عقدة التحول إلى الديمقراطية
عقدة التحول إلى الديمقراطية
سامي العباس
العلمانية والديمقراطية زمالة طريق تفضي الى وحدة حال
تستدعي التجربة التركية - لغناها بالمشتركات مع جوارها العربي والايراني - التأمل في محنة العلمانية ..أقصد بالمشتركات :
- التنوع الاثني والديني والمذهبي وما يطرحه من أعباء إضافية على عملية الإنصهار الوطني ..
- المشكلات التي تثيرها الثقافة الاسلامية المهيمنة في وجه الايديولوجيات الحديثة(احصنة الجر الى العصر )
- مستويات متقاربة من المغنطة (الجذب / النبذ ) يحتفظ بها المخيال الجمعي حيال الغربين: الأوربي والأمريكي
- التوقيت المتقارب للاستيقاظ على حالة الفوات التاريخي ..
- انزلاق العلمانية الى موقع أقلوي ( بالمعنى الاجتماعي –أو الديني _ او المذهبي )
إلا أن ما يميز التجربة التركية استمرارية بقاء العلمانية كايدولوجيا مسيطرة داخل المؤسسة العسكرية, بفعل قوة الدفع التي منحها إياها ارتباطها( العلمانية ) منذ البداية بمشروع التحرر الوطني الذي قاده اتاتورك بعد انهيار الامبراطورية العثمانية ..
لم يقيض للعلمانية في العالم العربي وايران أن تلعب هذا الدور التأسيسي لدولة الاستقلال, بل تسللت على نحو اضطرت فيه لأن تدلس على محتواها , وتمارس القص واللصق تحت ضغط الحفاظ على البقاء بأي وسيلة .
.إلا أن بيضة القبان في تفارق التجربة التركية عن جوارها العربي – الإيراني: الإنغراس التدريجي لصندوق الإقتراع في تربة العلمانية التركية ..
يشير هذاالتمايز لارتباط مصير البدائل الأيديولوجية( كالعلمانية مثلا ), بمستوى قدرتها على انتاج مايسميه الفلاحون بالثمار الباكورية .. فالمجتمعات كما الأفراد يصعب عليها مفارقة ما تعودت عليه,إن لم يطرح الجديد قطوفا مبكرة ..
ولعل الفك المبكر لزمالة الطريق بين العلمانية والديمقراطية في التجربة العربية (بصعود العسكر الى السلطة ) – على الرغم من الإنجازات التي حققها( صعود العسكر) على مستويات : إعادة توزيع الثروة وكسر التراتبية الطبقية الموروثة عن المرحلة العثمانية وتعميق التحول الرأسمالي بإخراجه من وضع التشرنق داخل المدينة الى الأرياف والبوادي ..الخ – يتحمل معظم المسؤولية عن المخنق الراهن لكليهما( الديمقراطية والعلمانية ) ..إذ أعاد الإستبداد ( العلماني ) في مقلبه الثاني تفعيل الانقسامات العمودية الى المستوى الكافي لوضع ما راكمته سيرورة الاندماج الوطني في عين العاصفة ..وأعاد الأمور الى ما قبل ظهور الدولة في ربوعنا (حيث الامبراطوريات تتشكل وتختفي من اتحاد مرن للقبائل في مجرى تتحكم به صيغة حرب الكل على الكل )* لعل المشهد العراقي الراهن إذا جربنا تنزيل مسؤوليته –ولو من باب التجربة الذهنية-عن مشجب الاحتلال, فسيظهر على حقيقته كعينة مما آل اليه اجتماعنا بفعل الخازوق الذي دقه العسكر قبل نصف قرن بين العلمانية و الديمقراطية ..ومن هذه الزاوية يتبدى حجم المسؤولية ( الأخلاقية ) على الأفل, التي يتحملها الرعيل الراهن من ورثة الاستبداد(العلماني ) في العالم العربي عن المخنق الراهن . لا توجد أوهام عن جاهزية مجتمعاتنا العربية لتشغيل صناديق الاقتراع بطريقة مثمرة ..لقد تبخرت هذه الأوهام على نار الحرب الأهلية العراقيةالتي يتعفف الجميع من تسميتها بهذا الإسم تطيرا أو تكاذبا ..الا أن هذا يرتب علىالسلطات الحاكمة ما يسميه ياسين الحاج صالح بعقلنة الدولة
وأظنه يقصد عقلنة السلطة ..بمعنى انفكاكها تدريجيا عن سيرورة التمركز التي سّهل الانزلاق اليها المناخ الثوري الذي تولد من تلاقح استعصائين (القضية الفلسطينية –العلاقات الاقطاعية )مع جرعات من الماركسية الايديولوجيةوافدة من المعسكر الاشتراكي..لقد فك تسلم الجيوش قيادة عربة التغيير زمالة الطريق بين العلمانية و الديمقراطية في لحظة بدت فيها الأخيرة فائضة عن الحاجة. وراحت الاولى تنقح نفسها لتتأقلم مع شعبوية هذا الجنرال أو ذاك ( يكفي النظر في التعديلات على الكتاب المدرسي التي أجرتها ثورة الجيش في مصر الناصرية ,وتعممت لاحقا في معظم العالم العربي ) لمعرفة مأزق التفكير العلمي الذي سببه هذا الكتاب لخمسة شرائح عمرية تشكل معظم ممن لازال على قيد الحياة .. يمكن لانفكاك تدريجي عن جدلية التمركز التي تحكمت منذ خمسة عقود بالمستويات الثلاث للبنية :الاقتصاد والايديولوجيا والسياسة.. ( الترتيب يأخذ بالاعتبار المنحى الصاعد لكثافة التمركز ) تجنح إليه السلطات (العلمانية ) الراهنة, أن يفلح في تجنيب مجتمعاتها مآلا عراقيا (إعادة تسليم الطوائف مفاتيح زرائبها لنخبها الدينية) في مناخ تعبوي تختصره الحكمة البدوية ( النعجة الشاردة يوكلها الديب ) ..ويفتح على استعادة اللحمة الوطنية التي تأسست في المرحلة الكولونيالية , واكتست شيئا من اللحم في الفاصل الليبرالي من عمر دولة الاستقلال .و..على الخروج من الاستعصاءالراهن الذي تتشابك أسبابه ونتائجه في المستويات الثلاثة للبنية :
الاقتصادي والايديولوجي والسياسي ..
عقلنة السلطة ..خارطة طريق للخروج من المأزق ..من يرسم هذه الخارطة ؟
سؤال برسم الجميع : السلطة والمعارضة والمجتمع ..لا نوزع لنضيع المسؤولية .. بل لأن الأرجل جميعها في الفلقة..
* أنظر محمد جابر الأنصاري -العرب والسياسة: أين الخلل ؟-دار الساقي