صرخة للمسرحيين..
د. كمال يونس
كيف يمكن للمسرح أن يسترد عافيته بعد هذه الكبوة والانحدار الشديد فنيا وفكريا وإنتاجيا تلك مهمة المخلصين من المهتمين بالمسرح المؤمنين بقيمه وقيمته الفنية وهى أطراف متعددة من ذا يجمعها على مائدة واحدة لتناقش هذا الهم المشترك وللعلم فإن جميعهم على معرفة تامة ويقين بالمشكلة وطرق الحل ولكن لا أحد يريد أن يجاهر برأيه إما يئسا من الأوضاع القائمة ، وتفشى الوهن فيها ، أو كي لا تضيع مميزاته التي يحصل عليها ثمنا للصمت وإيثار المكاسب الرخيصة من عضوية لجان للنصوص كل ما عليها أنها عضوية ورقية بلا أداء فعلى ، ولكن مكافأتها تصيب البعض بالخرس أو عضوية لجان التحكيم والعملية تحولت برمتها إلى سبوبة حتى أصبحت أقلام ما توسم بالمبتزة ولا يهمها الأمر المهم هو ما يدخل في جيوبها كأجر لنصوص رديئة فاشلة تنفذ إنتاجيا على مسارح الدولة ولا تحظى بإقبال جماهيري ولا نقدي سوى من بقية لوبي النهب والنصب فأقلامهم المتربحة أولى بها أن تكسر أو تقصف أقلام مدادها الزيف والتغرير بالعامة كي يرتادوا المسارح ليفاجئوا بالغثاء المقدم والنفايات الأدبية والفنية على تلك المسارح "ويللا مقالة تفوت ولا حد يموت " القصور شديد والخلل واضح في مفهوم وزارة الثقافة مع عملية إدارة البيوت الفنية للمسارح ، فرؤسائها دائما ما كانوا مما يقضون فترة قصيرة قبل إحالتهم على المعاش ، فكان نظاما مملوكيا خالصا ما كان يتيح لأي ممن يتولون إدارة البيت الفني للمسرح أن ينفذ أي خطة فلا وقت متاح لديه سوى للتفكير في إجراءات خروجه للمعاش ،عشوائية في إدارة البيت الفني للمسرح حتى أتى د.أسامة أبو طالب رئيسا للبيت الفني للمسرح وحاول التصدي لمكامن الخلل وأولها النصوص المسرحية وكتابها وأقام المهرجان الأول والأخير للكاتب المسرحي وقد حاربوه بشدة ومن العجب أن كثيرا من عروض القاعات ما تزال لمن قدمهم هذا المهرجان ليس قناعة بهم ولكن استغلالا لتلك النصوص قبل أن تنتهي مدة الخمس سنوات مدة امتياز استخدام النص من قبل إدارة المسرح ، وقد وقف د. أسامة أبو طالب في وجه المرتزقة والمزيفين والنفعيين ولكن خروجه للمعاش حال دون أن يستكمل ما بدأه من إصلاحات .
وحاليا سقط القناع عن المتصدين لإدارة وإنتاج الدولة المسرحي ،بما انكشفت عنه الأيام من إنتاج لأعمال مسرحية كلها فشلت في استقطاب الجمهور، بل وطفت ظاهرة بروز النفعيين من جحورهم ، من المبتزين بالقلم وقد حصلوا ويحصلون على مكاسب ما كانوا يحلمون بهم، وانحصرت الكعكة المسرحية في أسماء مكررة ما بين إخراج وتأليف وإعداد وترجمة ورؤية ، دونما إتاحة لأي فرص ولو قليلة من باب ذر الرماد في العيون، لفئة من الكتاب والمخرجين المهضومين ، "وطالما ماحدش بيحاسب حد كل واحد يعمل ما بداله" ، أي قيمة يمكن أن يستخلصها الجمهور من عروض خائبة لأنصاف الموهوبين، وذوى السطوة من أصحاب السعادة ، والنصوص النص نص ،ولكن الجمهور قابل تلك العروض بالإعراض عنها ، مقاطعا إياها ، فلن يقهره أحد على ارتياد المسارح ، ومشاهدة عروض لم تكن جودة الكتابة هي المعيار في اختيارها، بل معايير أخرى توشى بفساد نظم اختيار وانتقاء النصوص المقدمة ، أي كبوة يعيشها المسرح الآن حين تلقى نصوص الكتاب في سلة مهملات مديري المسارح!!! ، أو ترد مرفوضة دون أن تقرأ!!!، وإيه من التبجح حين رأينا الوساطة والمحسوبية هي جواز مرور النصوص وتقرير صلاحيتها للعرض ، والإجابات الجاهزة الرد إجابات آلية النص مرفوض .
ولا يكفى استقدام واسترضاء النجوم كي يقبلوا على العمل بالمسرح ليجذبوا الجمهور، فليسألوا أنفسهم أولا : أين الكلمة ؟ ، بل أين الفن؟ ، ألم يسألوا أنفسهم ماذا يريدون أن يقدموا للجمهور من أعمال تليق بهم وبأسمائهم؟!! ، لماذا لم يستمر أحد النجوم في تقديم مسرحيته وبها من الأسماء وورائها من تاريخ المشاركين فيها الكثير؟ ، الإجابة المسرح كان خاويا من الجماهير ، ولماذا يستأثر الأستاذ لينين الرملي بإعادة مسرحية أهلا يا بكوات التي نجحت نجاحا مذهلا؟ ، ثم يقدم مسرحية الأقنعة من تأليفه وإخراجه من إنتاج المسرح القومي وعلى مسرح الزمالك ، ثم مسرحية أخرى له من تأليفه وإخراج عصام السيد على المسرح الكوميدي ، كل ذلك في خلال عام واحد فقط ، أليس هناك كتاب آخرين غيره ؟!!، أم تغير اسم البيت الفني للمسرح؟!! فأصبح بيت لينين الرملي للمسرح ، لا طبعا مع الاحترام والتقدير للكاتب الكبير لينين الرملي، أين العدالة ؟ ،أليس هناك من يجب أن نفسح لهم المجال من كتاب ومخرجين كي تخرج أعمالهم للنور؟ ،وفى هذا المناخ لم يفز ماليا سوى أصحاب الأقلام المبتزة إلى تقديم عروضهم في كل جهات الإنتاج المسرحي للدولة دونما حسيب ولا رقيب .
حتى الملامح الخاصة لكل مسرح والمنوط به تقديمه من أعمال فنية، قد شابه التشوه والانبعاج عن خطه المرسوم له، وكل على هواه ، فالقومي يقدم ما هو مفترض تقديمه من المسرح الحديث أو الطليعة أو الغد أو الهناجر ، والسلام للنصوص النص نص، ونصوص أصحاب السعادة ، واختلط الحابل بالنابل وكأن الأمر مولد وصاحبه غايب ويغمة ، والمحزن بل والمؤسف في الأمر أن جميع المهتمين بالمسرح على علم بتلك الظواهر القميئة وكل يفضفض للآخر، ولا يستطيعون أن يقفوا صفا واحدا في مواجهة الأمر، لكأن المسرح لا يعنيهم ، وأسأل أين اللوبي الشهير الذين تآمروا ووقفوا بالمرصاد للرئيس الأسبق للبيت الفني للمسرح ، وكأنه كان يدنس قدس أقداسهم " المسرح المصري" ، أين هم مما يحدث الآن ؟!!، أم أنهم قد انشغلوا بما غنموه ، ويعتبرون من يتصدى لإصلاح المسرح كمن يريد المشي فوق الماء ، أو يريد أن يعبد الرمال المتحركة للسير عليها ، حكمة زمن تقلبت فيه الأوضاع ، واهتزت الصورة جدا، بحيث لا يملك المرء إلا أن ينفض يديه قائلا عليه العوض ومنه العوض ، لا للتسليم والأخذ بسياسة الأمر الواقع ، أين ثقافة المقاومة لدى المعنيين بالأمر ؟!! ، فليفق الجميع من غيبوبتهم وتغافلهم ، فلتتحد الجهود من أجل إقالة المسرح من عثرته ، وليكشف النقاب عن المبتزين المتربحين وأعوانهم، لأن مسرح الدولة مسرحنا، وليس تكية لأحد، بل هو ملك لمحبيه من المهتمين بأحواله والجمهور، وليس تكية لأحدهم أو أبعادية وإقطاعية يتصرف فيها على هواه