و( أولاد علات ) قال العلماء : هم الإخوة لأب من أمهات شتى .

[65] - الآية 64 من سورة آل عمران .

[66] - تفسير الطبري : ج5 / ص 474 .

[67] - تفسير الطبري ج5 / ص 476 .

[68] - الآية 13 من سورة الحجرات .

[69] - الآية 8 من سورة الممتحنة .

[70] - ينظر " تفسير الطبري ج22/ ص571 .

[71] - ينظر المرجع السابق ص 572 .

[72] - ينظر المرجع السابق ص 573 .

[73] -  ص 572 من المرجع السابق ، وفادها أن أسماء " كانت لها أم في الجاهلية يُقال لها قُتَيلة ابنة عبد العُزّى ، فأتتها بهدايا ، ضِباب وأقِط وسمن ، فقالت : لا أقبللك هدية ، ولا تدخلي علىّ حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكرَت ذلك عائشةُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : ﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين﴾ إلى قوله : ﴿ المقسطين﴾.

[74] - تفسير الطبري ج 22 / ص 574 .

[75] - ص 755 .