في السعودية 1

في السعودية -1-

مركز وناد ثقافيان

جميل السلحوت

[email protected]

عدنا الى ارض الوطن من المملكة السعودية بعد ان شاركنا في ايام فلسطين الثقافية التي اقيمت في الرياض ما بين 15-19 تشرين الثاني الماضي على هامش احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009 وبعد ان أدينا فريضة الحج التي تكرم أخوتنا في وزارة الثقافة السعودية بتقديم كافة التسهيلات والرعاية لنا لآداء هذه الفريضة. وها نحن نعيش في الوطن القفص بعد ان حلقنا في سماء الحرية في المملكة السعودية، وهنا لا بد من استكمال ما بدأناه في الكتابة عن جولتنا القصيرة في ربوع السعودية .

ومع اننا عشنا الكرم العربي الأصيل من كافة الاخوة السعوديين الذين التقيناهم سواء كانوا مسؤولين أو مواطنين عاديين، الا ان التطور في مختلف مجالات الحياة  في السعودية كان ظاهرا للعيان، بدءا من التطور العمراني المتواصل مرورا بالتطور العلمي الهائل، والذي يتمثل بوجود حوالي عشرين جامعة احداها – جامعة الملك عبد العزيز – التي تعتبر من الجامعات الاولى في العالم، ومرورا بالتعليم المدرسي الذي يغطي كافة ارجاء المملكة وتجمعاتها السكنية، وانتشار المستشفيات والمراكز الصحية المتطورة ايضا، وكل ذلك نتاج للقدرات الاقتصادية لهذه الدولة، التي لم تتأثر بأزمة الاقتصاد العالمي التي بدأت في امريكا ولم تنته في دبي، ويلاحظ ان السعودية قد تبنت دولة المؤسسات، ودولة القانون ، التي يتبوأ مناصبها رجال اكفياء في غالبيتهم مؤهلون علميا لشغل هذه المناصب .

ومن اللافت للانتباه هو الاهتمام الحكومي بالثقافة وتنميتها ورعايتها من خلال توفير كافة السبل للنهوض بها، فعلى سبيل المثال توفير مركز ثقافي مثل " مركز الملك فهد الثقافي " في الرياض، هذا المركز الذي يشكل صرحا عمرانيا وثقافيا يفتخر به، فالطابق الاول من المركز مكون من بهو فسيح فيه قاعات ضخمة وواسعة لاقامة المعارض الثقافية من كتب ولوحات تشكيلية، وموروثات شعبية، وصناعات وحرف وغيرها، ومؤثث بطريقة فاخرة ولافتة، وفي طابقه الثاني مسرحان، واحد يتسع لثلاثة آلاف شخص والآخر يتسع لأكثر من خمسمائة شخص ، وكلاهما مجهزان بالاضاءة وغيرها مما وصلت اليه التكنولوجيا الحديثة التي يشغلها مهندسون وفنيون ذوو ذخيرة، والمركز الذي تبلغ مساحته بضعة الاف الامتار له ساحة خارجية مصممة هندسيا بطريقة جذابة من حيث الشوارع، ومواقف السيارات والحدائق، وفي هذا المركز أقيمت كافة فعاليات ايام فلسطين الثقافية باستثناء لقاء عن القدس أقيم في نادي الرياض الثقافي، وهو بناء جميل وواسع ايضا، يتكون من طابقين، وله اصدارات ادبية تكون في متناول جميع رواد النادي .

وفي المملكة السعودية اكثر من عشر دور نشر تتولى اصدارات الكتب المختلفة، وروعة التطور الثقافي في السعودية تتمثل بوجود دوائر ثقافية متعددة في وزارة الثقافة، يشغل ادارتها مثقفون متنوعو الثقافة من مسرحيين وشعراء وروائيين وغيرها، كما ان الوزارة تعطي اهتماما للتراث الشعبي سنتحدث عنه لاحقا .

ولا ازعم انني اطلعت على جميع الاقسام، وما تقوم به من نشاطات لخدمة الثقافة، فالفترة القصيرة التي مكثتها في الرياض والتي لم تصل مدتها الى اسبوع لم تتح لي معرفة الا النزر اليسير، وكان هذا كافيا لاثارة دهشتي وتقديري للقائمين على هذه الوزارة، فمعالي الوزير عبد العزيز الخوجة شاعر، وسعادة وكيل الوزارة الدكتور عبد العزيز بن محمد السبيل اديب وسليل بيت علم وادب،ومع انه لم يتحدث عن نفسه شيئا، ولا يحب ان يتحدث عنه الآخرون، الا ان دماثة خلقه وحسن حديثه جعلت منه حديث كل من قابلوه، وفي مكة واثناء تأديتنا لفريضة الحج، مررنا على سيرته وما رأيناه وسمعناه منه، فإذا بأحد الاشخاص يقول لنا: هذا الرجل هو ابن العلامة المرحوم محمد السبيل الذي كان امام للحرم المكي وهو من بيت عز وكرم، فما استغربنا ذلك، وتأكد لنا من جديد ان هذا الرجل المعطاء مهما تحدثنا عنه فإننا لا نعطيه حقه، وليعذرنا اذا ما تحدثنا عنه دون رغبته فهو قدوة تقتدى ، وحبذا لو انني اعرف تفاصيل حياته لنشرها كي يقتدي به الآخرون .....

الوشمي والاذاعة :

الدكتور عبد الله الوشمي رجل ربع القامة، اشقر البشرة ، شاعر فصيح اللسان بليغ، لم يتكلم معنا الا باللغة الفصحى، يقدم برنامجا ثقافيا اسبوعيا في الاذاعة السعودية  ومن ميزات برنامجه انه يلتقي ضيوفه خارج استوديوهات الاذاعة، ويبث البرنامج مباشرة على الهواء، التقانا أنا والأخوين موسى ابو غربية الوكيل المساعد في وزارة الثقافة، والشاعر مازن دويكات، والدكتور الوشمي لا يُحضر برنامجه على الورق،  بل يستحضر موضوعه ويُعده في ذاكرته، ويصطاد أسئلة من اجابات ضيوفه، فالرجل لماح سريع البديهة، امضينا معه ساعة على الهواء كان الحديث فيه عن القدس وما تتعرض له من ويلات ، وعن الثقافة الفلسطينية.

"يتبع"